تطاوين على خارطة السياحة الوطنية: إجراءات جديدة لدعم المشاريع والشركات الأهلية    واقعة قبلة الساحل تنتهي بودّ: اتصال هاتفي يُنهي الخلاف بين راغب علامة والنقابة    لماذا يجب أن ننتبه لكمية السكر في طعامنا اليومي؟    منظمة الصحة العالمية تدعو إلى إدماج الرضاعة الطبيعية ضمن الاستراتيجيات الصحية الوطنية وإلى حظر بدائل حليب الأم    كرة اليد.. قيس الواد يحترف في الغرافة القطري    فاكهة بألف فائدة: لماذا يجب أن تجعل العنب جزء من غذائك اليومي؟    سليانة: إعفاء الكاتب العام المكلف بتسيير بلدية مكثر من مهامه    النجم الساحلي يكشف تعاقده رسميا مع ماهر بالصغير والسنغالي الحسن دياو    هكذا سيكون الطقس هذه الليلة    جرجيس: انتشال جثتين لطفلين غرقا بشاطئ حسي الجربي    باجة: تجميع ربع الانتاج الوطنى من الحبوب وموسم الحصاد يقترب من نهايته    صابر الرباعي على ركح مهرجان الحمامات الدولي: عرض يراوح بين القديم والجديد ويستجيب لانتظارات الجمهور    المنستير: الإعداد لإحداث ماجستير مهني في مجال الإضاءة المستدامة والذكية بالمدرسة الوطنية للمهندسين بالمنستير    مقترح قانون لإحداث بنك بريدي: نحو تعزيز الشمول المالي وتوفير خدمات مصرفية للفئات المهمشة    طقس الليلة.. خلايا رعدية مصحوبة بأمطار بهذه المناطق    تنبيه للمواطنين: انقطاع واضطراب الماء بهذه المناطق..    بوحجلة :استفادة 700 مواطن من القافلة الصحيّة بمدرسة 24 جانفي 1952    عاجل : أحمد الجوادى يتألّق في سنغافورة: ذهبية ثانية في بطولة العالم للسباحة!    دورة بورتو البرتغالية للتنس: التونسي معز الشرقي يتوج باللقب    تعيين مثير للجدل: ترامب يسلّم منصباً قضائياً لإعلامية من أصول عربية    سيدي بوزيد: تضرر المحاصيل الزراعية بسبب تساقط البرد    اعادة انتخاب عارف بلخيرية رئيسا جديدا للجامعة التونسية للرقبي للمدة النيابية 2025-2028    إيران: لم نطرد مفتشي الوكالة الدولية بل غادروا طوعاً    تواصل الحملة الأمنية المصرية على التيك توكرز.. القبض على بلوغر شهير يقدم نفسه كضابط سابق    منزل بوزلفة:عمال مصب النفايات بالرحمة يواصلون اعتصامهم لليوم الثالث    بطولة العالم للسباحة: الأمريكية ليديكي تفوز بذهبية 800 م حرة    عودة فنية مُفعمة بالحبّ والتصفيق: وليد التونسي يُلهب مسرح أوذنة الأثري بصوته وحنينه إلى جمهوره    ''السوبر تونسي اليوم: وقتاش و فين ؟''    عاجل : نادي الوحدات الاردني يُنهي تعاقده مع المدرب قيس اليعقوبي    بلاغ هام لوزارة التشغيل..#خبر_عاجل    برنامج متنوع للدورة ال32 للمهرجان الوطني لمصيف الكتاب بولاية سيدي بوزيد    فضيحة تعاطي كوكايين تهز ال BBC والهيئة تستعين بمكتب محاماة للتحقيق نيابة عنها    تقية: صادرات قطاع الصناعات التقليدية خلال سنة 2024 تجاوزت 160 مليون دينار    وزارة السياحة تحدث لجنة لتشخيص واقع القطاع السياحي بجرجيس    الجيش الإسرائيلي: انتحار 16 جندياً منذ بداية 2025    نانسي عجرم تُشعل ركح قرطاج في سهرة أمام شبابيك مغلقة    ما ثماش كسوف اليوم : تفاصيل تكشفها الناسا متفوتهاش !    