رئيس الجمهورية يجدّد في لقائه بوزيرة العدل، التاكيد على الدور التاريخي الموكول للقضاء لتطهير البلاد    عاجل : تعيين مديرين عامّين جديدين بوزارة الصّناعة والطّاقة والمناجم    صفاقس: رصد 3 حالات سيدا لدى افريقيين جنوب الصحراء    سمير ماجول : '' إننا إذ نسجل بارتياح تحسن المؤشرات وعودة الإقبال على الوجهة التونسية ''    بنزرت: الاحتفاظ ب23 شخصا في قضية سرقة وتخريب بمصنع الفولاذ    عاجل/ الاحتفاظ بطبيب بهذا المستشفى وإحالته على القضاء من أجل شبهة الارتشاء    بركان ينفت الذهب.. ما القصة؟    موجة حر شديدة في هذه المنطقة.. والسلطات تتدخل    الكيان الصهيوني و"تيك توك".. عداوة قد تصل إلى الحظر    بطولة كرة السلة: النتائج الكاملة لمواجهات الجولة الأخيرة من مرحلة البلاي أوف والترتيب    يُروّج للمثليّة الجنسية: سحب كتيّب من معرض الكتاب بتونس    سفينة حربية يونانية تعترض سبيل طائرتين مسيرتين للحوثيين في البحر الأحمر..#خبر_عاجل    شهداء وجرحى في قصف صهيوني على مدينة رفح جنوب قطاع غزة..#خبر_عاجل    ماذا يحدث في حركة الطيران بفرنسا ؟    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها على البلجيكية غريت    الترجي يطالب إدارة صن داونز بالترفيع في عدد التذاكر المخصصة لجماهيره    كأس ايطاليا: أتلانتا يتغلب على فيورينتينا ويضرب موعدا مع جوفنتوس في النهائي    اليوم: عودة الهدوء بعد تقلّبات جوّية    شهادة ملكية لدارك المسجّلة في دفتر خانة ضاعتلك...شنوا تعمل ؟    قفصة: تورط طفل قاصر في نشل هاتف جوال لتلميذ    هام/ بشرى سارة للمواطنين..    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب..ما القصة..؟    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الإبقاء على الإعلامية خلود المبروك والممثل القانوني ل'إي أف أم'في حالة سراح    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    "تيك توك" تتعهد بالطعن على قانون أميركي يهدد بحظرها    تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس    قيس سعيد: الإخلاص للوطن ليس شعارا يُرفع والثورة ليست مجرّد ذكرى    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    هام/ الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة بداية من الغد    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    عاجل/ الاحتفاظ بأحد الاطراف الرئيسية الضالعة في احداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    اللجنة الجهوية لمتابعة تطوير نظم العمل بميناء رادس تنظر في مزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    السيطرة على إصابات مرض الجرب المسجلة في صفوف تلامذة المدرسة الإعدادية الفجوح والمدرسة الابتدائية ام البشنة بمعتمدية فرنانة    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«معزّ الجودي» (خبير اقتصادي ومختص في الحوكمة الاقتصادية) ل«التونسية»:هكذا بتنا نقترض لسداد الرواتب والقروض
نشر في التونسية يوم 15 - 03 - 2013

النموّ المعلن عنه مغالطة... ومحرّكاته الفعلية معطلة
الاقتصاد الموازي ينتج ضعف المنتوج الداخلي الخام
الزيادة في أسعار المحروقات تعطيل لدورة الاقتصاد
لابدّ من مراجعة المنظومة الجبائية والقضاء على التهرّب الجبائي
حاورته: بسمة الواعر بركات
«معز الجودي» خبير إقتصادي متحصل على الدكتوراه من جامعة «مونتسكيو» وهو أستاذ جامعي في جامعة «دوفيل» والسوربون درّس في المدرسة التجارية بباريس وهو صاحب بحوث ودراسات في الحوكمة والحوكمة الإقتصادية قدّم عديد الاستشارات للبنك العالمي والمعهد الفرنسي للمتصرفين. ضيفنا اليوم ناشط في الغرفة الصناعية التجارية بباريس وشغل منصب مدير مؤسسة فرنسية وفي تونس، تم الإستنجاد بخبرته لتقلد خطة مستشار إقتصادي في عديد المؤسسات كالمغازة العامة ومجمع بن عيّاد. بعد الثورة خيّر الإستقرار في تونس ولكنه لم يقطع زياراته إلى فرنسا بحكم مهنته كأستاذ جامعي، انضم سابقا إلى حزب «الوطن» مع «محمد جغام» وكذلك «الإتحاد الوطني الحر» ولكنه خيّر الإنسحاب والنشاط ضمن العمل الجمعياتي فكوّن الجمعية التونسية للمتصرفين وأسس مع مجموعة من الشركاء شركة مختصة في التكوين وتقديم الإستشارات.
