إجراءات لفائدة القطاع السياحي بزغوان    الشعباني يقود نهضة بركان للفوز بكأس ال «كاف»    قرعة كأس العرب ..تونس في المجموعة الأولى مع قطر    بوتين يهنئ قادة الدول والحكومات الإفريقية ب"يوم إفريقيا"    مع الشروق : آه منكم يا عرب !    مصر.. تحذيرات غامضة من "حدث كبير وشيك"    منذ بداية العام وإلى غاية 23 ماي: تسجيل 411 قتيلا و2390 جريحا في حوادث المرور    الصندوق العالمي للطبيعة بشمال افريقيا ينظم "مخيم القرش" بجرجيس من 16 الى 19 جوان 2025    أحمد الجوادي يحرز برونزية سباق 1500 م سباحة حرة في ملتقى ماري نوستروم    اختتام الدورة الثالثة من الأيام المسرحية بالمؤسسات التربوية بدار الثقافة المزونة    السعودية: المحكمة العليا تدعو إلى تحري رؤية هلال ذي الحجة مساء الثلاثاء    بداية من الغد: الانطلاق في إجراء تحليل تقييم خطر الإصابة بتسمم الحمل في مستشفى وسيلة بورقيبة    أمين عام "حزب الله".. ننصح ترامب أنه أمام فرصة التحرر من إسرائيل والدفع بالاستثمار الأمريكي بالمنطقة    وزارة الصحة.. الناموس يمكن ان ينقل امراضا فيروسية وهكذا نحمي انفسنا مه    غرق سفينة تنقل مواد خطرة قبالة سواحل الهند    القصرين: تنظيم قافلة صحية متعددة الإختصاصات بالمدرسة الإعدادية "الزردة" بفريانة    وزير الشباب والرياضة يشرف على اختتام النهائيات الوطنية لألعاب القوى على المضمار لحاملي الإعاقة للموسم الرياضي 2024-2025    كأس تونس.. الترجي يقصي بنقردان ويمر الى النهائي    طقس الليلة    ارتفاع صادرات القوارص بنسبة 46% خلال موسم 2025/2024    أخر أجل لقبول الترشحات للبرنامج التدريبي في تقنيات إعداد البودكاست الأدبي 3 جوان 2025    الخارجية تعلن رسميًا: استئناف نشاط القنصلية التونسية ببنغازي    دراسة: تونس تتمتع ببنية تحتية رقمية في توسع مستمر في ظل وجود إمكانات كبيرة للاستفادة من التقنيات الحديثة لخدمة المصلحة العامة    أشرف الكعلي وبرنامج "فكرة سامي": ترويج الغباء ونظرية المؤامرة    توزر.. يوم إعلامي حول الانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة دقاش حامة الجريد تمغزة    لأول مرة: الباكالوريا تبدأ يوم الإثنين عوضًا عن الأربعاء!    الكاف: الاتحاد الفلاحين يدعو إلى تأخير موعد الانتفاع بمنحة التسليم السريع للشعير    بلدية جرجيس: سوق وحيدة لبيع الأضاحي وقرارات صارمة ضد الانتصاب الفوضوي    ''ست الحبايب'': هكذا ولدت الأسطورة اللي يسمعها كل تونسي في عيد الأم!    تعرف على هذه العلامات التحذيرية المبكرة للخرف    وزير الداخلية يتابع نسق الحركة التجارية بمعبر ذهيبة وازن    إذاعة صفاقس عبد الوهاب الجربي ومُحمد قاسم يتحدثان عن آخر الإستعدادات لإمتحان الباكلوريا    خطوات بسيطة لمنزل أنيق ونظيف: كيف تتخلّصين من الفوضى وتحافظين على النظام؟    تراجع القروض البنيكة غير المهنية من 851 م د الى 3ر569 م د بين 2023 و2024    أكثر من 167 ألف سائح في 4 أشهر: نابل تستعد لصيف استثنائي    تونس تحتفل بمرور 30 سنة على اعتماد سياسة النهوض بالاستثمار الخارجي: من الأقطاب التكنولوجية إلى ريادة صناعية قارية    ريال مدريد يعلن رسميًا تعيين تشابي ألونسو مدربًا جديدًا بعد رحيل أنشيلوتي    وزير الداخلية يشرف على إحياء الذكرى 67 لمعركة رمادة    زراعات كبرى: بوادر صابة وفيرة واستعدادات حثيثة لتأمين موسم حصاد 2025 وإنجاحه    بطولة هامبورغ للتنس: الإيطالي فلافيو كوبولي يتوج باللقب على حساب الروسي روبليف    جندوبة: حجز كمية كبيرة من سماعات الغشّ في عملية أمنية    لحظات من الرعب.. راكب مجنون يحاول قتل ركاب طائرة يابانية متجهة إلى أمريكا!    