رفع الاعتصام الداعم لغزة أمام السفارة الأمريكية وتجديد الدعوة لسن قانون تجريم التطبيع    بلدية مدينة تونس تواصل حملات التصدي لظاهرة الانتصاب الفوضوي    الإمضاء على اتفاقية تعاون بين وزارة الشؤون الدينية والجمعية التونسية للصحة الإنجابية    عاجل/ تحول أميركي في مفاوضات غزة..وهذه التفاصيل..    829 كم في 7 ثوان!.. صاعقة برق خارقة تحطم الأرقام القياسية    كلمة ورواية: كلمة «مرتي» ما معناها ؟ وماذا يُقصد بها ؟    في نابل والحمامات... مؤشرات إيجابية والسياحة تنتعش    اليوم الدخول مجاني الى المتاحف    جامع الزيتونة ضمن السجل المعماري والعمراني للتراث العربي    درجات حرارة تفوق المعدلات    الكاف: شبهات اختراق بطاقات التوجيه الجامعي ل 12 طالبا بالجهة ووزارة التعليم العالي تتعهد بفتح تحقيق في الغرض (نائب بالبرلمان)    لرصد الجوي يُصدر تحييناً لخريطة اليقظة: 12 ولاية في الخانة الصفراء بسبب تقلبات الطقس    شائعات ''الكسوف الكلي'' اليوم.. الحقيقة اللي لازم تعرفها    قبلي: يوم تكويني بعنوان "أمراض الكبد والجهاز الهضمي ...الوقاية والعلاج"    قرطاج يشتعل الليلة بصوت نانسي: 7 سنوات من الغياب تنتهي    تنبيه هام: تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق..#خبر_عاجل    كيف حال الشواطئ التونسية..وهل السباحة ممكنة اليوم..؟!    عاجل/ شبهات اختراق وتلاعب بمعطيات شخصية لناجحين في البكالوريا..نقابة المستشارين في الإعلام والتوجيه الجامعي تتدخل..    القصرين: منع مؤقت لاستعمال مياه عين أحمد وأم الثعالب بسبب تغيّر في الجودة    تاريخ الخيانات السياسية (33) هدم قبر الحسين وحرثه    شنوّة جايك اليوم؟ أبراجك تكشف أسرار 1 أوت!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخبير الاقتصادي والمالي، محسن حسن ل "التونسية":إمّا دفع التصدير والسياحة والاستثمار...أو الكارثة
نشر في التونسية يوم 20 - 02 - 2013

- مطلوب التصدّي للتضخم ودفع التشغيل وتجريم الاحتكار والتهريب
- علينا التقشف في ميزانية التصرف وإنعاش ميزانية التجهيز
- مراجعة سياسة الدعم ونمط التنمية ومنظومة التربية والتكوين ضرورية
- لا بدّ من وفاق وطني حول تجميد الاضرابات والأجور والأسعار
بعيدا عن التجاذبات السياسية العقيمة في أغلب الأحيان، وفي غفلة من الجالسين على الربوة، يتابع الخبير الإقتصادي والمالي الأستاذ محسن حسن تداعيات مظاهر العنف مهما كان حجمها واضعا يده على قلبه خشية ان يتواصل تدهور المؤشرات الإقتصادية المحلية فيتراجع بذلك ترقيمنا السيادي اكثر فاكثر وتسوء حالنا ...
ولا يكتفي الأستاذ محسن حسن بتحليل النمط التنموي لبلادنا، بل يقترح برنامج اصلاح هيكلي لكافة مفاصل المنظومة الإقتصادية ببلادنا، وباحساس قوي بالحسرة على ضياع قيمة العمل وسط تذبذب أداء الحكومة وترددها في اتخاذ الإجراءات المناسبة، يدعو محدثنا الى التعجيل بفض المسائل العالقة والتركيز على تنفيذ الإصلاحات التي اقترحها الخبراء باعتبارهم الأدرى بدواليب الإقتصاد...
