تطهير مناخ الأعمال ووضع قوانين شفافة لتجنب الفساد - ◄إعادة النظر في صندوق الدعم والنظام الجبائي - أبرز الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي محمد العيادي في حوار خص به "الصباح" أن أولويات الحكومة الحالية لتحقيق انتعاشة اقتصادية تتجسم في توفير الأرضية الأساسية للاستثمار من استقرار أمني ورؤية سياسية واضحة مع ضرورة مرافقة المستثمر ومشاركته في تحمل المخاطر والحرص على خلق بنية تحتية توفر جميع المرافق الحياتية وإلغاء الدعم وتعويضه بمنحة تصرف لضعاف الحال كما يتحتم عليها الإسراع بإيجاد حل جذري لإصلاح النظام الجبائي. الأستاذ العيادي مختص في الاقتصاد القياسي وقام بعديد البحوث حول موضوع الفقر والمستوى المعيشي في تونس وفي بلدان إفريقية بيّن فيها كيفية تأهيل ومساعدة هذه المجتمعات للرفع في مستوى معيشتها ولتجنب شبح الفقر. وفي ما يلي نص الحديث: صرح محافظ البنك المركزي مؤخرا بأن تونس يمكن أن تتجاوز المؤشرات السلبية التي يعيشها اقتصادنا حاليا فكيف يمكن تجاوز هذه المؤشرات؟ لنتجاوز الأزمة الراهنة يجب أولا توفير الاستقرار الأمني في كامل التراب التونسي وإرساء رؤية سياسية واقتصادية واضحة من شأنها أن تطمئن المستثمر وتعيد له ثقته في هدوء مناخنا وتسامح شعبنا خاصة أن اقتصاد بلادنا قائم على الاستثمار سواء داخليا أو خارجيا لا على الثروات الطبيعية. كما يجب تدعيم نظام الشراكة في رأس المال لتقاسم المخاطر بين المستثمر والممول وهذا النظام يرمي إلى حث الممول على مشاركة المستثمر في الأرباح والخسائر مساعدة منه للحد من الضغوطات والمخاوف التي ترافق المستثمر ونظام الشراكة معمول به بكثافة في الدول الأوروبية وفي المغرب ولقي نجاحا وارتياحا من باعثي المشاريع. يتفق الخبراء على أن إنقاذ الوضع الراهن مرتبط بإنقاذ الاقتصاد فكيف يمكن إنقاذه؟ هناك علاقة جدلية بين المعطى السياسي والمعطى الاقتصادي، ونذكر بأن الثورة قامت من أجل العمل والعيش الكريم. ومما لا شك فيه أن إنقاذ البلاد يكون بخلق فرص العمل وهذا يقتضي تظافر جميع الجهود من سلطة ومجتمع. فعلى التونسي إذن أن يتعلم ويتعود على روح المبادرة وعدم الخوف من المخاطر التي تنتظره عند بعثه لمشروع. كما يجب على الحكومة أن تتبنى باعث المشروع وترافقه في مشواره. وأن توفر له مناخا يساعد على إنجاح مشروعه وذلك بخلق بنية تحتية تجعل المستثمر الداخلي والخارجي لا يتردد في التمركز في أي منطقة من المناطق. كما يتعين على السلطات تفعيل اللامركزية وتقريب الإدارة من المواطن مع التخفيف من البيروقراطية. صرح بعض خبراء الاقتصاد أن اقتصاد تونس لسنة 2013 لن يكون أحسن من اقتصادها سنة 2012 خاصة أن تصنيف تونس عالميا انخفض من "ب ب" إلى "ب ب سلبي". فإلى ماذا ترجع هذا التخفيض؟ هذا التصنيف يضر باقتصاد تونس لأنه يشوه صورتها على الصعيد الخارجي بإبرازه تونس كبلد تملؤه المخاطر فلا يجب التفكير في الاستثمار داخله لأن غاية كل مستثمر داخلي أو خارجي هي أولا وآخرا الربح والربح الفائض إذا أمكن. لذلك يجب على كل الأطراف من حكومة ومؤسسات واتحاد شغل العمل على توفير المناخ الضروري للانتاج مع تفعيل الميثاق الاجتماعي للتصالح بين هذه الأطراف. الدعم يستفيد منه 12 بالمائة فقط من الفقراء و88 بالمائة من الأغنياء. كيف يمكن للحكومة تجاوز معضلة الدعم؟ بعث صندوق الدعم في تونس لخلق توازن غذائي وتكملة لأجور متدنية. وحدد هذا الدعم ب2 بالمائة من الناتج القومي الخام و6 بالمائة من المصاريف العمومية إلا أنه لم يشمل الفقراء فقط، بل استفاد منه أيضا الأغنياء فقد أثبتت الإحصائيات أن 12 بالمائة من هذا الدعم تمتع به الفقراء و88 بالمائة استغله الأغنياء كأصحاب المطاعم والنزل والمخابز. لكن أسعار المواد المدعومة كالحبوب والمحروقات شهدت ارتفاعا متتاليا على النطاق العالمي مما زاد في تفاقم عجز الصندوق. وأكدت الدراسات على أن الدعم شجع التونسي على التبذير وجعله يحيد عن الاستهلاك الرشيد، لذلك أرى أنه يجب التخلي تدريجيا وبحكمة على هذا الصندوق وتعويضه بطرق تضامنية أنجع لبيع المواد بسعرها الأصلي دون مشاركة الدولة في دفع جزء منها مع صرف منح جديدة تمكن محدودي الدخل من شراء هذه المواد بسعرها الطبيعي، لكن تحديد الفئة التي تستحق هذه المنحة أمر يحتاج إلى دراسات دقيقة ومعاينات حقيقية يجب خوضها حسب رأيي بالاعتماد على معطيات مرئية مع فرض مراقبة مستمرة. السوق الموازية واقع فرضه تدني المستوى المعيشي للهروب من البطالة والفقر، فكيف يمكن معالجة هذه الظاهرة ذات الحدّين؟ السوق الموازية تعج بفرص شغل ومشاريع صغرى غير مقننة لذلك يجب استغلالها واحتضانها بتمكينها مثلا من رأس مال كما من المحبذ عدم إثقال كاهلها بالتكاليف الاجتماعية والجبائية ومنحها تسهيلات عديدة حتى يشتد عودها لأنها نواة لمشاريع لا بد من تبنيها ومساعدة أصحابها على المضي قدما للعمل وتشغيل عمال. فالمطلوب إذن إعادة هيكلة هذه الفئة وإحاطتها ودعمها بالمساعدات اللازمة لتخرج للعلن مع مراقبتها ومحاسبتها. الدولة تقترض لتسدد نفقاتها العمومية عوض أن تقترض لتنتج ثروات فما هو مآل هذه القروض؟ إن الميزانية المخصصة للاستثمار في الحكومات المؤقتة المتتالية ضعيفة جدا وهذا ينجر عنه عرقلة حظوظ مستقبل الشباب فلا ننسى أن عدد العاطلين عن العمل من حاملي الشهادات بلغ 200 ألف شاب وهذا ناتج عن عدم وجود سياسة تشغيلية واضحة ويعود أولا وأساسا إلى عدم تأطير الطالب في مرحلة تعليمه وفقا لسوق الشغل وتهيئته ليكون فاعلا وناشطا بعد أن يشبع بروح المبادرة ويتمكن من عقلية مؤسساتية تؤهله لدخول سوق الشغل واثقا من نفسه معتمدا على قدراته وإمكانياته الخاصة، عوض أن يظل مكتوف الأيدي في انتظار وظيفة قد لا تأتي. ويتحتم أيضا على السلطات سن العديد من التسهيلات لتساعد الشركات على تطوير نشاطها حتى تكثف من إنتاجها فيرتفع مدخولها الضريبي وهذا بدوره يرفع من مداخيل الدولة. إقرار اقتطاع 1 بالمائة من أجور الموظفين المتمتعين بأجور مرتفعة رأى فيه البعض قرارا تعسفيا واعتباطيا، فكيف ترى طريقة التعامل مع الجباية لتطويعها لإنقاذ الاقتصاد؟ اقتطاع 1 بالمائة من الأجور يعد حلا ظرفيا وإيجابيا كشكل من أشكال مساهمة المواطن في التخفيض من العجز المالي الحالي لكن الحل الجذري يكمن في التسريع في تفعيل الشفافية والمراقبة لإنجاح القانون الجبائي لأن الوضع الحالي يتطلب الصرامة والجرأة والحنكة في أخذ القرار المناسب لتطبيق القانون والمراقبة والتدقيق لمقاومة ظاهرة التهرب من تسديد الأداءات. كيف سيكون اقتصاد تونس؟ لقد أضعنا فرصا عديدة للنهوض باقتصادنا لكننا نستطيع تدارك ما مضى وذلك أولا بتطهير عالم الأعمال ووضع قوانين شفافة لتجنب الفساد فخلال العشرين سنة الماضية عرفت تونس نهضة اقتصادية إذ ظهر على الساحة الاقتصادية رجال أعمال استطاعوا مزاحمة السوق العالمية واستغلوا تجاربهم ليطوّعوا رأس المال البشري التونسي وعملوا على إدماجه وجعله منصهرا في خضم الأسواق العالمية فتمكنوا من خلق منافسة ومزاحمة فيما بينهم وكانوا مثالا شجع المبتدئين على السير على منوالهم. ولمعالجة هذا الوضع الاقتصادي المعقد كان من الأضمن لو مسك بزمام الأمور مختصون في عالم المال والأعمال من صنف التكنوقراط ومن أهل الاختصاص المحتكين بالواقع الاقتصادي حتى يقدروا على وضع الإصبع على الداء وإيجاد حلول ناجعة من شأنها أن تخلص الاقتصاد والبلاد. ◗ منية الكواش