«التونسية» إلتقته في حوار شامل تطرق خلاله إلى الزيادة في أسعار المحروقات و تخفيض الترقيم السيادي لتونس ووضع الإقتصاد التونسي وتقييمه لأداء الحكومة الحالية ورأيه في أداء بعض الوزراء.
تعتبر أنه لا معنى للزيادة في أسعار المحروقات، لو توضح لنا كيف؟
لا بدّ ان نفهم منظومة المحروقات في تونس وهذه المنظومة هامة جدا خصوصا إذا عرفنا أن المحروقات لديها قيمتها في الإقتصاد الوطني وفي دفع وتحديد نسبة النمو، فهذه المادة يقع إستعمالها في التصنيع وفي النقل وفي أغلب القطاعات الإقتصادية الحيوية ومنها تنبثق عديد المواد الأخرى. الإشكال المهم هو ان تونس بلد منتج للبترول وهو ما يقع تناسيه دائما مع العلم ان انتاجنا محترم ولكن أغلبه يصّدر خاما وبالتوازي مع ذلك يقع توريد «بترول» آخر مكرر وجاهز للإستعمال ونقتنيه بالسعر العالمي وبالعملة الصعبة.
وهنا يقع الخلل لأن ما نقتنيه بالعملة الصعبة يتكلف باهظا مع العلم ان الأسعار العالمية تتغير. فالدولار في إرتفاع والدينار في انخفاض وبالتالي تصبح التكلفة مرتفعة جدا، فلماذا لا نراجع المنظومة بأكملها إذ لدينا حاليا محطة وحيدة وهي محطة «ستير جرزونة» فلماذا لا تبعث محطات تكرير إضافية فنضرب عصفورين بحجر واحد : فمن جهة نحرك الإستثمار العمومي الذي يخلق الشغل وننّشط الإقتصاد الوطني ومن جهة أخرى نحاول تحقيق الإكتفاء الذاتي النفطي وهذا ممكن وغير مستحيل.
لكن يقال ان النفط التونسي لا يتلاءم وطبيعة السيارات في تونس؟
يمكن استخراج النفط وتكريره فيصبح جاهزا للإستعمال ونصدر الزيت، اما التعلات بأن النفط التونسي لا يمكن استعماله في تونس فهي غير صحيحة لأنه بالإمكان تكريره واستخراج النوعية حسب حاجياتنا وحتى لو فرضنا ان هذا الأمر صحيح لماذا لا نصدر النفط المكرر عوضا عن النفط الخام وبالتالي نتحصل على قيمة مضافة ونخلق استثمارا عموميا؟ ومن هنا يجب مراجعة المنظومة بأكملها لأنها معقدة جدا : إذ يتم إنتاج النفط الخام ثم تصديره وتوريد النفط المكرر ودعمه! والأغرب من ذلك دعمه من قبل صندوق الدعم لأن المواطن لا يتحمل كلفة السعر العالمي وما تمنحه الدولة بيد تسترجع جزء منه باليد الأخرى لأن كل لتر من البنزين يقتنيه المواطن يتضمن نسبة من الأداءات تعود إلى الدولة فمن جهة هي تدعم النفط ومن جهة أخرى هي تقبض الآداءات وبالتالي المنظومة معقدة جدا؟.
لقد انتقدت الزيادة الأخيرة في المحروقات لأنه لدي اتصالات بخبراء في المعهد الفرنسي للبترول يؤكدون ان أسعار «البترول» لم تتغير بل هي مستقرة في حدود 110 دولارات للبرميل وحتى خلال الأشهر الثلاثة القادمة ستكون مستقرة أي بين 108 و111 دولارا على اقصى تقدير في نفس الوقت نجد ان الحكومة الحالية حدّدت ميزانية 2013 على أساس سعر مرجعي أي 110 دولارات فلماذا الزيادة إذن؟.
