بعد تأكيد البنك الدولي أنه لم يمنح بعد الموافقة المبدئية لإسناد تونس قرضا بقيمة 500 مليون دولار، وفي ظل حديث بعض المختصين عن امكانية تعثر المفاوضات، تطرح عديد المخاوف حول الانعكاسات المحتملة على الوضع الإقتصادي الحالي الهش وخاصة على مستوى قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها من نفقات عمومية وأجور وأيضا القدرة على تحريك عجلة التنمية والاستثمار. ويشير في هذا الصدد مراد حطاب الخبير في المخاطر المالية إلى أن الاحتمالات والانعكاسات التي يمكن أن تترتب عن عدم منح تونس قروضا كافية تتمحور أساسا في الزيادة من حدة أزمة الإقتصاد الوطني والآفات التي تنخره حاليا على غرار البطالة والارتفاع المتنامي والسريع للأسعار ونقص السيولة الكافية لتمويل الاستثمار مع احتمال التخفيض في قيمة الدينار التونسي مقابل العملات الأجنبية. فضلا عن احتمالات أخرى لا يمكن تقييم مداها على المستوى القريب على الأقل. ويوضح مراد حطاب أنه حسب تقييمات صندوق النقد الدولي فحاجيات تونس لتمويل اقتصادها ومعالجة عجز الميزانية تناهز 4,3 مليار دولار منها مليار دولار يتعين ضخها في المنظومة المصرفية لإعادة هيكلتها، نظرا للظروف التي يمر بها الاقتصاد التونسي ولاسيما ضعف نسق الاستثمار الذي بلغ في آخر فيفري الفارط 290,6 مليون دينار منخفضا بذلك ب 9,6 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية. المديونية ويقول مراد حطاب إن الاعتماد على المديونية يمثل اليوم حلا للحكومة التونسية ومصدرا أساسيا لتصريف شؤون التنمية والنفقات العامة للدولة إضافة إلى الأموال المصادرة والخوصصة. والتقييمات العامة للهيئات المالية الدولية تشير إلى أن الصعوبات التي تمر بها البلاد يمكن أن تؤدي إلى عجز في الميزانية العامة للدولة في آخر 2016 في حدود 7,9 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وذلك دون اعتبار الهزة الحالية التي يعاني منها القطاع السياحي وهو الممول الرئيسي لمعالجة عجز الميزان التجاري(11 مليار دينار قيمة العجز حاليا).هذا بالإضافة إلى كون القطاع السياحي من المصادر الكبرى لسداد ديون تونس حيث تناهز مساهمته في هذا المجال حوالي 20 بالمائة. وأمام هذه التحديات شرعت الحكومة التونسية في الأشهر الفارطة في التفاوض مع البنك العالمي للحصول على قرض قدره ألفا مليون دولار أمريكي وأداة تعديل هيكلي تناهز قيمتها 1,7 مليار دولار تسدد على خمس سنوات بنسبة فائدة قيمتها 1,05 بالمائة مع سحب على مرتين لمعالجة الحالات الطارئة. غير أن المفاوضات استقرت في النهاية على دعم الميزانية ب 500 مليون دولار بعنوان سنة 2013. شروط البنك الدولي غير أن البنك الدولي وفي بيانه الصادر يوم 8 أفريل الجاري أكد أنه لم يعط الموافقة المبدئية موضحا أن المشاورات جارية غير أن قرار منح القرض مازال بعيدا عن التجسيم. ويوضح مراد حطاب أن البنك العالمي ربط منح القرض بمدى فاعلية برنامج الحكومة الحالية خصوصا في مجال تحسين مناخ الأعمال وضمان الشفافية إضافة إلى التقيد بمعايير الحوكمة الرشيدة. ويعتبر محدثنا أن الإشارة الصادرة عن البنك الدولي تدل على تخوفات عدة عبرت عنها هيئات عالمية أخرى تتعلق أساسا بأسلوب تنظيم الإقتصاد الوطني واستقلالية البنك المركزي إضافة إلى ضرورة الحسم في مسألة هيكلة القطاع البنكي التونسي. كما تتمحور تخوفات الهيئات الدولية المالية حول الحجم الكبير لأعباء التأجير العمومي حيث يمثل موظفو الدولة بكل أطيافهم 5,37 بالمائة من مجموع السكان. ويضيف مراد حطاب أن المخاوف تتمحور أيضا حول احتمال انهيار منظومة الضمان الإجتماعي إذا لم تتخذ بصفة عاجلة مجموعة من الإصلاحات العميقة في هذا المجال. ومهما يكن من أمر فإن الإشارة التي أصدرها البنك العالمي قاسية -حسب الخبير الاقتصادي- وتدل على حرج الوضعية العامة للسيولة في البلاد ولجودة الأصول المالية ولنقص الموارد الكافية لمجابهة النفقات "وفي جانب آخر فإن صعوبة المفاوضات مع البنك العالمي تدل على تواصل الضبابية التي تكتنف آفاق تطور الإقتصاد التونسي نظرا لعدم وجود استراتيجيات تطمئن الهيئات المالية الدولية". اصلاحات مطلوبة وحول الإصلاحات المطلوبة اليوم لاسترجاع الثقة في الإقتصاد التونسي يقول مراد حطاب إن تصريف الشأن الإقتصادي والمالي يتطلب معالجة دقيقة تتسم بالحرفية العالية على مستوى المناورة والحفاظ على مقدرات البلاد وسيادتها النقدية لتجنب تخفيضات أخرى في التصنيف السيادي لتونس ولمؤسساتها المالية. وهو ما يعنى عزل البعد السياسي عن الشأن الإقتصادي عن التجاذبات والمزايدات. ويضيف محدثنا أن التعثر في التفاوض والتسرع في إيجاد سبل أخرى للتمويل على غرا ر خوصصة المؤسسات الكبرى في ظل حكومة وقتية يمكن أن يؤدى إلى اختلالات هيكلية قد تتطلب معالجتها سنوات عديدة ويتحمل أعباءها الفقراء والشرائح الوسطى من المجتمع والأجيال القادمة.