سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"هياكل وآليات مكافحة الفساد المحدثة صورية.. ولم تخرج من ديكور بن علي .." بعد تدحرج تصنيف تونس مجددا فى مكافحة الفساد .. الخبير في الجباية لسعد الذوادي ل"الصباح":
كشف التراجع الجديد لتصنيف تونس في مجال الشفافية ومكافحة الفساد من المركز59 إلى75 من بين174 دولة، عن معضلة تنخر في صمت الإقتصاد والمجتمع وسط تجاهل يكاد يكون تاما لمسألة انتشار الفساد في تونس من قبل السياسيين والإعلاميين على حد سواء. ويقر البعض أن تناول السلطة لموضوع مكافحة الفساد ظل حتى بعد الثورة تناولا مسرحيا لم يخرج من أسوار هياكل الرقابة والشفافية الصورية والاستراتيجيات المعدة للتسويق الإعلامي دون فاعلية على أرض الواقع للحد من تفاقم الفساد والرشوة والجريمة المالية والجبائية وغيرها من مجالات وتفرعات الفساد المالي والإداري. ويشير في هذا السياق لسعد الذوادي الخبير وعضو الجمعية العاليمة للجباية إلى أن نظرية الديكور التي كان يتبعها بن على في الإيهام بوجود هياكل وأطر قانونية ورقابية هي ذاتها ما يتم تطبيقه اليوم من السلطة السياسية الحاكمة في تعاطيها مع ملف الفساد والرشوة. ويتساءل الذوادي في حديثه مع"الصباح"عن نجاعة الهياكل المحدثة بعد الثورة وقدمت على أنها ستعمل على التخفيف والحد من انتشار الفساد قائلا:"ماذا فعلت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد إلى حد الآن؟ وماذا عن ملامح تركيبة المجلس الأعلى للتصدى للفساد الذي يضم في صفوفه فاسدين(على حد تعبيره)؟ وماذا عن انجازات الوزارة المحدثة للحوكمة ومقاومة الفساد وهل وظفت ميزانيتها طيلة الفترة الفارطة في تدخلات عملية في الاتجاه الصحيح لمقاومة الفساد؟" ويجزم لسعد الذوادي أن هذه الهياكل صورية في إطار ديكوري لا غير ودليله على ذلك أنها أفضت إلى استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد يعتبرها "استراتيجية لا وطنية في تبييض الفساد والفاسدين.." غياب الإرادة السياسية ويشير لسعد الذوادي إلى غياب الإرادة السياسية لمكافحة الفساد ما أفضى إلى تفاقم الظاهرة. ويتهم الحكومة السابقة بالتصدى وافشال جملة من المبادرات والمشاريع التي كانت قادرة على رسم خارطة طريق واضحة المعالم لبداية تركيز الهياكل والتشريعات والأطر الملائمة لمقاومة الفساد المالى والإداري. من ذلك التصدى لمشروع القانون المتعلق بالكسب غير المشروع الذي تقدم بع محمد عبو ابان اضطلاعه بمنصب وزير الإصلاح الإداري. حيث يتهم لسعد الذوادي رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي رأسا بعرقلة المشروع. ويتساءل الذوادي أيضا لماذا لم تقوم الحكومة السابقة بمراجعة المرسوم الإطاري عدد120 لسنة2011 المتعلق بمكافحة الفساد لكي يستوعب كل أحكام اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد وخاصة الأحكام المتعلقة بحماية المخبرين والشهود. ولماذا تم التصدى إلى المطالب الداعية إلى إدماج كل هياكل الرقابة العمومية، التي في وضعية شلل، صلب هيكل مستقل يتم التنصيص عليه في الدستور. حيث كان ينتظر من وراء دمج هياكل الرقابة الحد من تشتتها أولا ومنحها صفة الاستقلالية حتى لا تتولى السلطة التنفيذية مراقبة نفسها وهو ما لا يجوز. لكن الوضعية الحالية لهياكل الرقابة لا تؤمن لها العمل المستقل والشفاف لأنه وعلى سبيل المثال فالرقابة العامة للمالية تتبع وزارة المالية ودائرة المحاسبات تحت اشراف رئاسة الحكومة والهيئة العليا للرقابة المالية والإدارية تحت اشراف رئاسة الجمهورية والرقابة العامة لأملاك الدولة من أنظار وزارة أملاك الدولة.. ويخلص لسعد الذوادي إلى أن التفقديات العامة لكل الوزارات تكاد تكون مشلولة لا تنتج شيئا وهي هياكل فاقدة للاستقلالية وهي بدورها جزء من منظومة الفساد على حد تعبيره. ممارسات وتشريعات فاسدة ويعتبر المختصون في مجال مقاومة الفساد أنه ما لم يتم القطع مع بعض الممارسات ولم يتم التوجه مباشرة لمراجعة جملة من الإجراءات والتشريعات لن يتسنى وضع استراتيجية فاعلة لمقاومة الفساد. ويشير لسعد الذوادي إلى أن النصوص المتعلقة بالصفقات العمومية هي "نصوص فاسدة لم تتم مراجعتها". كما توجد "ممارسات فاسدة تتواصل