لو توضح لنا كيف ستؤثر هذه الزيادة على مواد أخرى؟
طبيعي ان يرتفع ثمن الخبز والمواد الإستهلاكية لأن كل القطاعات مترابطة مع العلم ان 60 في المائة من تكلفة المواد الفلاحية متأتية من المحروقات وبالتالي هذه الزيادة سيترتب عنها زيادات أخرى علما أن نسبة التضخم الحقيقية هي بين 9 و10في المائة فالنسبة المعلن عنها من قبل معهد الإحصاء والتي تشير إلى 6 في المائة لا تعتبر خاطئة ولكن طريقة الإحتساب تقليدية ويجب مراجعتها.
مع العلم ان النسبة عندما تفوق 3 و4 في المائة فهذا يعتبر «مصيبة» على الإقتصاد ويعطل الإستهلاك ويضرب القدرة الشرائية للمواطن وكذلك القدرة التنافسية.
وبالنسبة للترفيع في أسعار المحروقات نلاحظ ان الدولة بصدد اتخاذ قرارات خاطئة وكأنها ضد تنشيط الإقتصاد، فعوضا عن البحث عن حلول لإعادة الدورة الإقتصادية فهي تعطل الإقتصاد لأن هناك مؤسسات تستهلك المحروقات والمؤسسات الصغرى التي تكوّن النسيج الإقتصادي ستختنق وطبيعي ان يضعف النمو الاقتصادي وكل هذا عوض وضع استراتيجية متكاملة تحد من التضخم المالي وتخرج الإقتصاد من عنق الزجاجة.
وماهي الحلول البديلة حسب رأيك؟
يجب ترشيد النفقات، هناك نفقات زائدة يمكن ترشيدها كنفقات التصرف والتي ارتفعت بصفة مهولة، الى الآن لم نقم بعمليات تدقيق في النفقات العمومية لنعرف النفقات التي يمكن التخلي عنها.
من ناحية أخرى لماذا لا نراجع المنظومة الجبائية المختلة والتي تعاني الكثير من الخلل؟ هذا بالإضافة الى ظاهرة التهرب الجبائي والاقتصاد الموازي الذي ينتج ضعف المنتوج الداخلي الخام وذلك حسب دراسات أنجزها خبير من أمريكا اللاتينية والذي جلبه مؤخرا البنك العالمي. وهذا الإنتاج مستغل في التهريب وفي السوق السوداء هذا بالإضافة إلى المليارات التي لا تدفعها المؤسسات المتهربة من الجباية ونتحدث هنا عن نحو 17 و18 في المائة كخسائر في مجال التهرب الجبائي والذي يكلف الاقتصاد الوطني باهظا كذلك النظام التقديري والذي يعتبر خاطئا فهناك مؤسسات خصوصا في المهن الحرة تدفع عن طريق هذا النظام بالرغم من كونها تربح الكثير من الأموال ولكنها تمنح ما تريد للدولة!.
صرحت أن 1250 رجل اعمال تونسي سيغيّرون وجهتهم نحو المغرب بإمتيازات مغرية فما الجديد في هذا الملف ؟
الضبابية وعدم الرؤية ومناخ عدم الثقة والإنفلات الأمني عوامل عديدة وراء عزوف المستثمرين، لأن المستثمر يمقت الضبابية وغياب الرؤية فإلى اليوم لا وجود لخارطة طريق واضحة فمن هو المستثمر الأجنبي او التونسي الذي يستثمر في بلد ليس فيه دستور ؟ لازلنا في مرحلة انتقالية ودون تشريع عام فرغم الحديث عن ضبط رزنامة من قبل المجلس التأسيسي وهذا شيء إيجابي فإننا لا ندري هل سيحصل توافق حول مسودة الدستور أم لا ؟ وبالتالي لازلنا في الضبابية وهو ما يدفع رجال الأعمال الى البحث عن مخرج.
