! تكتسي أجهزة الاستعلامات والمخابرات في كل دول العالم الأهمية القصوى، بالنظر لقدرتها الفائقة في حماية منظومة الأمن القومي والتوقي من كل المخاطر الداخلية والخارجية.. والتي في إطار الإنفتاح والعولمة التي ألغت الحدود الجغرافية والحضارية باتت الاستعلامات تشتغل على جبهات داخلية وخارجية في نفس الوقت حاولنا من خلال شهادة ضابط المخابرات المذكور آنفا رصد واقع الاستعلامات في تونس والذي يقول عنه محدّثنا: "الفراغ السياسي جعل التركيز العام منصبّا على الأمن والاستعلامات.. ليتحوّل كل ما هو استعلام أومعلومة الى معطى تحت دائرة الضوء طوال الوقت.. وهو أمر يعتبر بدعة محلية لا نجده في أيّة دولة". ويضيف محدّثنا "أما التقليعة الأخطر فهو أن التقارير أصبحت شفوية وهو ما يصعّب امكانية التثبّت من المعلومة أو من مسلكها أو منبعها لأن قراءة التقرير تتطلب الأخذ بعين الاعتبار لعدة جوانب أهمّها منبع المعلومة وكيف وصلت حتى تتحلّى بالمصداقية والدقة المطلوبتين..". وحسب ما أفادنا به محدّثنا فان هناك استهانة بجهاز الاستعلامات، بحيث قد يتحوّل أعوان الشرطة البلدية أو أعوان المحكمة حسبما يذكر محدّثنا إلى عناصر فاعلة في فرق الإرشاد.. ويضيف محدّثنا في تهكّم "عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية السابق يقال أنه يوميا يخصّص 4 ساعات للقراءة.. لكن نحن الاعوان الذين انضموا للجهاز بالترقيات أو الولاءات ولا يملكون القدرة على التقاط المعلومة وتوجيهها الوجهة الصحيحة لأن الحدس يتكوّن بالكثير من العمل والخبرة والدربة وتبادل التجارب والخبرات المحلية والأجنبية والتي افتقدناها في الجهاز بتعليمات القيادة التي رفضت استقدام مكونين أجانب للمدرسة المختصة في التكوين الاستعلامي..". خلايا جنينية.. في ختام حديثنا سألت محدّثي عن دور جهاز الاستعلامات في مكافحة الارهاب والتصدّي للمجوعات المتطرّفة والعنيفة فأكّد "الأعمال الإرهابية في تونس لم تقتصر على حادثة 'الغريبة' أو 'سليمان' بل تم ذبح 2 من أعوان الأمن من طرف مجموعة سلفية في سوسة.. وهذه الحوادث جعلت المجهود الاستعلامي يهتم بهذه المجموعات ويشتغل عليها بدقة وحرص شديد وقد تمكّنا زمن بن علي من كشف 'خلايا جنينية' وهي الخلايا التي ما زالت في بداية التشكّل لأن الاستعلامات تقوم بعمل وقائي واستباقي، وشخصيا اشتغلت على مجموعة منزل بورقيبة وخاصّة عقبة وقابيل الناصري اللذين ذهبا الى العراق واليوم 'يجاهدان' في سوريا.. ولكن لأن النظام فقد شرعيته فالاستعلامات فقدت شرعيتها..". وحول حقيقة أن تونس، مرتع للمخابرات الأجنبية يقول محدّثنا "تونس ترتع فيها المخابرات لعدّة أسباب أهمها أن تونس بلاد سياحية.. سنويا يدخل حوالي 6 ملايين سائح الى تونس ممّا يصعّب عملية المراقبة.. كذلك تونس واقعة بين دولتين مغلقتين -ليبيا والجزائر- وبالتالي العمل المخابراتي على هذين الدولتين يتمّ من تونس..".