والحقيقة ان الخبير محسن حسن كان قد دق نواقيس الخطر منذ مدة دون ان يخفي امله في قدرة التونسيين على تدارك الأمر شريطة ترجيح لغة العقل وتغليب المصلحة العليا للبلاد عبر ابرام عقد وفاق يلغي الإضرابات والإعتصامات ويجمّد الأسعار والأجور بالأساس...
«التونسية» جلست اليه فكان هذا الحوار
أية نظرة تلقيها على المؤشرات الاقتصادية اليوم في ظلّ تأرجح الوضع الأمني؟
خلال عام 2012 بدا اقتصادنا يتعافى ويخرج من عنق الزجاجة حيث ابتعد قليلا عن مرحلة الركود التي عاشها عام 2011 وذلك من خلال تسجيله نسبة نمو ايجابية تتجاوز 3 في المائة ومن خلال تحسن بعض المؤشرات كنسبة البطالة التي تراجعت بنقطتين فاصل نقطتين بالمائة حيث كانت في حدود 18 بالمائة لتصبح اقل من 16 بالمائة. ويعود هذا التراجع الى خلق 100 الف موطن شغل في القطاعين العام والخاص.
على ان النمو المسجل عام 2012 لا يمكن ان يخفي بعض الصعوبات الإقتصادية المتمثلة اساسا في ارتفاع نسبة التضخم الذي وصل الى مستويات اعتبرها قياسية وهي 6 بالمائة في 30 جانفي الماضي. وهي نسبة جد مرتفعة لم يتعود عليها الإقتصاد الوطني وقد تكون لها تداعيات سلبية على القدرة الشرائية للتونسيين وعلى تنافسية المؤسسة ايضا.
وتتمثل النقطة السلبية الثانية التي يعاني منها اقتصادنا في ارتفاع عجز الميزان التجاري الذي بلغت نسبته تقريبا 8,1 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. ولا يغيب عنا ان رصيدنا من العملة الصعبة تراجع هو الآخر بشكل لافت للإنتباه فوقع الترفيع فيه من خلال عمليات التداين التي تمت في نهاية عام 2012 .
وبالإضافة الى كل ما تقدم فان هناك اختلالا على مستوى التوازنات المالية للدولة حيث ان نسبة العجز في ميزانية الدولة قاربت 8 بالمائة وهي نسبة مرتفعة جدا جدا.
و عليه يمكن القول عموما بشأن الوضع الإقتصادي، انه بالفعل كانت هناك بداية للخروج من الأزمة عام 2012 ولكنها بداية غير كافية بالمرة لتحقيق التوازنات المالية للدولة لأنه اقترن بالمؤشرات السلبية التي ذكرتها . وهذا النمو غير الكافي تأثر بعاملين، اولهما احداث العنف التي سجلت يوم 14 سبتمبر 2012 بالسفارة الأمريكية بتونس وثانيهما هو اغتيال السياسي شكري بلعيد. وقد اثرت العمليتان بصفة مباشرة على كل المؤشرات الإقتصادية بحيث من المنتظر ان ترتفع نسبة التضخم لو لم تتخذ اجراءات فورية، نتيجة لتراجع النشاط الإقتصادي وتراجع العرض بسبب ضبابية المشهد الإقتصادي والسياسي والأمني .
ومن جانب آخر من المنتظر ان تزيد توازنات الدولة اختلالا نظرا لتقلص موارد الدولة الجبائية نتيجة لتراجع النشاط الإقتصادي وهو ما يعني بالتالي المزيد من التداين ، بالإضافة الى تراجع رصيدنا من العملة الصعبة بسبب عوامل عديدة اهمها تراجع نشاط القطاع السياحي وكذلك القطاعات التصديرية ...الى جانب الأحداث الأمنية التي سجلت اخيرا والتي ستكون لها تداعيات سلبية على تمويل الإقتصاد. فنحن نعلم ان بورصة الأوراق المالية قد خسرت خلال الأسبوع الفارط مايزيد عن 3 فاصل 2 في المائة اي في ظرف يومين خسرت البورصة ما ربحته منذ بداية السنة.