الحلول التي كانت موجودة في السنة السابقة تقلّصت وعامل الثقة يتقلص والناس صبروا كثيرا ولكنهم لا يستطيعون الصبر أكثر والإشكال ليس في هروب المستثمر الأجنبي بل حتى المستثمر التونسي أصبح يفكر جديّا في تغيير وجهته. هناك مجامع كبرى في تونس لديها المال لكنها لا تستثمر في مناخ غير مستقر وغير واضح وهناك معلومات مؤكدة عن إرسال 1250 مستثمر تونسي مطالبهم إلى المغرب لنقل إستثماراتهم الى غانا ودول اوروبا الشرقية ونحو الصين وهذه الخيبة الكبرى في إقتصادنا.
هل لديك قائمة بالمستثمرين الذين غادروا تونس؟
لا استطيع الإدلاء بأسماء ولكن هناك رؤوس أموال كبرى تنوي المغادرة وبعضها غادر. اقتصادنا مبني على الإقتصاد العائلي و90 في المائة هي مؤسسات عائلية تقريبا 9 و10 مجامع كبرى وهي التي تحرّك الإقتصاد الوطني وهؤلاء يخلقون الثروات وفي نفس الوقت هم في حاجة إلى أكثر من مؤشر على الاستقرار والوضوح، لا لوم عليهم وليست مسألة «رأس مال جبان» ولكن كيف يمكن للمستثمر توظيف أمواله وهو لا يشعر بالثقة ؟ المطلوب من الحكومة الحالية توفير الأمن والطمأنينة للتونسي وتأمين الأرضية للإنتخابات القادمة وتصريف الأعمال فقط وليس المطلوب تحقيق أكثر من مائة الف موطن شغل. على حكومة علي لعريض إخراجنا من المرحلة الإنتقالية ساعتها ستتحسن الكثير من الأمور.
هل بإمكان التونسي ان يصمد أكثر أمام غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار؟
للأسف تم ضرب اساسيات اقتصادنا، فلو نأخذ مثالا بسيطا، مواطن اقتنى «فيلا» فيها خلل في الكهرباء والماء... كلها نقائص يمكن معالجتها ولكن عندما يتضرر أساس «الفيلا» ساعتها لا يمكن الصمود وهو ما يحصل لإقتصادنا حاليا، لأن الإقتصاد مسّ في الصميم، اليوم لدينا تفاقم في العجز التجاري وصل إلى 12 مليار دينار في حين وصل في آواخر 2010 إلى 4 مليارات دينار اي العجز أصبح ضارب 3، اليوم لدينا عجز في ميزان الدفوعات الجارية وصل إلى 8 في المائة من الناتج الخام كذلك لدينا عجز في ميزانية الحكومة بنسبة 8 في المائة مع العلم ان العجز لا يجب ان يتجاوز 3 في المائة. اليوم لدينا نقص في إحتياطي العملة الصعبة وكذلك نسبة التضخم المالي في حدود 10 في المائة ونسبة البطالة في حدود 18 في المائة هذه المسائل تعتبر من أساسيات الإقتصاد الوطني.
وتجدر الإشارة إلى أننا في شهر ماي لدينا دفوعات لقروض كبيرة قرابة 300 مليون دولار وكذلك دفوعات في آخر السنة لمقرضين منها البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية وفي 2014 و2015 ستكون الوضعية أسوأ لأنه يجب تسديد ديون السنوات السابقة... ويبلغ إجمالي ديون تونس 20 مليار أورو اي 40 مليار دينار وهو حجم كبير مع العلم اننا اليوم نقترض لسداد نسب فائدة قروض تحصلنا عليها.
كيف يمكن إنقاذ الإقتصاد الوطني ؟
لحل مشاكلنا الإقتصادية نحتاج إلى 5 و6 في المائة من النمو. النمو الإقتصادي له 3 محركات أساسية وهي الإستثمار والإستهلاك والتجارة الخارجية. في 2012 كانت المحرّكات الثلاثة معطلة: الإستثمار لم يتحقق بل كان مجرد نوايا، من جهة أخرى الإستهلاك مشلول بحكم تدهور القدرة الشرائية والتضخم المالي، والتجارة الخارجية تعاني من العجز فالواردات إرتفعت ب 14٫7 في المائة والصادرات تطورت ب6 في المائة فقط اي ان نسبة التغطية انخفضت ولذلك فإن النمو لا يمكن ان يتحقق وما تم الإعلان عنه يعتبر مغالطة لأن النمو الذي خلق في 2012 لم يكن بالمحركات الثلاثة العادية بل هو نمو مفتعل إذ وقع في 2012 إنتداب كبير في الوظيفة العمومية حوالي 31 ألف موظف في حين ان الدراسات المنجزة من قبل هياكل دولية كالبنك العالمي وصندوق النقد الدولي تؤكد ان الإدارة التونسية تضم 580 ألف موظف وهي تحتاج فقط إلى 350 ألف موظف يعني ان هناك أكثر من 200 ألف موظف زائد فكيف نضيف إليهم 31 ألف موظف؟ في حين ان الإدارة ليست هي التي تخلق الشغل بل المؤسسات الإقتصادية والمطلوب من الإدارة تأمين الخدمات فقط.
