أكثر من 2000 من شباب تونس «يقاتلون» في سوريا ! 40 ألف شاب «هاجروا» بعد الثورة 53 % من حالات الانتحار حرقا ضحاياها من الشباب الجهاد في سوريا.. أو اتخاذ قوارب الموت للهجرة غير الشرعية.. أو حرق الجسد في لحظة يأس.. ثلاثة توجهات تلخّص الحالة التي بات عليها الشباب التونسي بعد عامين من قيام ثورة خالها ستقطع مع سياسة التهميش والإقصاء، ثورة آمن بها وظن أنها ستوفر مواطن الشغل للآلاف من خريجي الجامعات وستحدّ من البطالة وتضمن كرامة العيش. ولم يدرك هذا الشباب للحظة واحدة بان أوكد أولويات ساسته ستكون الانكباب على إثبات الهوية الإسلامية للمجتمع التونسي وتقسيمه إلى كافر وعلماني.. الأرقام مفزعة بل مخيفة فوفقا لعدة معطيات متواترة ومتقاطعة فإن أكثر من 2000 من شباب تونس يقاتلون في سوريا في معركة ليست في الواقع معركتهم في حين تؤكد مصادر أخرى أن العدد مرشح إلى أن يتجاوز 3 الاف شاب علما أن بعض التقارير اللبنانية أكدت أن 40 بالمائة من الجهاديين في سوريا هم من الجنسية التونسية. وفي ما يتعلق بالهجرة غير الشرعية فالأرقام الصادرة عن المنتدى الاقتصادي والاجتماعي تؤكد ان حصيلة المهاجرين غير الشرعيين بلغت 40 ألف شاب تونسي خرجوا للهجرة عقب ثورة 14 جانفي. أما في ما يتعلق بتنامي ظاهرة الانتحار بعد الثورة ولا سيما الانتحار حرقا فحدّث ولا حرج حيث كشفت آخر الإحصائيات أن 53 بالمائة من الضحايا هم من الشباب.. فظاعة الأرقام تدفع إلى طرح الأسئلة التالية: ما الذي يدفع بالشباب التونسي إلى هذا المصير؟ أين مواطن الخلل؟ من يتحمل المسؤولية؟ أحلام الشباب تنهار.. يؤكد طارق بلحاج الباحث في علم الاجتماع السياسي أن ما حدث في تونس هو ثورة للشباب في سنة دولية للشباب مشيرا إلى أن النظام السياسي القديم كان يقرأ ألف حساب للشباب حتى من باب الدعاية السياسية المغلوطة. وأوضح ان الشباب شارك بعد الثورة بكثافة وضحّى في جميع المجالات رافقته في ذلك أحلام كبرى في التحرّر والانعتاق والعمل والكرامة لتظهر مباشرة بعد الثورة نيّة لدى الطبقة السياسية لإقصاء هذا الفاعل الاجتماعي إذ بدأت هذه الطبقة أولا بالقول بان هذه الثورة ليس لها قيادات وبالتالي فهي شرّعت لنفسها قيادتها دون أن تشارك في الثورة، وثانيا أقصت هذه الطبقة الشباب من القانون الانتخابي الذي يعطي الأولوية ضمنيا للأحزاب وبالتالي وقع تهميش كل إرادة مستقلة يمكن أن تمثل الشباب في المشهد السياسي، على حدّ قوله. خطر على الزعامات وأشار بلحاج إلى أن هذه السياسة الممنهجة لإقصاء الشباب تظهر في ضعف الحضور في المناصب القيادية سواء في أحزاب الحكومة أو المعارضة. فحسب رأيه، هنالك إجماع من الطبقة السياسية على إقصاء هذا الطرف الحيوي الذي شارك في الثورة لأنه يمثل خطرا على زعاماتهم ولأنه يذكر باستحقاقات الثورة التي يريد جل السياسيين اعتبارها مجرد قوس فتح ويجب أن يغلق. على حد تعبيره. وقال: "للخروج من عنق الزجاجة يبقى أمام الشباب التونسي مجموعة من الخيارات كالمساهمة في الحراك الشعبي والمجتمعي وهذا ما يتم عادة خارج الأطر الحزبية ويتسم بالعفوية كما انه حكر على شريحة شبابية ذات مستوى تعليمي وتكوين سياسي مقبول". كما أكد بلحاج انه لا وجود لحلول سحرية لتجاوز الوضعية الصعبة التي يعيشها الشباب اليوم