لماذا يحتفل اليوم بعيد الأمهات في تونس؟    مايا تواصل دعم قضايا المرأة بأغنية اجتماعية تنال تفاعلًا واسعًا    يوم مفتوح لفحص مرض الكحلي يوم السبت المقبل بمعهد الهادي الرايس لامراض العيون بباب سعدون    قبلي: المدرسة الابتدائية بجمنة تتحصل على جائزتين من منظمة الصحة العالمية ومنظمة الامم المتحدة للطفولة    جوائز مهرجان كان السينمائي 2025.. تألق عالمي وبصمة عربية    أمطار متفرقة بالمناطق الساحلية الشمالية صباح الاحد وارتفاع طفيف للحرارة    الفيلم الإيراني "مجرد حادث" يحصد السعفة الذهبية بمهرجان كان السينمائي    أولا وأخيرا: «يطول ليلها وتعلف»    جندوبة: الاحتفاظ بشخص وإحالة 3 آخرين بحالة تقديم من أجل تحوّز أجهزة الكترونية معدة للغش في الامتحانات    طقس الليلة    عاجل : النيابة العمومية تفتح تحقيقاً بعد وفاة شابة بطلق ناري في الكاف    كرة السلة: اليوم الجولة الرابعة لنهائي البطولة المحترفة    عاجل/ تفكيك شبكة مختصة في ترويج سماعات الغش في الامتحانات..وهذه التفاصيل..    الفكر المستقيل    موعد بدء إجازة عيد الأضحى في السعودية    29 يوم فقط تفصلنا على بداية فصل الصيف    









كفاءات توءد دون أسباب مقنعة... والدولة تدفع الثمن
تحقيقات «الصباح»: «الفريقو» في الادارات التونسية
نشر في الصباح يوم 29 - 07 - 2009


تونس الصباح
بعد سنوات طويلة من الكد والجد وجد الموظف السامي المعترف له بالكفاءة والاقتدار نفسه حبيس جدران مكتبه الصغير، حيث يعمل باحدى المؤسسات التونسية.. يتصفح جريدة.. ولا شيء امامه غير تصفح الجريدة..
فقد حرمه مديره الجديد من العمل، وجرده رويدا رويدا من جميع الملفات التي كانت بين يديه، وفي ظرف شهرين فقط صار مكتبه خاليا من جميع الملفات، ولم يعد في وسعه سوى مطالعة الجريدة، كما صار جميع الزملاء في المؤسسة يتحاشونه، ورغم تعاطفهم معه، اصبحوا يخشون حتى التحدث معه او دخول مكتبه، فالكل خائف من المدير.. هذا الاطار السامي احيل منذ اشهر على «الفريقو».. وليس هو الوحيد الذي مر من هناك.. بل غيره كثيرون..
ف«الفريقو» في الادارة التونسية كان لسنوات طويلة ومازال الى يوم الناس هذا معضلة كبرى تؤرق الموظفين.. ورغم كل الجهود التي بذلت خلال العقد الاخير لتطوير هذه الادارة وتحديثها فقد ظل «الفريقو» ظاهرة تبعث على الانشغال.. فهو وبالاضافة الى مساهمته في تحطيم معنويات الموظف واطفاء شعلة الطموح فيه فانه يكلف المجموعة الوطنية اموالا طائلة.. ويمكن الاشارة على سبيل الذكر الى ان هذا الموظف السامي وحده يتقاضى (بين مرتب وامتيازات) قرابة ثلاثة الاف دينار.. مقابل لا شيء يقدمه للمؤسسة التي يعمل فيها.. غير مطالعة الجريدة.. ومقابل لا شيء يعطيه للمجموعة الوطنية التي استرق من رصيدها هذا المرتب دون ان تدري.. غير الجلوس وحيدا في مكتبه طيلة 8 ساعات ونظرا لان الاحصائيات المتعلقة بعدد الموظفين «في الفريقو» غير متوفر.. والخسائر المنجرة عنه غير مقدرة.. وفي غياب هذه المعلومات المهمة والتي سعينا قدر المستطاع الى معرفتها بسؤال عدة مصادر.. اكتفينا في هذا التحقيق بمحاورة عدد من الموظفين المحالين على الفريقو ومعرفة وقع عملية التجميد عليهم وانعكاساتها على حياتهم المهنية والعائلية.. كما تحدثنا الى مسؤول عن الوظيفة العمومية بالوزارة الاولى عن سبل الحد من هذه الظاهرة واستفسرنا مختصين في علم الاجتماع عن تفسيرهم لاسباب ظهور «الفريقو» واثاره الاجتماعية.