ولكن هؤلاء ساهموا في تحريك المنظومة الإستهلاكية؟
في الظاهر هناك نقاط إيجابية لكن في الأصل عمّقنا من المشاكل ومن نسبة العجز في الميزانية ف 31 ألف موظف تحصلوا على رواتب من الدولة ودخلوا في المنظومة الإستهلاكية والإستهلاك محرّك من محركات النمو وبالتالي الإستهلاك خلق ضغوطات ساهمت في التضخم المالي كما ان جهاز الإنتاج لم يرجع إلى نسقه العادي في نفس الوقت زاد الإستهلاك بطريقة غير عادية وساهم نسبيا في النمو لكنه خلق تضخما ماليا.
ما صحة ما يتردد بأن تونس تقترض لسداد رواتب الموظفين ؟
الإقتراض ليس عيبا والمثل الفرنسي يقول «نقترض لنعيش» لكن الإقتراض يكون إيجابيا عندما تقترض الدولة لتستثمر وتخلق ثروات وتكون هناك مردودية وبالتالي تسدد الفوائض والدين الذي عليها ولكن عندما تقترض الدولة وتوجه نسبة من القروض إلى المصاريف العمومية فهنا يكمن المشكل لأن نسبة تحقيق الإستثمارات في 2012 لم تتجاوز 40 في المائة والمبرمج 6 مليارات دينار يعني أنه لم يقع تحقيق أقل من النصف فالأموال وضعت في الولايات ولكن المشاريع لم تتحقق وبالتالي الإستثمار لم يحدث بسبب عدم النجاعة وعدم الكفاءة وغياب الرؤية كما سبق وإنتقدنا قانون المالية التكميلي لسنة 2012 والذي وقع التصويت عليه بصفة متأخرة جدا وبالتالي ليس هناك وقت كاف لتفعيله أكثر من ذلك في قانون المالية لسنة 2013 لدينا 6٫9 مليارات دينار كإقتراض خارجي في المقابل لدينا 4٫5 مليارات دينار إستثمار ولأول مرة في تاريخ تونس ومنذ 20 سنة الإقتراض الخارجي يفوق الإستثمار العمومي يعني ان 2٫4 مليار دينار موجودة في النفقات العمومية أي في الرواتب وفي مصاريف الدولة وبالتالي بتنا نقترض لسداد الرواتب.
ماذا عن تخفيض الترقيم السيادي لتونس من قبل عديد الوكالات العالمية ؟
هناك 3 وكالات عالمية معروفة وهي: «فيتش رايتينغ» «Fitch Ratings» و«موديس» و«Standard Poor's» ووكالة يابانية رابعة وهي «r- i» وهي وكالات تصنف البلدان ويقع أخذها كمرجع من طرف المستثمرين وذلك وفق المنظومة المالية العالمية فأي مستثمر يعتبر هذه التصنيفات بمثابة لوحة الإرشادات. اليوم ترقيم تونس وفق الوكالة اليابانية والمعروفة بحذرها الشديد منخفض بل صنّفتنا ضمن البلدان ذات المخاطر العالية وذات آفاق سلبية وبالتالي لم يعد لدينا هامش تحرك على مستوى السوق المالية العالمية وإذا قبلوا تمويلنا فسيكون بشروط مجحفة وتونس اصبحت مصنفة مع السودان وأذربيجان وبالتالي إلتجأنا إلى صندوق النقد الدولي وهو بمثابة «الإستعجالي» والذي يمنح قروضا بنسب فائدة منخفضة ولكن يفرض املاءات وإصلاحات ويتدخل في الشؤون السيادية واستقلالية القرار.