مقترحا في السياق ذاته أن يتم الاستماع إلى الشباب وتشريكهم تشريكا فعليا وهذا لا يتم إلا برفع الوصاية التي يمارسها السياسيون. أزمة ثقة من جهة أخرى أكد أمين برك الله رئيس جمعية "صوتي صوت شباب تونس" أن المعضلة الكبيرة اليوم هي أزمة الثقة القائمة بين الشباب والطبقة السياسية سواء كانت حكومة أو معارضة. مجرد ورقة انتخابية كما أن المشكل، حسب برك الله، يكمن في الخطاب الذي يروّج له السياسيون أي المشاكل الاجتماعية والاقتصادية للبلاد ليجد الشباب نفسه وحيدا بعد أن كان ينتظر تغييرا وهذا لا يعني تغييرا كليا وإنما على الأقل يتمّ تشريكه في اخذ القرار في أمهات المشاكل غير أن الشباب شعر بأنه مجرد ورقة انتخابية. وأمام الفراغ الحاصل ذكر المتحدث ان الشباب وجد نفسه فريسة للمخاطر التي يترجمها التطرف الديني أو قوارب الموت والانتحار حرقا. وأضاف برك الله أن "الحكومة كما المعارضة لم تفكر في مناهج تربوية بديلة تقي بها هذا الشباب فقد انحصر اهتمامهم على تحييد وزارات السيادة وهو ما يدل على غياب الفكر الإصلاحي على اعتبار أن وزارتي التربية والتعليم هما وزارتا السيادة الحقيقيتان واللتان تستحقان الاهتمام". وذكر رئيس "جمعية صوتي صوت شباب تونس" انه لا يحمّل المسؤولية للطبقة السياسية لأنه "فاتها القطار" على حد قوله، ولا تفكر إلا في المناصب داعيا الشباب إلى أن يفتك موقعه ولا ينتظر القيادات عبر الولوج للعمل الجمعياتي وان يصارع بطرق سلمية ليعبر عن صوته عبر اقتحامهم العمل البلدي مشيرا إلى ان الحلول بيد الشباب لا القيادات. ذات الممارسات من جانب آخر قالت الحقوقية والناشطة في مجال الحريات ثريا احمد التيجاني أن الحكومة "لو قامت بواجبها لما سلك الشباب هذا الطريق خاصة انه يلمس نفس الممارسات التي كانت حكرا على النظام البائد على غرار التعيينات التي تقوم على المحاصصة الحزبية.. فنفس المنظومة تتكرر لكن مع ضحايا جدد"، على حد تعبيرها. وفي تشخيصها للوضع لاحظت التيجاني انعدام وجود برامج واضحة سواء لدى الحكومة أو المعارضة فالتنمية لم تتحقق والوعود لم يتم الوفاء بها. ويبقى الحل من وجهة نظر التيجاني هو التسريع في صياغة الدستور الذي يمثل الركيزة الأساسية التي سيبنى عليها نظام الدولة وتحديد موعد الانتخابات فعلى ضوئهما ستحدد برامج دائمة. ولان أصابع الاتهام وجّهت إلى السياسيين الذين عمدوا بدورهم إلى إقصاء الشباب ولم يعملوا على تشريكه والأخذ بيده فإن عضو المجلس الوطني التأسيسي عن حركة وفاء أزاد بادي أكد أن الشباب التونسي كان طموحه بعد الثورة في العدالة الاجتماعية بالتوزيع العادل للثروات. مشيرا إلى أن عدم تحقيق مطالب الثورة والأسباب التي من أجلها خرج الشباب إلى الشارع وحتى عدم الشروع في انجازها هو ما جعله يشعر بالإحباط وباليأس وكأن شيئا لم يتغير، فتقريبا هنالك مواصلة لنفس السياسة التنموية ولآليات الاستثمار. وأضاف بادي قائلا: "زد على ذلك أنه لم يقع تشريك الشباب في مراكز القرار او استيعاب طاقته في إطار جمعيات سياسية إذ لم يكن هذا من أولويات السلطة القائمة ولا النخب السياسية إذ كان الاهتمام منصبا أساسا على المحافظة على السلطة أو الوصول إليها وهو ما جعل الشباب يفقد الثقة في ساسة اليوم وفي أنهم قادرون على تحقيق الآمال والأحلام".