فاجأ تصويت حزب المبادرة بالموافقة على حكومة علي العريض معظم متتبعي الشأن الوطني بما في ذلك أحزاب المعارضة، وهو ما دفع بالعديد إلى الحديث عن صفقة سياسية بين حركة النهضة وحزب المبادرة. صفقة بدت بنودها تطفو على الساحة السياسية، فمن الواضح أن كمال مرجان رئيس حزب المبادرة فكر وخطط جيدا قبل أن يقرر منح حزبه الثقة لحكومة العريض على اعتبار أنه المتضرّر الأساسي من تمرير قانون تحصين الثورة، فحركة النهضة وحلفاؤها يعلمان أنّ حزب المبادرة ذو صبغة تجمعية بالأساس من جهة ويدركان جيدا أنّ كمال مرجان متورّط في قضية منح جوازات سفر ديبلوماسية لبن علي وأفراد من عائلته يوم 16 جانفي 2011 أي بعد يومين فقط من رحيل المخلوع. ورغم اعتراف كمال مرجان بذلك، فإنه تمّ تجميد ملف جوازات السفر إلى اليوم وهو ما اعتبره البعض بندا من بنود صفقة حركة النهضة بحزب المبادرة والتي فضلت إبقاء ملف جوازات السفر كوسيلة ضغط على حزب المبادرة. فكمال مرجان يخدم نفسه أولا وحزبه ثانيا حين يمنح ثقته لحكومة العريض وهو يوجّه بذلك رسالة واضحة لحركة النهضة بأنه مستعدّ للتفاوض معها، ففي السياسة لا يمكن الحديث عن مستحيل. حركة النهضة مثلا والتي ما انفكّ قياديوها يؤكّدون أنهم لن يتراجعوا عن تمرير مشروع قانون تحصين الثورة بالصيغة الأولية التي عرضوها، عدّلوا مواقفهم وهذبوا خطاباتهم مؤخرا. وآخر هذه التصريحات ما أدلى به زعيم الحركة راشد الغنوشي خلال أوّل ندوة صحفية انعقدت بعد منح الثقة لحكومة العريض معربا عن شكره لحزب كمال مرجان «لحرصه على المصلحة الوطنية»، على حدّ قوله. زعيم الحركة التي تشبثت بقانون تحصين الثورة ورفضت مبدأ العدالة الانتقالية وترك الأمر لصندوق الاقتراع للحسم في موضوع التجمعيين، غيّر من خطابه وصرّح في آخر حديث له في جريدة «الشرق الأوسط» بأنّ «الحركة قد تؤجّل النظر في قانون تحصين الثورة إلى فترة ما بعد إقرار قانون العدالة الانتقالية». ولاء سياسي بمقابل.. ويدرك حزب المبادرة وحزب الوطن الذي يرأسه محمد جغام وعدد من الأحزاب التجمعية الأخرى التي تنوي الإعلان عن توحّدها فيما يسمى ب» الجبهة الدستورية»، يدرك جيدا المنافع التي من الممكن أن يحصل عليها عندما يعلن الولاء السياسي (الذي رأينا أولى مؤشراته) لحركة النهضة. ولا يخفى عن حركة النهضة أنّ حزب المبادرة تمكن من الحصول على مقاعد في المجلس الوطني التأسيسي بفضل أصوات مدينتي الساحل (سوسة والمنستير)، وترى النهضة أنه بتحالفها مستقبلا مع المبادرة أو الجبهة الدستورية فهي تضيّق على حركة نداء تونس التي تجاوزت منطقة الساحل لحشد أنصار آخرين. الساحل نقطة صراع بين نداء تونس والمبادرة تمثل منطقة الساحل نقطة صراع انتخابي بين حركة نداء تونس والجبهة الدستورية، والأهمّ بالنسبة لحركة النهضة أنّ حركة السبسي لا تفوز في الانتخابات القادمة فهي واعية جيدا بقاعدة حركة نداء تونس، وهو ما أكدته كذلك معظم استطلاعات الرأي. ففي آخر استطلاع رأي أنجزه المجمع العالمي للدراسات خلال الفترة الممتدة من 9 إلى 15 مارس الجاري، احتلّ الباجي قائد السبسي المركز الأول في نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة بنسبة 10 فاصل1 بالمائة من الأصوات محتفظا بذلك على المركز الأول الذي يحتله منذ ستة أشهر. أما بالنسبة إلى توزيع الأصوات حسب الجهات، فقد بين استطلاع الرأي أنّ حركة نداء تونس متفوّقة على النهضة في كلّ من منطقة الساحل (36.9% من الأصوات) والشمال الغربي (29.5% من الأصوات) وتونس الكبرى (33.3% من الأصوات)، وهو ما يؤكّد لحركة النهضة أنّ نداء تونس منافس قويّ فتجد نفسها مجبرة على التحالف مع أحزاب تجمعية للتضييق على حزب الباجي قائد السبسي. " فعالم السياسة ليس عالم المحرمات وإنما عالم المصالح"، حسبما صرّح به زعيم الحركة راشد الغنوشي في حديثه مع الشرق الأوسط.