حذرنا سابقا من ذلك وذكرنا وقلنا إما أن نأخذ الترقيم السيادي بعين الإعتبار أو اننا سندخل في تبعية إقتصادية وانتقادنا كخبراء للأوضاع الإقتصادية في تونس كان نابعا من خوفنا على مصلحة الوطن فإتهمونا بعديد التهم بالرغم من ان المناصب لا تعنينا وكنا طالبنا بإستقالة الحكومة وساندنا حكومة «الجبالي» لأنها كانت ستعطي رسالة إيجابية فحتى التحوير الوزاري الحالي غير كاف لأنه لن يغير شيئا بل أكثر من ذلك ومن خلال إتصالاتي بخبراء ومن ضمنهم كفاءات تونسية في وكالات الترقيم العالمية علمت ان من بين أهم أسباب تخفيض الترقيم السيادي لتونس هو ان البعثات القادمة عندما تزور تونس ومن حقها فهم الوضعية والإستفسار عن بعض المسائل لا يجدون حتى مع من يتحدثون، يحاولون العمل لكنهم لا يلتقون الوزراء وقد سبق وحددوا موعدا مع وزير الصناعة السابق ولم يقابلهم وأجلوا الموعد ثانية وبعد عدة محاولات قابلهم موظف من الوزارة ولم يكن يحسن التواصل فإنسحبوا من الإجتماع وطبيعي انه عند غياب التواصل وعدم وجود الإجابات الضافية وامام «التحزب» وغياب الكفاءة ان ينخفض الترقيم.
في تونس لدينا الخبرات والكفاءات ولكن «التحزب» يعيقنا فمن قال ان هدفنا «إسقاط فلان أو فلان» كل من ينتقد يصبح متهما ويوصف بأبشع النعوت ما يهمنا ليس المناصب بل تبادل الآراء وإيجاد الحلول المناسبة. ففي عهد بن علي ورغم سلبيات الحكم كان الوزراء مثل «النوري الجويني» يستنجدون بالخبرات والكفاءات التونسية وقد تمت دعوتي أثناء إعداد مجلة الإستثمارات وكذلك تمت إستشارة إتحاد الصناعة والتجارة وهذا عمل صحي وجيد.
انتقدت غياب التواصل بين الوزراء الحاليين والسابقين لو توضح لنا كيف؟
التواصل بين الوزراء مفقود فوزراء سابقون مثل «جلول عياد» وعبد الرزاق الزواري شخصان معروفان بحياديتهما وبعد سنة من العمل قاما قبل مغادرتهما الوزارة بإنجاز كتيبات فيها خطط قيمة وقدموا مقترحات حلول ولكن بعد تسلم الوزراء للمهمة بعدهم دخلت تلك الكتيبات إلى الرفوف والإشكال ان السياسة طغت على الإقتصاد وابتعدنا عن مشاكلنا اليومية فالتجاذبات والمصالح الضيقة خلقت نوعا من العزوف وقلة الثقة وعدم النجاعة في تسيير دواليب الدولة.
ففي الوقت الذي تعاني فيه وزارة التجارة من ظاهرة التهريب ونجد ميزانا تجاريا مختلا وعدم نجاعة فرق الرقابة يتم تعيين «معطر» الذي لا يملك أية كفاءة وخبرة في هذا المجال فهذا عدم مسؤولية وعدم وعي بمصلحة الوطن فهو ليس في المكان المناسب ووجوده هناك «مضرة» لأن تعيين وزير فاشل على رأس وزارة هامة خلل كبير والأغرب من ذلك تعيين رئيس ديوان وزير فاشل كوزير للتشغيل وفي وزارة حيوية؟ كيف تم ذلك وعلى أي أساس؟... لا ندري!
يتهمك البعض بالمبالغة وتهويلك للوضع الراهن فما ردّك؟
أتمنى مناقشتي فكرة فكرة ومستعد للرد على كل الإتهامات بالحجج والأرقام ومن يدعي عكس ذلك فليواجهني ويناقشني والمطلوب هو الحوار أتمنى أن يناقشني خبير في الإقتصاد ويقول لي لا أوافق على هذه النقطة والسبب كذا وكذا...