إلى اليوم كتعاقد مؤسسات أجنبية متحيلة مع مؤسسات عمومية على مرآى ومسمع من الأطراف المعنية" ويذكر محدثنا بهذا الصدد "شركة أجنبية يتمثل نشاطها في السمسرة في تذاكر المطاعم ثبت تحيلها ورفع أمرها إلى النيابة العمومية حسب أحكام الفصل15 من المرسوم عدد 14 لسنة 61".. وتظلم المهنيون من ممارسات هذه الشركة التي تستنزف موارد الدولة من العملة الصعبة لكن دون أن تحرك الأطراف المعنية ساكنا.." ومن الممارسات والملفات التي يتم تجاهلها ولم تفتح بعد وتساهم في تعميق الفساد في تونس، يتحدث لسعد الذوادي أيضا عن "التكتم والتغطية على ملف الفساد الجبائي الذي يكلف الخزينة العامة عشرات آلاف المليارات". وعدم فتح ملفات صناديق الخزينة التى "خربت القدرة الشرائية للمواطن وأهدرت آلاف المليارات وحولت وجهتها مثل صندوق النهوض بالقدرة التنافسية في المجال الصناعي". ويضيف محدثنا أنه"لم يتم أيضا فتح تحقيق في المليارات التي أهدرت وحولت وجهتها في مجلة التشجيع على الإستثمار التي تحولت تونس بمقتضى أحكامها إلى وكر لتبييض الأموال والجرائم والتحيل مثلما يتضح ذلك من خلال التقرير المنشور من قبل خلية مكافحة تبييض الأموال والجريمة المنظمة ببلجيكيا والذي صنف تونس في الدرجة الخامسة من حيث الخطورة". أوجه أخرى للفساد يتحدث كذلك لسعد الذوادي عن أوجه أخرى للفساد في بلادنا تتجسد في "الفواتير الصورية المتأتية من الخارج مقابل خدمات وهمية ويتم على ضوئها تحويل آلاف المليارات عن طريق البنك المركزي. وكذلك الوسطاء الماليين الذين بصدد تبييض الجرائم الجبائية وتبييض الأموال. وهو ما جعل آخر تقرير لمنظمة الشفافية الأمريكية حول تبييض الأموال يصنف تونس في المرتبة 128 أي ما مقداره 45 ألف مليار أموال قذرة تتداول في تونس". ويجزم لسعد الذوادي بأن الرقم أرفع بذلك بكثير وقد يصل إلى100 الف مليار. من جهة أخرى يعتبر البعض أن المجلس التأسيسي لم يضطلع بدوره في وضع الأطر القانونية والتشريعية لمكافحة الفساد بل يعتبر لسعد الذوادي أن المجلس وأطراف داخله"عمدت إلى التصدى لكل المقترحات التشريعية لمكافحة الفساد والسمسرة في ملفات الجباية وتبييض الجرائم الجبائية والسوق الموازية وتبييض الأموال والتهرب الجبائي الدولى وهدر المال العام وذلك خلال مناقسة مشروع ميزانية الدولة لسنة الجارية". تداعيات ومخاطر ومما لا شك فيه أن تفاقم الفساد المالي والإداري وغياب الإرادة والحزم الكافيين في مواجهة الظاهرة يلقى بجملة من المخاطر والتداعيات على الإقتصاد التونسي والثقة الدولية في تونس. ويؤكد ل"الصباح" مراد حطاب الخبير في إدارة المخاطر والأزمات المالية أن مستوى الشفافية والحوكمة ومناخ الأعمال يكون له انعكاس على مستوى تقييم السيادة النقدية والجدارة الإئتمانية للبلدان وعادة ما تقل هذه المؤشرات في بلدان الجريمة المالية. ويعتبر مراد حطاب أن تونس "تشهد بوادر ظهور الجريمة المالية المنظمة كتهريب الأموال ونشاط العملة المزيفة والتهرب الجبائي كما لا توجد أطر حوكمة فاعلة في مجابهة هذه الظواهر". وبالنظر إلى قلة الامكانيات والبطئ في مراجعة التشريعات والقوانين المنظمة للصفقات العمومية والمهيكلة للنظام الجبائي،"فتونس مفتوحة اليوم على كل المخاطر من ناحية السيولة وجودة الأصول المالية وتأرجح سعر الفائدة في السوق المالية وانشار المحسوبية..". وكل هذه المؤشرات تأخذها بعين الإعتبار منظمات الشفافية المالية في تصنيف البلدان. ويشدد مراد حطاب على ضرورة الانتباه إلى تدحرج تونس في سلم الشفافية المالية "فالعواقب ستكون وخيمة على مستوى الثقة في التعاملات المصرفية وفتح السندات وإقبال المتعاملين الأجانب على السوق التونسية". وعلى الحكومة التوجه بكل جدية إلى تفعيل هياكل المراقبة والإسراع في مراجعة التشريعات مع ضرورة معاضدة الإعلام لهذا العمل عن طريق التناول الجدي لموضوع الفساد لأنه حتى بعد فتح الأبواب أمام امكانية التقصى والتحقيق والكشف عن التجاوزات في مجالات الرشوة والفساد وفضح هذه الممارسات في ظل جرعة الحرية التي منحتها الثورة للإعلام والإعلاميين ،إلا أنه وللأسف بقيت هذه المواضيع جانبية وإن طرحت ففي سياق التوظيف السياسي لغايات وحسابات سياسية وحزبية في أغلب الأحيان.