ولو تواصل الأمر على ما هو عليه، فقد تحصل مشاكل على مستوى تمويل الشركات المبرمج ادراجها في السوق المالية خلال السداسية الأولى للسنة الجارية والتي يبلغ عددها 6. كما ان الأضرار لحقت حتى بالقطاع البنكي نظرا لإرتفاع المخاطر على الإقتصاد التونسي وبالتالي ارتفاع كلفة العمليات التجارية التي تقوم بها البنوك التونسية. امّا في ما يتعلق بتداين الدولة، فمن المنتظر ان تزداد الصعوبات في مجال توفير التمويلات اللازمة لميزانية الدولة وللبرامج التنموية المقررة في عام 2012 .
ماهي الأسباب؟
بسبب امكانية تراجع الترقيم السيادي للبلاد التونسية نتيجة لغياب الوضوح على مستوى المشهد السياسي وتدهور الأوضاع الأمنية وهو ما يؤدي حتما الى ارتفاع كلفة التداين بسبب ارتفاع المخاطر وبالتالي صعوبة توفير التمويلات اللازمة وصعوبة الولوج الى الأسواق المالية العالمية في هذه الحالة. هذه هي اجمالا صورة عن الوضع الإقتصادي الموجود اليوم ... ولكن لا بد من توفر الأمل. فللإقتصاد التونسي مقومات اساسية متوازنة وثابتة في نهاية الأمر لو توفرت الرؤية الواضحة للمشهد ككل.
ماهي، حسب رأيك سبل الخروج باقتصادنا من ازمته الحالية؟
اعتقد انه لابد اولا من ايجاد حل سياسي بمعنى ان مشكلة اقتصادنا اليوم تعود بالأساس الى تأزم الوضع السياسي والأمني بالدرجة الأولى، واذا اردنا انقاذ الإقتصاد والوصول الى تحقيق نسبة النمو المبرمجة لهذا العام والمقدرة ب4 فاصل 5 بالمائة، علينا العمل على توضيح الرؤية في المجال السياسي.
فمن الضروري ان تبدا الحكومة الجديدة عملها خاصة بعد التحوير الجزئي في الحكومة والحكومة الحالية لا تعمل بنسبة مائة بالمائة وهو امر معروف . والأكيد ان اداء الوزراء الذين كثرت حولهم اشاعات مغادرة الحكومة اتسم اداؤهم بالتذبذب ولم ينجحوا في اتخاذ الإجراءات السريعة المنتظرة منهم صلب القطاعات التابعة لوزاراتهم.
كما انه من واجب المجلس الوطني التاسيسي ان يعمل باكثر سرعة ليلا نهارا على غرار المؤسسات التي تعمل على مدار اليوم، وذلك بهدف الإنتهاء من صياغة الدستور واحداث الهيئات المستقلة للإعلام والقضاء والإنتخابات وتحديد مواعيد نهائية للإستحقاقات القادمة.
والحقيقة انه لا مجال للخروج من ازمة الإقتصاد الا عبر وفاق وطني يجمع كل مكونات المجتمع التونسي من احزاب حاكمة واخرى في المعارضة ونقابات واتحاد الأعراف والمجتمع المدني.
وأعتقد انه لا بد من وفاق اجتماعي بخصوص الترفيع في الأجور والأسعار وفي ما يتعلق بالإضرابات والإعتصامات.. بمعنى انه من الواجب ان نتفق على عدم المطالبة بالترفيع في الأجور ولا بد من تجميد الإعتصامات والإضرابات وإلغائها نهائيا وهذا لا يتم الا عبر وفاق وطني يجمعنا. فيكفي الإشارة الى ان المجمع الكيميائي التونسي خسر خلال شهر جانفي ما يزيد عن 21 مليون دينار وهذه خسائر مباشرة ..بالإضافة الى تراجع السياحة والتصدير ..والقطاعات الحيوية ..فحتى قطاع البناء لم يسلم من الإضرابات ..و.بالتالي سجل خسائر فادحة.