عند حديثنا مع موظفين محالين على «الفريقو» اجابونا ان عدد الذين مروا من هناك لا يحصى ولا يعد.. فكلما اختلفت الامزجة بين المدير والموظفين او كلما تغير المدير.. تتضاعف حظوظ «الفريقو» باستقبال عدد اكبر من الموظفين والكفاءات.. ولكن في المقابل نفى مصدر مسؤول بالوزارة الاولى مكلف بالوظيفة العمومية، ان يكون «الفريقو» (ظاهرة) في الادارة التونسية وبين انه «لا يمكن معرفة، من هم «بالفريقو» اذا لم يبادروا هم بأنفسهم باعلام الادارة العامة للوظيفة العمومية بالوضعيات التي يمرون بها.. وهو امر لم يحدث وذكر ان «الفريقو» لا يمكن ان يوجد في الادارات العمومية لان هذه الادارات تشتغل حسب سلم اداري مضبوط.. ويكلف كل موظف فيه بمهمة او مجموعة مهام ولا يمكن ان يوجد موظف يقبض اجرا دون ان يكون مكلفا بمهمة ما.. اذ يقوم رئيس الهيكل او القسم او المصلحة بتقسيم العمل على الموظفين ويكلف كل منهم بعمل ما وبالتالي لا يمكن ان يوضع احدهم في «الفريقو» دون ان يقع التفطن الى الامر خاصة اذا كان مديرا وله خطة وظيفية واستغرب محدثنا ان نتطرق في جريدة «الصباح» لموضوع «الفريقو» قائلا: لقد تطورت الادارة التونسية بصفة ملحوظة واصبحنا نتحدث عن ادارة كفأة تخدم دواليب الدولة.. ولكنكم تتحدثون عن «الفريقو!».. وذكر المصدر نفسه انه لا وجود للفريقو.. لكنه استدرك قائلا وانما هناك ممارسات يقوم بها بعض المديرين.. كأن يسحبوا ملفات من بعض الموظفين ويكلفون بها غيرهم وبالتالي تتقلص مهام الموظف الاول فيذهب الى ظنه انه جمد.. وتزيد مهام الثاني..».. وهو ما نفاه موظفون مجمدون اذ اكدوا على انهم لا يؤدون اي دور..
عقوبة غير مبررة
عند الحديث عن احالة موظف على «الفريقو» يتبادر الى الذهن ان هذا الاخير ارتكب خطأ مهنيا استوجب سحب الثقة منه وبالتالي سحب جميع الملفات التي كان يشتغل عليها حماية لمصلحة المؤسسة او الادارة.. لكن ما افادنا به موظفون محالون حاليا، او احيلوا سابقا على الفريقو يفند هذا الامر.. اذ انهم اكدوا على ان احالتهم على الفريقو لم تكن نتيجة اخطاء مهنية او اخطاء في التصرف وانما هي اجراءات غير مبررة ولا تخضع لاي منطق اتخذها ضدهم مديروهم في العمل..
ويقول احدهم وهو اطار عال «لقد احلت على الفريقو منذ اكثر من سنة.. ولا اذكر انني اخطأت.. كما ان المدير سحب جميع الملفات التي كنت مكلفا بها رويدا رويدا ولم تعد لي من مهمة، غير تصفح جريدة او الابحار على شبكة الانترنيت.. «ولعل المؤسف في الامر انه فعل ذلك لان هناك من الموظفين من قال له بمجرد تسلمه المنصب انني «تابع لفلان» اي للمدير الذي سبقه».
واضاف محدثنا «نعم كان مديري السابق يثق بي كثيرا ويعول علي في المهمات الصعبة لانه اقتنع بكفاءتي.. لكن المدير الجديد وعوضا عن الاستفادة من الخبرة التي اكتسبتها طيلة سنوات عملي بالمؤسسة وضعني في «الفريقو» وحرمني من عملي الذي احبه حتى النخاع.. والذي اتفانى فيه.. وافنيت فيه سنوات من العمر.. لقد فعل ذلك دون اي مبرر، اذ انني لم اتصل منه بأي تقرير او تفسير او تبرير لهذا الاجراء».