الأرقام رسمية بعضها موجود على موقع البنك المركزي وفي المعهد الوطني للإحصاء وكخبير إقتصادي فسرتها وفق المعطيات الموجودة وبالتالي لا وجود لأي نوع من المبالغة وأكثر من ذلك ما حذرنا منه منذ سنة وقع الآن وعندما شبهت الوضع باليونان فلأننا وصلنا اليوم إلى نفس الأرقام التي عاشتها اليونان وبالتالي إن لم ننقذ الإقتصاد فسينهار واللجوء إلى «الإستعجالي» ألا وهو صندوق النقد الدولي والترفيع في سعر المحروقات... أهذه دلالات على أننا في وضع إقتصادي مريح؟.
تم الحديث عن إمكانية إصدار قطعتين نقديتين من فئتي مائتي مليم ودينارين لماذا ؟
هذا الإصدار يعتقد منه الحد من التضخم المالي ولكنه لن يحل المشكل. الإشكال ان محافظ البنك المركزي يعتقد ان التضخم سببه مالي في حين ان هذا ليس السبب الوحيد بل هناك مجموعة من الأسباب ومنها تهريب السلع وعدم نجاعة الرقابة وعدم التوازن في العرض والطلب وأسعار الواردات مرتفعة ومكلفة مقارنة بالصادرات وبالتالي لا بد من إنسجام وتنسيق بين البنك المركزي ووزارتي التجارة والداخلية ولا يجب ان يبقى البنك المركزي منعزلا عن سلطة القرار.
فقرار البنك بالحد من القروض الإستهلاكية هو حسب إعتقادي قرار خاطئ وإنتقدناه سابقا وهو سلاح ذو حدين لأنه يخفض من الإستهلاك وفي نفس الوقت يخفض من النمو وهو ما حصل اليوم.
ما حقيقة انتماءاتك السياسية فالبعض يقول انك تجمعي وآخرون يؤكدون أنك موال لسليم الرياحي؟
بعد الثورة دخلت إلى الحياة السياسية وفكرت في المساهمة في خدمة بلدي. إلتحقت في اواخر شهر جانفي 2011 بحزب «الوطن» وكان فيه أحمد فريعة ومحمد جغام وساعتها تم الإستنجاد بي لكتابة البرنامج الإقتصادي لهذا الحزب فوافقت وهو يضم كفاءات رغم وجود تجمعيين وبالتالي شاركت كناشط وخبير إقتصادي ولكن بعد موجة الإنتقادات الموجهة للتجمعيين وبالأخص ضد أحمد فريعة ومحمد جغام رغم كفاءتهما فجغام عندما تقلد السياحة كانت من أحسن الفترات و«فريعة» كان من بين الوزراء الأكفاء في التعليم العالي والقضاء نزّههما في عديد المناسبات لكن مغادرتي لم تكن ضد الأشخاص بل حدثت صراعات داخلية ولأن برنامجي في هذا الحزب لم يتحقق. في جوان 2011 تأسس «الإتحاد الوطني الحر» وأرسل لي «سليم الرياحي» مساعده وطلب مني المساهمة في كتابة برنامج الحزب لكن بقيت أسبوعا واحدا من الأحد إلى الأحد وغادرت، فقد تم تقديمه لي كحزب شبابي ولكن الأمور لم تكن واضحة وبالأخص أثناء تأسيس الحزب فلا تعرف مثلا القرار بيد من؟ وكيف يتم التسيير داخل الحزب هذا بالإضافة إلى أن بعض الأشخاص لم أتفق معهم رغم ان النية كانت متجهة نحو تعييني في المكتب السياسي ناطقا رسميا ولكنني لم أجد الأرضية الملائمة للعمل فغادرت.
مؤخرا وصلتني عروض من «نداء تونس» وكذلك من «الحزب الجمهوري» لكنني رفضت التحزب وفضلت الحياد والنشاط ضمن العمل الجمعياتي ففي السياسة يوجد الكثير من الحسابات و«التمقيص» والحساسيات وعندما يكون الإنسان أستاذا جامعيا وخبيرا يشعر ان حياديته قد تمس في الصميم وبالأخص في ظل هذا المناخ وكثرة الإنتماءات الحزبية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.