ولئن كنا مقتنعين بان القدرة الشرائية للتونسي قد تراجعت هي الأخرى وأضحت ضعيفة مقابل اجور ضعيفة ايضا اذا ما قارناها بغلاء المعيشة، فإنه علينا ان نقتنع انه خلال فترة الركود الإقتصادي كلّما رفّعنا في الأجور، الاّ وأدّى ذلك الى الترفيع في الأسعار وبالتالي الى التضخم. ويمكن القول ان الأجراء يعطون باليسرى ما اخذوه باليمنى..عندئذ من الأفضل اقتصاديا، ان يقع تجميد الأجور والأسعار معا وان يتم الغاء الإضرابات وربما ارجاؤها بعد اجتياز هذه المرحلة الصعبة.
من ناحية اخرى، لا بد للحكومة الجديدة من برنامج انقاذ اقتصادي يهدف الى الحد من التضخم وايجاد المزيد من مواطن الشغل وتحقيق التوازنات المالية للدولة وفك العزلة عن المناطق الداخلية . وهو برنامج يتم عبر سياستين: سياسة اقتصادية لابد ان تكون توسعية في مجال ميزانية التجهيز. بمعنى أنه لابد ان تعتمد سياسة الحكومة على الإنفاق في مجال السكن الإجتماعي والبنية التحتية وتوفير مرافق الحياة في الجهات الداخلية حتى نخلق حركية اقتصادية في هذه المناطق ونجر القطاع الخاص الى الإستثمار فيها.
اما على مستوى ميزانية التصرف، فالحكومة مدعوة الى التقشف فيها ولا خيار امام الحكومة سوى كبح جماح هذه الميزانية وعقلنتها ومنها النفقات «الزايدة» والكماليات التي يمكن ان نعيش بدونها. الحكومة مضطرة في هذا الباب الى تقليص نفقاتها وتوجيه مواردها نحو ميزانية التجهيز التي تخلق الثروة وتساهم في تنمية الإقتصاد.
على المستوى الإجتماعي، لا احد يجهل ان نسب الفقر وصلت الى مستوى مرتفع فما يزيد عن 15 بالمائة من الشعب التونسي يعيش تحت خط الفقر. وللأسف الشديد وبشهادة صندوق النقد الدولي واجماع اطراف وطنية فإنّ سياسة الدعم التي انتهجتها تونس منذ عقود مبنية على الخطإ... فاليوم الإنفاق اٌلإجتماعي في تونس يتجاوز 25 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وستكون نفقات الدعم المقررة في سنة 2013 تقريبا في حدود 4200 مليار ..ولكن المشكل المطروح ان الدعم لا ينتفع منه سوى 12 بالمائة من ذوي الدخل المحدود ومن الفقراء ..ومن ينتفع بالدعم هم اصحاب الدخل المرتفع واصحاب المؤسسات ، هناك 20 بالمائة من الدعم ينتفع منه اصحاب محلات صنع المرطبات وبيعها ومن هنا نفهم ضرورة الإسراع بوضع سياسة اجتماعية تستهدف الفئات الضعيفة والمهمشة حقا، لا بد من انتهاج سياسة اجتماعية تكون موجهة الى ذوي الدخل الضعيف عبر انجاز قائمات جديدة لمن يستحقون الدعم بالفعل .
من جهة اخرى، وجب الإقرار بان هناك مشاكل هيكلية لم تعالجها للأسف الشديد الحكومات المتعاقبة لا الحكومة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة. ارى ان هناك مشاكل هيكلية تتمثل في عدم قدرة نمط التنمية الذي اعتمدته بلادنا منذ سبعينات القرن الماضي على تحقيق مطامح الشعب التونسي وخاصة منها ما يتعلق بالتنمية العادلة وخلق مواطن شغل تغطي الطلبات المسجلة.