خبير اخر امضى في ادارته 30 سنة.. وكان يشغل خطة مدير مركزي وله مهام سامية احيل منذ اشهر على «الفريقو» رغم ان جميع المديرين السابقين واعرافه يشهدون له بالكفاءة والخبرة وحب العطاء.. لكن بعد مدة قصيرة من تنصيب المدير الجديد وجد نفسه مجردا من المهام التي انيطت سابقا بعهدته واصبح يقضي طيلة اليوم في مكتبه مكتوف اليدين.. وهو ما دفعه الى تقديم مطلب للحصول على اجازة مدتها شهر ونصف.. يقول هذا الخبير وقد بدا عليه الكثير من التوتر والاحساس بالمرارة: «نعم.. هذا ما جناه علي مديري الجديد.. فعوضا عن تشجيعه لي والاستفادة من خبرة 30 سنة في المجال.. احالني على الفريقو دون سبب مقنع.. فقد سبق ان نقلني بصفة تعسفية من مهمتي كمدير مركزي الى رتبة مدير مستشار، ويعد هذا التصرف عقابا من الدرجة الثانية ويستوجب عرض ملفي على مجلس التأديب ليبت في امري لكن المدير لم يفعل كل هذا واحالني مباشرة على الفريقو دون تفسير الاسباب نفس الامر تعرض له خبير دولي اخر معترف له عالميا بالكفاءة فقد جاب الكثير من البلدان وافادها بخبراته قبل ان يلتحق بالادارة التونسية ويشتغل باحدى الوزارات مضحيا باجر ناهز الاربعة الاف دولار.. ولكن لم تشفع له خبراته ولا كفاءاته العليا.. فقد كان مآله هو ايضا «الفريقو» لاسباب قال عنها انها واهية.. واضاف الخبير: «تم تجميدي واحالتي على الفريقو، لانني كنت من منطلق موقعي كخبير ابدي ارائي بعيدا عن كل الحسابات في المشاريع والدراسات المراد انجازها.. وهو امر لم يرق الى المسؤول واعتبرني هو ومن يحيطون به من كوادر عنصرا غير مرغوب فيه ورغم انني كنت دائما استند في اقوالي الى حقائق علمية وموضوعية.. فانه لم يقع الاستئناس بخبراتي.. واحلت رويدا رويدا على الفريقو.. ولكنني لم ابق مكتوف اليدين بل كرست كل وقتي للبحث واجريت عدة دراسات هناك.. ولما طال بي الحال في الفريقو غادرت الوزارة متخليا على مرتب اكبر بكثير من الذي اتقاضاه الان في وظيفتي الجديدة»..
واذا اعتبر الخبير الدولي اسباب احالته على الفريقو واهية.. ورآها الموظف السامي غير مبررة ولا تخضع لاي منطق فان علماء الاجتماع وخاصة المتخصصين في علم اجتماع الشغل يجدون لها تفسيرات اخرى..
الحسد.. سبب البلية
وفي هذا الصدد افادنا الدكتور محمود الذوادي ان «التونسي معروف عنه انه شخصية مستنفرة بمعنى انه شديد النفور.. هي شخصية ينقصها حافزا التعاطف والتقارب مع «البراني».. وتجعل سمة الاستنفار هذه سلوك التونسي في تعامله مع التونسي الاخر يتصف عموما بالحذر والتوتر والخوف والتوجس وعدم الارتياح.. وهذا ما ينطبق على حال مدير جديد مع موظف قديم والعكس صحيح.. ونتيجة لهذا الحذر يحدث ان يرى المدير ان افضل السبل لراحته هي تجميد الموظف الذي يتوجس منه».
واضاف الذوادي «لقد قال ابن خلدون ان العدل اساس العمران.. ولكن اذا احيل الموظف رغم ما يتمتع به من كفاءات على الفريقو فانه يحس بالظلم والغبن.. كما ان المدير بهذا التصرف لا يخلق مناخا اداريا مطمئنا ويشعر فيه بقية الموظفين بالراحة النفسية بل انه يخلق مناخا عاما سيغلب عليه التوتر والريبة».