البشير التركي مدير سابق للاستعلامات العسكرية الأمن اخترقته.. الفوضى «غير» الخلاقة !!! يقول البشير التركي "التحقت بالمؤسسة العسكرية سنة 1956 وقد تلقيت تكوينا في الاستعلامات من أعلى مستوى وفي معهد متخصّص في فرنسا، حيث من الممكن القول أنني وفي سنة 1964 قد بلغت قمة التفوّق العلمي والتكنولوجي فقد تحصّلت على شهادة في الهندسة اختصاص "ليزر" الذي يعتبر في ذلك الوقت ثورة في مجال التكنولوجيا.. كذلك بالنسبة للاستعلامات أنهيت في نفس السنة تعليمي في دراسات الرادار، وفي المعهد الفرنسي المتخصّص طلب مني بعض الجنرالات وبتوصية كما يقولون من ديغول أن أبقى في فرنسا وأحصل على الجنسية، واختار إمّا العمل المدني أو العسكري، فأجبت الجنرال الذي عرض علي المقترح: كيف أخون بلدي وأنا أرتدي البدلة العسكرية؟.. فأين من ذلك الشرف العسكري الذي لا أملك غيره.. وبعد ذلك بأشهر عدت الى تونس عملت جاهدا لتكوين خلية استعلامات داخل المؤسسة العسكرية وانصرفت للعمل بكل جهد.. وفي أواخر سنة 73 كانت حالة بورقيبة الصحية متدهورة وكان عبد الله فرحات وزير الدفاع آنذاك يحضّر سيناريو النهاية بحيث اذا توفي بورقيبة تتسلم السلطة العسكرية الحكم مباشرة.. وبما أني ابن المؤسسة حاول عبد الله فرحات ومن معه استمالتي لمخططهم الذي رفضته جملة وتفصيلا، وهو ما جعل وزير الدفاع آنذاك يناصبني العداء، خاصّة وأني كشفت مخططهم، للاستيلاء على الحكم، لبورقيبة عن طريق بلخوجة وهو ما جعل بورقيبة يسارع بعزل عبد الله فرحات.. وفي سنة 1974 دعاني الطاهر بلخوجة الذي كان وزيرا للداخلية وطلب مني أن أقوم بتركيز جهاز استعلامات بوزارة الداخلية كما فعلت سابقا بوزارة الدفاع.. لكن في 1977 عاد عبد الله فرحات الى الحكم وتولّى الاشراف على وزارتي الدفاع والداخلية.. وبعدها بقليل غادرت الداخلية واعتزلت عملي ومن ثمة سافرت الى جينيف حيث أنشأت شركة وتخصّصت في "صناعة" وبيع الأفكار مستغلا خبرتي التي اكتسبتها من خلال التكوين العلمي في اللاسلكي وفي فكّ الشيفرات وفي كل ما يتعلّق بالاستعلامات والأعمال الأمنية الدقيقة.. الربيع العربي والفوضى الخلاقة سألت محدّثنا عن رأيه في الثورات العربية وفي مآلها، وهل ستنصف الشعوب التي ثارت على الدكتاتورية والاستبداد، فأفادنا "أنه عندما عدت الى تونس، كتبت مقالات في إحدى المجلات التونسية حول الوضع السياسي العالمي، وقد تناولت بالدرس والتحليل أبعاد برنامج جورج بوش القائم على ما يسمّى بنظرية الفوضى الخلاقة وخلق حالة من العبث في الدول وخاصّة البلدان العربية والاسلامية، تطبيقا لأجندا عالمية.. وقد ثبت بالدليل القاطع أن بوش خرج من الحكم ولكن أوباما عندما تولّى الرئاسة في البيت الأبيض وضع هذا البرنامج قيد التنفيذ.. وقد انتظروا فقط الحدث المناسب لإعطاء إشارة التنفيذ (وقد كانت حادثة حرق البوعزيزي لنفسه في تونس بداية تنفيذ العملية) حيث تجنّدت وسائل إعلام عربية كالجزيرة وفرنسا 24 للنفخ في النار.. وبالتالي استغلت اسرائيل وأمريكا الحدث وأطاحت بالحكام المستبدين بعد أن حضّرت البديل من قبل وهم الاسلاميون الذين دفعت بهم الى تصدّر المنابر الاعلامية، وكل ذلك باستغلال التمويلات القطرية والسعودية وأنصار الفكر الوهابي..". سألته كيف لأمريكا أن تفتح الباب على مصراعيه للاسلاميين، ألا تخشى انقلابهم عليها خاصّة مع تنامي فزّاعة الجماعات الارهابية؟ فأكّد محدّثنا أن الارهاب صنيعة أمريكية لتحقيق أجندات دولية.. الموساد يغتال بلعيد سألته كذلك، هل أقنعت الحركات الإخوانية في بلدان الربيع العربي الولاياتالمتحدةالأمريكية بأحقيتها في الحكم؟ فأكّد أنه بالنسبة لحركة النهضة في تونس فإنها لم تقم بالمهمة الموكولة إليها في إرضاء الأمريكان، وأثبتوا عدم كفاءتهم في الحكم وارتكبوا عديد الحماقات..". وحول عملية اغتيال شكري بلعيد يقول التركي "مخابرات أجنبية كانت وراء مقتل شكري بلعيد لأنه يحب وطنه ولا يساوم بمبادئه.. وعموما طريقة الاغتيال كانت بلمسات الموساد التقليدية". وحول الأداء الأمني كيف يقيمه البشير التركي اليوم، يقول "اليوم أصبح الأمن محكوما بالتجاذب والصراع وانتشرت الفوضى غير الخلاقة بحيث بات العون ممزّقا بين تعليمات القيادة و'سطوة' الشارع.. وبالتالي فالمؤسسة الأمنية تحزّبت واخترقتها الفوضى غير الخلاقة" ويضيف "وأعتقد أن من في الحكم يريد هذا الانفلات الأمني.. وأخشى اليوم أن يزجّ بالمؤسسة العسكرية في الصراع الدائر بعد أن أرهقت طوال سنتين من الثورة..". ويختم البشير التركي بقوله أنه مستاء من الرئاسة التي يضخّ فيها خزينتها الشعب التونسي أموالا كثيرة دون أن يجني من ورائها شيئا، فرئيس الجمهورية يحصل شهريا على 30 ألف دينار دون أن يقدّم شيئا وقد حافظ على قوانين بن علي الجائرة في تضخيم ميزانية الرئاسة و«نهب» أموال الشعب...