والحقيقة ان نمط التنمية الموجود فشل في الإستجابة الى آمال التونسيين وعليه لابد من الإنطلاق في التأسيس لنمط تنمية جديد ولسياسة قطاعية جديدة، ولتوجه اقتصادي جديد يقوم على اقتصاد تنافسي ينبني على القيمة المضافة موجه نحو التصدير. وهو امر لا يتحقق الا عبر بعث مجلس للخبرات الوطنية يضم خبراء مستقلين وممثلين عن كافة الأحزاب السياسية وتكون فيه الحكومة كطرف فحسب.
ومن مهام مجلس الخبرات، وضع اللبنات الأولى لنمط التنمية الجديد الذي يحقق هذه الأهداف التنموية والتشغيلية. فنحن وبقدر ما نطالب بحل المشاكل الظرفية فاننا ندعو الى بعث هذا المجلس حتى نتمكن من تحديد توجهات جديدة لٌلإقتصاد الوطني لأنه لا مناص من الإعتراف باننا في وضع اقتصادي صعب وكل يوم يمر علينا في هذه الوضعية يعني المزيد من الإنتقال نحو الأسوإ.
تحدثت سابقا عن رؤية خاصة لمهزلة التكوين المهني في بلادنا وتخريجه آلاف الشباب من حاملي شهائد في اختصاصات لا يجدون لها طلبات في سوق الشغل..؟
اذا اردنا معالجة مسألة البطالة فالمنطلق والأساس هو اعادة النظر في منظومة التربية والتكوين في تونس. واذا اردنا تبسيط الأمر نعود الى نسبة البطالة التي وصلت الى 17 بالمائة ولكن هناك قطاعات اقتصادية لا تجد اليد العاملة التي تحتاجها على غرار قطاعات البناء والمطاعم والفلاحة . اذن من الواضح انه لا يوجد تلاؤم بين محتوى برامج التكوين والشهائد العلمية وبين تحديات وطلبات سوق الشغل.
واليوم نحن مطالبون بتوفير هذا التلاؤم والغاء الهوة الموجودة بين التكوين على مستوى الجامعة ومدارس التكوين المهني وبين حاجيات سوق الشغل واقتصادنا الوطني عامة. ولأن الأمر لم يعد يحتمل التاخير، فعلى القائمين على الشان التربوي التعجيل بايجاد الآليات الكفيلة بتحقيق التناسق والتناغم بين التكوين بمختلف مستوياته والتشغيل. وكنت قد ساهمت بوصفي خبيرا في وضع الإستراتيجية الوطنية للتشغيل. واعتقد انه بالرغم من وجود عديد النقائص في هذه الإستراتيجية باعتبار انه تم انجازها في ظرف سريع، فإنها تتضمن حلولا بامكاننا استغلالها لمعالجة مسألة غياب التلاؤم بين حاجيات السوق اٌلإقتصادية ومحتوى البرامج التعليمية .
وأرى انه لزاما عليّ هنا طرح مسألة الإنتدابات في الوظيفة العمومية والتي لا يمكن ان تحل مشكلة البطالة ، بل بالعكس ذلك سيساهم في اثقال كاهل الدولة باعباء جديدة وتزيد من انخرام التوازنات الإقتصادية والترفيع من عجز ميزانية الدولة.
والرأي عندي، ان الحل الأمثل لمعالجة معضلة البطالة يكمن في تنقية مناخ الأعمال اولا بما من شأنه تشجيع رجال الأعمال على الإستثمار والدفع في اتجاه بعث المزيد من المؤسسات الصغرى والمتوسطة. فهذه المشاريع هي برايي القادرة على حل مشكلة البطالة حقيقة . كما ان الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص من شانها ان تساهم في امتصاص آلاف العاطلين عن العمل.
ويمكن القول انه بعد ملائمة التكوين بالتشغيل، هناك حلول اقتصادية قادرة على ايجاد مخرج لمشكلة البطالة واولها دفع الإستثمار الخاص ثم المشاريع الصغرى والمتوسطة ثم الشراكة بين الخاص والعام في المناطق الداخلية حيث تقوم الدولة بدور كبير في توفير البنية التحتية وتطوير مرافق الحياة باستمرار ولكن الدولة ليست مطالبة بالإستثمار في انجاز المصانع والمعامل والمؤسسات فهذا دور المستثمرين الخواص وبامكان الدولة المشاركة في اقامة المشاريع . وهنا يبرز دور الأقطاب التنافسية التي تمثل حلا امثل لخلق مواطن الشغل وللتشجيع على بعث المشاريع المتوسطة والصغرى.