باحث اخر في علم اجتماع الشغل فسر لنا ظاهرة «الفريقو» من خلال بحث أنجزه في اطار شهادة الدراسات المعمقة حول الشغل والعلاقات الشغلية في المؤسسة واشرف على تأطيره الجامعي رضا بوكراع..
وخلص فيه الباحث الى ان العلاقات الشغلية في تونس داخل المؤسسة لا تحكمها الكفاءات بقدر ما تحكمها اعتبارات الولاء.. وقال انه من المفارقات الغريبة ان اغلبية الموظفين الذين يحالون على «الفريقو» هم من ذوي الكفاءات العالية.. وذكر ان العلاقات الشغلية مبنية على الطاعة وعدم اثارة الخلافات مع الرؤساء في العمل.. وانه في غياب الرأس مال الرمزي وهو الكفاءة فان العامل يحاول توظيف اشياء اخرى للتقرب من رئيسه في العمل.. ولكن من له كفاءة وقدرة.. فانه عادة ما تكون تلك الكفاءة والقدرة سببا في التصادم مع رؤسائه في العمل خاصة الذين هم اقل كفاءة..
ولاحظ الاخصائي في علم اجتماع الشغل ان المؤسسة العمومية يغلب عليها الصراع.. فهناك صراع اجيال مختلفة واعمار مختلفة وكفاءات مختلفة.. وتؤدي علاقات الصراع هذه الى تجميد الكفاءات من قبل من يملك سلطة القرار والتسيير.. ويعد «الفريقو» على حد تعبيره شكلا من اشكال العقاب الاداري وشكلا من اشكال تجاوز السلطة والصلاحيات الادارية..
وذكر ان العلاقات الشغلية في القطاع العمومي مبنية على السلطة والهيمنة والتراتبية خلفا لما يحدث في القطاع الخاص حيث تكون العلاقات الشغلية اكثر وضوحا.. لان المؤسسات الخاصة مبنية على ثقافة الربح والنجاعة وحتى ان وجد صراع داخل هذه المؤسسات الخاصة فانه اقل حدة واقل توترا مما يحدث في المؤسسات العمومية التي يكون الارتقاء فيها محددا بتراتيب وقوانين.. فالارتقاء داخل المؤسسة العمومية لا يضمن عملية التدرج بسرعة للطاقات الشابة وهو ما يؤدي الى تصادم حتمي وتكون العلاقات الشغلية دائما علاقات صراع مادامت هناك تراتبية اي سلطة ومادامت هناك رغبة في الهيمنة والنفوذ.. وعادة نجد من لهم اقدمية في المجال لا يتركون فرصة الارتقاء للطاقات الجديدة.. وبذلك فان الارتقاء في الوظيفة العمومية يتم على اساس الاقدمية اي ان الاقدم فيها هو الذي تكون له سلطة التسيير حتى وان كان الجدد اكثر كفاءة واكثر مواكبة لثقافة المؤسسة وللتطورات التكنولوجية التي شهدتها هذه المؤسسة.. ويشعر المحالون على «الفريقو» على حد قوله بالسأم والقلق والتوتر وهي احساسات مدمرة..
اثار مدمرة
احالة موظف سام، او خبير دولي، او مهندس معترف له بالكفاءة، او جامعي مقتدر، على «الفريقو» وحرمانه تعسفيا من العمل ومن عديد الامتيازات الاخرى التي كان يتمتع بها سابقا مثل المنح والسيارة الادارية ووقودها وغيرها.. امر لا يحتمل، فهو عقاب موجع لهم ويكبر وجعهم ويتضاعف اكثر حينما تنتفي الاسباب التي جعلت مديريهم يحيلونهم على الفريقو او «محبط الطاقات والعزائم» كما سماه احدهم.
