- "سيادة الرئيس، أكتب لك هذه الرسالة باسم الكرامة ومن أجلها، كرامة المواطن التونسي وكرامة الدولة التونسية وكرامة الكفاءات التونسية حيثما كانت تعمل وتكد. الكرامة التي ثار من أجلها التونسيون وأعادها الينا الشهداء لنفتح صفحة جديدة في تاريخ بلادنا ونستعيد عزتنا ونوليك أمرنا كأول رئيس منتخب للجمهورة بعد ثورة الكرامة. لقد كان دخولك الى قصر قرطاج حدثا تاريخيا فريدا في حياة التونسيين بمختلف مشاربهم، كيف لا وأنت المناضل الحقوقي المرموق الذي لم تثنه سنوات الاضطهاد والتنكيل عن مبادئه في الدفاع عن حقوق الانسان وعن حريته وكرامته، فأنصفك التاريخ واختبرتك الاقدار بأن حققت لك حلم العمر وأصبحت رئيسا للجمهورية مؤتمنا على وحدة التونسيين واستقلالهم ومناعة دولتهم.. وأيضا على كرامتهم داخل أرض الوطن وخارجه. غير أنني مواطن تونسي يعمل في الاعلام الدولي منذ أكثر من 30عاما وأتعرض منذ شهر سبتمبر 2011 الى مظلمة كيدية عطلت حياتي ونغصت حياة أسرتي، حيث أجد نفسي اليوم معزولا ومحاطا بالشبهات، ممنوعا من العمل ومن السفر، لا بل في موقع الاتهام الجنائي وأنا بريء. ورغم أنني لا أجهل ثقل الاعباء والمسؤوليات التي تفرضها المرحلة الانتقالية على التونسيين خصوصا من كان في موقع سيادتك، حسبت أن المناضل الحقوقي الفذ وسيد المبادئ الذي هو اليوم رئيسا لموطني سيغيثني ويهب لنصرتي على الاقل بالاستفسار عن وضعيتي التي وصلتك تفاصيلها كاملة بالطرق الديبلوماسية، حيث وجهت لسيادتك رسالة بتاريخ 16 أفريل 2012 وعن طريق محاميتي في تونس، سيما وأنه تربطك بدولة قطر أواصر الاخوة والاحترام والتعاون، ولست متيقنا يا سيدي أن القيادة القطرية كانت ستقبل بالظلم الذي وقع عليّ وعلى زملائي لو وصلتها الحقيقة جلية عن المكيدة التي تعرضت لها في قناة «الجزيرة للأطفال». لكنني يا سيادة الرئيس أقولها لك بكل مرارة وحزن وغضب، لقد خاب ظني وتأكد لي أن السلطة، حتى وإن لم تكن مطلقة، ما هي الا مفسدة مطلقة، فكرامتي المنتهكة لم تعن شيئا لمناضل الامس رئيس الجمهورية اليوم، كما أن منع مواطن تونسي من السفر لأسرته ولوالدته المسنة لمدة 18 شهرا بسبب تعنت مشغله السابق وبذريعة وجود تحقيق قضائي ضده بدا وكأنه أمر عادي جدا للحكومة التونسية التي كان نصف اعضائها على علم بقضيتي وهم ممن تعرضوا في حياة سابقة لأبشع انواع الظلم والاضطهاد والعذاب. ولم يكلف وزير خارجية تونس، الاكاديمي والموظف السابق في شبكة «الجزيرة»، نفسه حتى عناء السؤال عن وضعيتي، لا بل بلغني انه وجه بعدم اثارة قضيتي على أي مستوى كان! انني على يقين يا سيادة الرئيس، ان دولة قطر الشقيقة لم تشترط علينا ابدا التنازل عن عزتنا وكرامتنا مقابل المساعدات التي تقدمها لنا في الظروف العصيبة التي تمر بها بلادنا؟ حتما لا.. وأشهد امام الله وامام التاريخ ان العيب منا وفينا. فهل من العدالة ومن الكرامة ان تدوس دولة الثورة التونسية رئيسا وحكومة على كرامة اعلامي تونسي مظلوم ناهز ال60 عاما من العمر، خدم المؤسسة التي كان يعمل بها بكل امانة واجتهاد ولا يملك من الدنيا الا محبة اسرته ووفاء زملائه ورصيده المهني الذي لم تشبه شائبة طوال حياته المهنية سواء في دولة قطر او في البلدان التي شغل بها العديد من المناصب الاعلامية في القطاع العام والحكومي مثل كندا وسويسرا وهولندا، ولم يسبق ابدا ان تعرض للطعن في نزاهته او التشكيك في ذمته وكفاءته؟ لقد خدمت دولة قطر لمدة اكثر من اثني عشر عاما قضيتها بين عامي 1998 و2011 في العمل بمكتب رئيس مجلس ادارة شبكة «الجزيرة» ثم انتقلت الى احد ارقى واجمل المشاريع الاعلامية الموجهة للطفل العربي، ولم أحد طوال السنوات الثماني التي قضيتها مؤسسا ثم مديرا عاما لقناتي «الجزيرة للاطفال» و»براعم» وعضوا بمجلس ادارتهما عن الالتزام في عملي بالأمانة والاجتهاد والادارة السليمة، وقد حصدت البرامج التربوية الترفيهية التي انتجتها القناتان حوالي خمسين جائزة عربية ودولية. انني يا سيادة الرئيس تعرضت الى ظلم شديد عندما تم انهاء خدماتي بشكل مهين ودون سابق علم او انذار في سبتمبر 2011 وعندما رفعت الادارة الجديدة لقناة «الجزيرة للاطفال» بلاغا ضدي والعديد من زملائي الى النيابة العامة بتهم ملفقة لا تستند الى أي ادلة وبراهين بعد اعداد تقرير تدقيق داخلي استهدفني بشكل شخصي وتضمن اتهامات مبنية على مغالطات في سرد الوقائع والارقام وقلب الحقائق وتزييفها وتحويل الاخطاء والمخالفات الادارية العادية في أي عمل ابداعي، لتبدو وكأنها اختلاس وجرائم جنائية. والاخطر من ذلك انه ترتب عن تلك الاتهامات تشويه فادح ومقصود لسمعتي ورصيدي المهني لدى كبار المسؤولين في دولة قطر، وتشبثت ادارة «الجزيرة للأطفال» بكل اصرار وتعنت بتلك المغالطات والتهم الباطلة لدى النيابة العامة حتى آل بنا الامر اليوم رفقة اثنين من زملائي الى محاكمة طال امدها بعد انتظار وتحقيقات متعاقبة دامت 16 شهرا. ان كل هذا الاصرار والتعنت هما من اجل ان تبدو ادارة قناة «الجزيرة للاطفال» ومن أيدها في حبك هذه المكيدة الماكرة والمبيتة امام كبار المسؤولين والرأي العام في دولة قطر وكأنها كانت محقة في ما اتخذته من اجراءات ظالمة ضد الادارة السابقة للقناة. سيادة الرئيس، لقد كانت أمامك عدة فرص للتدخل الودي لدى الاشقاء في دولة قطر للتعرف على قضيتي ورفع الظلم عني ورد اعتباري بصفتك مناضلا حقوقيا مرموقا ورئيسا للجمهورية أتت به ثورة شعب من اجل الحرية والكرامة. لكنك، وأرجو من سيادتك المعذرة على هذا العتاب العلني، خيرت التغاضي عن الحق وتجاهلت معاناة مواطن تونسي بريء بذريعة عدم المساس بمصالح آنية مزعومة وأنت تعلم يقينا أن من بديهيات حكم الأمم أن عزة الدولة ومناعتها هي بالاساس من عزة وكرامة مواطنيها داخل الدولة وخارجها. وهذا ما يتحمل وزره رجال الدولة مهما كانت الاعباء التي تثقل كاهلهم. أحمد الله يا سيدي ان تونس ستظل عزيزة بتاريخها وبشعبها التواق الى العدالة والحرية والبناء الديمقراطي وستبقى، رغم الصعوبات والالام، منيعة باعلاء كلمة الحق وبجمعياتها المدنية الحرة ومنظماتها المهنية المناضلة التي احتضنتني وشرفتني بالوقوف الى جانبي وخففت عني وطأة الظلم. إنهم صورة وطني المرسومة في ذاكرتي ووجداني وهم بلسم جراحه وأركان عزته وكبريائه... أسأل الله تعالى أن يوفقك ويسدد خطاك وينير سبيلك." *عضو مجلس الادارة والمدير العام التنفيذي السابق لقناتي "الجزيرة للاطفال" و"براعم"