إجمالا يمكن القول ان الحلول موجودة لمعالجة آفة البطالة، وما ينقصنا هو الإرادة السياسية القادرة على تشجيع هذه المبادرات التي من شأنها دعم جهود الدولة في هذا الإتجاه.
بخصوص المديونية التي تثقل كاهل الدولة، الا يوجد حل آخر للإيفاء بتعهداتنا غير رصيدنا من العملة الصعبة؟
علينا تسديد قرض بقيمة 330 مليون أورو في 28 فيفري الجاري، اما لماذا تسديده فلأنه قرض لم يتم بين دولتين او من البنك الدولي، انما قرض من السوق المالية العالمية ولذلك فان سداده هو امر ضروري حتى لا تزيد صورة تونس سوءا في الأسواق العالمية.
لابد ان نعترف ان صورتنا اليوم سيئة في الأسواق العالمية والأكيد انها ستزيد سوءا لو فكرنا في عدم سداد هذا الدين . بالإضافة الى ان الخيار الوحيد امامنا اليوم هو سداده من مخزوزنا من العملة الصعبة الموجودة بالبنك المركزي . ومن الطبيعي اثر ذلك ان يتراجع رصيدنا من العملة الصعبة ونأمل الا ينزل تحت حد 90 يوما من التوريد باعتباره الحد الأدنى.
ان وضعنا الإقتصادي اليوم لم يعد يحتمل المهاترات التي نراها يوميا ولا التجاذبات التي مللناها ولا هذا الغباء السياسي الذي اثقلنا، فتونس ليست مالي، واقتصادنا هش ولم يعد يحتمل الوضع الأمني والسياسي المتذبذب.. علينا حسم امورنا وتنفيذ تعهداتنا والإصلاحات التي يستوجبها الظرف.
ولكننا نحتاج أولا الى القضاء على العنف الذي يتهدد كافة قطاعاتنا ...؟
اجل اجل ..اليوم نحن في حاجة الى اصوات الحكمة في بلادنا فالشعب التونسي واع ومثقف ومن يرى عكس ذلك فهو ليس ملما ولا مطلعا على الوضع العام ولكن ما ينقصنا هو صوت الحكمة من جميع الأطراف. فعلى الأحزاب السياسية التي هي خارج السلطة ان تراعي هي الأخرى هشاشة الوضع الإقتصادي، وعلى الأحزاب السياسية التي في الحكم ان تسرع بلملمة المسائل وتوضيح خارطة طريق محددة، وعلى الإعلام ان ينقل حقيقة الوضع الإقتصادي.
يا سادتي الكرام تونس ليست لديها موارد طبيعية مثل الجزائر وليبيا، تونس لو غاب عنها الإستقرار السياسي والأمني حلت الكارثة ...فلا تصدير ولا سياحة ولا استثمار..
صحيح ان الميزات التفاضلية لتونس ثابتة ولكنني شخصيا اعتبر الإستقرار العام هو ميزتنا التفاضلية الأولى والأساسية.
لم تتعرض الى مسألتي التهريب والتجارة الموازية بالرغم من انهما من اسباب تدهور اقتصادنا ايضا..؟
اليوم لا بد من الإقرار ان ارتفاع الأسعار الذي اضحى يمثل اشكالية رهيبة وخطرا كبيرا نعاني منه جميعا لأسباب عديدة. فعندما يقترن ارتفاع الأسعار بالبطالة تحصل اشكالية كبيرة ثم ان تدحرج القدرة الشرائية مقترن ايضا بالزيادة في الأسعار وبتراجع القدرة التنافسية للمؤسسة التونسية التي لم يعد بامكانها تصدير منتوجها على خلفية ارتفاع اسعارها وكلفة انتاجها وهو امر مرتبط بالترفيع في الأجور، وفي اسعار الطاقة وفي اسعار المواد الموردة...ولكننا للأسف في المقابل لم نسجل تطورا على مستوى الإنتاج والإنتاجية. وهكذا كانت النتيجة تراجع القدرة التنافسية للمؤسسة.