وعن هذا الوجع حدثنا موظف سام قائلا: «لقد كنت دائما مثالا للعامل الذي لا يكل ولا يتعب.. كنت اغادر منزلي على الساعة السادسة والنصف صباحا ولا اعود اليه الا العاشرة ليلا.. حتى انني لم اواكب مراحل نمو اطفالي.. ولم اشعر ان السنوات تمر وان ابنائي يعيشون شوقا كبيرا للقائي.. لقد اعطيت الادارة الكثير من وقتي وجهدي وموهبتي وخبرتي.. ورابطت فيها طويلا لمعالجة العديد من الاشكاليات وحل بعض القضايا لكن اي جزاء كافأتني به الادارة التونسية بعد اكثر من ثلاثين سنة عمل دؤوب.. لقد وضعني مديري في الفريقو! لقد حرمني من علاقات جميلة كانت تربطني بجميع الزملاء في العمل.. فقد كان مكتبي سابقا يعج بهم.. الكل يأتي ليستشيرني.. والكل يطرق بابي ليقول لي صباح الخير لكن الان لا احد منهم يفعل.. بل اصبحوا يخافون من المرور امام مكتبي او مقابلتي صدفة في احدى الممرات لانهم سيقولون صباح الخير.. وهم يخافون من عواقبها... كما ان اجواري يتساءلون ويتهامسون: لماذا سحبت منه السيارة الادارية.. وماذا فعل لكي يحال على الفريقو.. وهو ما جعل جميع افراد عائلتي يتألمون معي».
ونفس الامر تحدث عنه مدير مركزي محال على الفريقو واضاف هذا الاخير: «لقد احسست بقلق كبير.. ولم اعد اقدر على البقاء طيلة اليوم في مكتبي مكتوف اليدين.. ولهذا الغرض اسرعت بتقديم طلب اجازة مدتها شهر ونصف عساني استريح من الضغوطات النفسية التي مررت بها».
وفي نفس الصدد ذكر الاستاذ محمود الذوادي ان الموظف المبعد في الفريقو يشعر وكأنه خارج السرب وهو امر مؤلم للغاية.. وذكر ان من يحرم تعسفيا من العمل خاصة اذا كان محبا للعمل وكانت مواطنته قائمة على العمل، يؤثر ذلك سلبيا على نفسيته وعلاقاته بالاخرين ويجعله يعيش حالة فراغ..
ومن جهته قال أحد المجمدين «لنتصور فقط الغبن الذي يعيشه موظف يقبع يوميا ثماني ساعات داخل مكتبه بين الجدران في صمت وهو لا يفعل اي شيء.. انه حتما سيشعر بحالة اغتراب داخل المؤسسة.. وفي هذه الحالة فان الطرد ربما يكون افضل من تلك الوضعية اي البقاء في «الفريقو» وعيش الروتين الاداري والجمود بكل معانيه القاتمة.
لئن اطنب المجمدون في ذكر الاثار النفسية والاجتماعية المدمرة ل«الفريقو» عليهم. فانهم ابدوا تقريبا عدم اكتراث كبير بالامتيازات التي سحبت منهم بعد التجميد لان هاجسهم الاول هو العمل واستعادة ملفاتهم التي يشتغلون عليها واستئناف نشاطهم داخل مؤسساتهم واداراتهم والتخلص من حالة التجميد التي وجدوا انفسهم فيها دون اسباب مقنعة..
ويذهب احدهم الى القول: «نعم لقد تألمت حينما سحبوا مني السيارة الادارية خاصة وانني لا امتلك سيارة خاصة.. ولكن هذا الالم لا يقاس بالالم الذي اشعر به يوميا حينما اشاهد مكتبي خال من الاوراق والملفات..».
واضاف «اني اتساءل بيني وبين نفسي اي ذنب ارتكبت.. لأحال على «الفريقو».. ولماذا احصل على مرتب قدره ثلاثة الاف دينار مقابل الجلوس طيلة اليوم في مكتبي دون القيام بأي عمل يذكر».
وقال مدير مركزي: انني اتقاضى مرتبا شهريا قدره ثلاثة الاف و700 دينار ولكني في «الفريقو».
ومن جهته، ذكر الخبير الدولي انه استغل فترة الفريقو احسن استغلال فقد وظف كل طاقاته ووقته للقيام بدراسات عساه يفيد بها البلاد.. و«يحلل مرتبه» واكد الخبير في اكثر من مناسبة على حبه الشديد للعمل وقال ان جميع من اشتغلوا معه يعرفون حبه الكبير للعمل..
ولكن هل احلت انت لما كنت في مواقع المسؤولية اشخاصا على الفريقو؟ عن هذا السؤال اجابنا الخبير بالنفي.. وقال انه كان دائما يبذل قصارى جهده لاستغلال طاقات جميع من يعملون معه وهو امر لا يعجب العديد منهم.. وذكر ان المرتب لا يهمه بقدر ما يهمه العمل كقيمة انسانية نبيلة.. فقد تقاضى مرتبا قدره (500 دينار) وتقاضى مرتبا قدره (6000 دينار) ولم تغير المادة منه شيئا.. لان العمل هو الاهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.