احتضن مركز الموسيقى العربية والمتوسطية النجمة الزهراء بسيدي بوسعيد في سهرة أول أمس ملتقى ثقافيا استثنائيا بجميع المقاييس. تمثل في ملتقى احتفالي بأحد أجناس الأدب ومبدعيه الشعر والموسيقى. علما أن الجمعية الثقافية الفتية "تونس والكتاب" هي الجهة المنظمة للملتقى فيما تولى ترتيب السهرة الاحتفالية بالكتاب التونسي معز ماجد بصفته كاتبا وشاعرا وعضوا مؤسسا للجمعية وذلك بغية أن يجد الكتاب حظوظا أوفر في الرواج في الفضاء العام والخاص. وشارك في سهرة "الشعراء يحتفلون" عدد كبير من الشخصيات الأدبية والفكرية والثقافية من تونس ومن بلدان عربية وأوروبية من خلال قراءات شعرية باللغتين العربية والفرنسية وسط أجواء خاصة جدا بدا الفضاء الذي احتضنها وكأنه قُدّ على مقاس شعري بحت زاده الديكور والإضاءة والهدوء المخيم متعة وجمالية. مما أضفى على السهرة شاعرية ودفء وتميّز انخرط فيه جميع الحاضرين الذين كانوا من جنسيات عربية وأجنبية مختلفة جمعهم حب الشعر كشكل من أشكال الفن الأدبي في اللغة سواء كان كلاما موزونا مقفى أو حرا بدرجة أولى. خاصة أن الملتقى الاحتفالي جمع بين الأدب والموسيقى من خلال المزج بين الشعر والجاز من خلال المرافقة الموسيقية لفرقة ماورو غاغوني العازف على آلة الكنترباص وذلك إلى جانبه كل من أنطوان بانفيل في العزف على الايقاع والأمريكي ستيفان مارسياي على آلة الساكسوفون. طقوس في حضرة الشعر فكانت احتفالية الشعراء التي شارك فيها عدد من صفوة الشعراء من تونس ومن بلدان أجنبية متميزة على جميع الأصعدة مما جعلها ترتقي إلى مستوى مهرجان شعري يشجع على جعله سنويا. الأمر الذي أثبتت أيضا أن زمن الانصات إلى الكلمة والالقاء الشعري في أجمل تجلياته لايزال يجد صداه ومكانته لدى شريحة هامة من مختلف الأجناس والشرائح العمرية والجنسيات. افتتح الاحتفالية الشعرية التونسية أيمن حسن من خلال قراءات شعرية باللغة الفرنسية "إسمي تونس" "ولاعب الشطرنج" وصلوات إلى لوممبا". عقبه على ركح فضاء النجمة الزهراء الشاعر التونسي علي اللواتي من خلال تجسيد لوحات شعرية أراد من خلالها مسرحة الشعر أو توظيف قدراته على الابداع في الأدب والموسيقى والفنون التشكيلية في قراءة وعرض للقصيد المطول "الرجل الواقف في انفلاق الصبح". فبدت السهرة في شكل عكاظية شعرية زانها الإيقاع الموسيقي عبر الزج بين القصيدة والموسيقى لتعانق الكلمات النغمات وتضفي على المكان والمناسبة احتفالية قد لا يعرف طعمها ويستسيغ وقعها إلا الشعراء ومن خبر طقوس هذا العالم المراوح بين الواقع والخيال والحلم والتوق والألم والمتعة والحب والحزن. وقد نجح الشعراء في حمل الحاضرين إلى عوالم شعرية فسيحة من خلال المراوحة بين الواقع والخيال، لتكون الرحلة إلى عالم فسيح ورحب فيه من الرمزية ما يجعل المستمع للتواتر المتجانس بين الكلمات والإيقاعات ما يجعل الأمسية بمثابة صلوات في طقوس أدبية حضر فيها الشعر في أدق عباراته وأبلغ معانيه. ولعل الاعداد المسبق لهذا الملتقى على نحو كان فيه أقرب إلى العرض الفرجوي الجميل منه إلى لقاء شعري وأدبي، من العوامل التي ارتقت بمستوى الاحتفالية لتكون مهرجانا. فكان لكل عناصر الاحتفالية حضور خاص. إذ شد الفرنسي مارك ديلوز الحاضرين بقصائده التي ألقاها على طريقته التي يجعل فيها الجمهور طرفا في المشهد الشعري من خلال قراءته " صحراء حيث تتبخر الكلمات" و"فزاعات أو ترمل الريح" و"رجل مات أمس في المساء". كما هو الشأن بالنسبة للتونسيين صلاح الدين حداد ومحمد الغزي والمغربي جلال الحكماوي الذي لم يكتف بالقراءة الشعرية فحسب بل انخرط في الرقص على وقع نغمات الجاز. فيما تفاعل الحاضرون مع منصف المزغني بعد أن اضفى مسحة من المرح والضحك من خلال الصور الشعرية الساخرة على طريقته على غرار "فم القاضي" و"الشاعر والأرملة" و"حبات: و"كلام البطة". فيما اختار معز ماجد أن تشاركه في قراءة قصيدة "أناشيد الضفة الأخرى" باللغة الفرنسية روزا حسن. ليكون الاختتام مع نمط آخر من القراءات الشعرية "سلام" تميز به الشاب البلجيكي من أصل مغربي يونس المرنيسي وهو نمط يعتمد على التلاعب بالألفاظ من خلال اتقان توظيفها على نحو تكون القصيدة جامعة لعناصر الجمالية والابداع والرمزية. وقد تفاعل الحاضرون مع ما قدمه خاصة أن قصائده أو فنه كما يريده هو تعبيرة خاصة على واقع المهاجرين العرب في البلدان الغربية وما يعيشونه من اغتراب ومشاكل وتمييز. وذلك من خلال قصيدتي"لا تسأليني عن إسمي" ولادة ثانية".