ولو تعمقنا في الأسباب التفصيلية لتدهور اقتصادنا لوجدنا ان الإحتكار والتهريب هما اهم اسباب تراجع ارقامنا الإقتصادية الى جانب كل الأسباب التي اطنبت في ذكرها. اليوم علينا مقاومة الإحتكار والتهريب وتجريمهما خاصة في غياب اطار تشريعي يحارب التهريب مثلا ويجرم الإحتكار. فعندما يقدم التاجر على الترفيع في الأسعار بلا سند قانوني فان الغرامة المسلطة عليه لا تتجاوز 20 دينارا..علما أن مصر تولت تجريم التهريب والإحتكار بعد نجاح ثورتها مباشرة حتى تحمي اقتصادها.
علينا تشريك المجتمع المدني لمكافحة ظاهرة التهريب والإحتكار بالإضافة الى ضرورة اعتماد حلول اخرى على غرار تأهيل مسالك التوزيع والعمل على توفير الإنتاج حتى يرتفع العرض وبالتالي تتقلص الأسعار وتتراجع ..مع الغاء توريد المواد الكمالية التي لا نحتاجها في هذا الظرف ...للأسف اسواقنا ترزح تحت ثقل المواد الموردة من الصين ومن غيرها من الدول ...
انا أرى انه ليس من مصلحتنا اليوم مواصلة توريد المواد الكمالية التي تغرق اسواقنا وعلى الحكومة اتخاذ اجراءات عاجلة للتقليص من الواردات خاصة في ظل تدحرج قيمة الدينار التونسي. ولا يجب ان ننسى دور البنك المركزي في مجال مقاومة ارتفاع الأسعار..فاليوم نظريا من خلال سياسته النقدية الحالية هو غير قادر على استهداف التضخم بمعنى ان تدخل البنك المركزي الآن لا يمكن ان يؤدي الى تراجع الأسعار...فماذا تبقى لنا ؟؟؟
هل تشكل حسب رأيك النوايا الإستثمارية السعودية والقطرية أملا لإقتصادنا في تحقيق انتعاشة ؟؟؟
اولا احقاقا للحق أن أيّ مستثمر خليجي لا يمكن ان يغامر بامواله في بلد اوضاعه الأمنية متردية واستقراره هش وفي غياب اطار تشريعي. فمجلة الإستثمارات الجديدة التي كان من المفروض ان تصدر في شهر ديسمبر الماضي لم تصدر الى اليوم..اضيفي الى ذلك ان صورة اليد العاملة التونسية اهتزت بسبب تردي نسبة انتاجيته ..الى جانب خصوصية الإستثمارات الخليجية المركزة على القطاع العقاري والمالي وهما قطاعان يشهدان صعوبات كثيرة اليوم في بلادنا.
فاذا اردنا ان تعود الى بلادنا الإستثمارات الخليجية وغيرها، علينا ان نهيئ الأرضية : استقرار الوضع الأمني ورؤية سياسية واضحة ومناخ اعمال سليم،اي قطاع بنكي متطور، واطار تشريعي واضح فيه تركيز على الميزات التفاضلية ومجلة جبائية تحقق العدالة الجبائية ومجلة شغل مرنة ...والأهم من كل هذا، اعادة الإعتبار لقيمة العمل...فلابد من تغيير نظرة التونسي الى العمل كقيمة اساسية للمواطنة والوطنية على حد سواء ، وهذه مسؤولية كل الأطراف...فلا خيار لنا سوى العمل والعمل...
انا متألم لما وصلت اليه الأمور في تونس بعد الثورة..فالشعب التونسي مثقف ومتعلم وواع ولكن ينقصه الإحساس بقيمة العمل كسبيل اوحد للخروج مما نحن فيه...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.