طبعا،،، سيكون من المبالغة بمكان اعتبار علميات وأكاد أقول جرائم الاحتكار والمضاربة في المنتجات الفلاحية والمواد الغذائية من طرف بعض الفلاحين وكبار التجار الجشعين بمثابة "سرقات موصوفة" ما دام القانون الجنائي يعرّف "السرقة الموصوفة" بأنها تحديدا "السرقة التي يرتكبها أكثر من شخص باستعمال السلاح أو الناقلة أو كلاهما أو ترتكب باستعمال العنف والتهديد.." (انظر الفصل 507 وما بعده من المجلة الجنائية).. ولكنّ الكلام الخطير الذي ورد على لسان وزير التجارة والصناعات التقليدية أثناء زيارته "الفجئية" أمس الأول إلى سوق الجملة ببئر القصعة والذي قال فيه أن هذه السوق لم تعد قادرة على الاضطلاع بدورها التعديلي بسبب غياب التزويد المنتظم والفعلي للمنتوجات الفلاحية وتعمّد المزودين والفلاحين عدم ارتيادها" لابد أن يحيل على ضرورة أن تضطلع عاجلا أجهزة الدولة ومصالحها المختصة بواجبها في هذا المجال خاصة وأن "المسألة" ذات علاقة ب"قفة" المواطن وقوته وقدرته الشرائية.. لا نريد أن نتحدث عن ظاهرة ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية عامة والغذائية خاصة التي باتت حديث عموم التونسيين هذه الأيام بخطاب "شعبوي" وربما تحريضي مثلما تفعل بعض الأحزاب السياسية مثلا (أحد هذه الأحزاب أطلق حملة "تحسيسية" تحت عنوان "الغلا والكوا" !) وإنما نريد أن نسجل بكثير من الاستغراب تقاعس المصالح الإدارية المختصة في القيام بواجبها لمجابهة وردع "عصابات" الاحتكار والمضاربة في المواد الغذائية والمنتجات الفلاحية (خضر وغلال) لما لجرائمها من تأثير سلبي كبير وخطير على بورصة أسعار هذه المواد وبالتالي على ميزانية الأسر التونسية وقدرتها الشرائية.. نائب رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك المكلف بالأسعار عزا بدوره أسباب الارتفاع المشط في أسعار الخضر والغلال إلى ما أسماه انخرام مسالك الترويج .. ذلك أن 60 بالمائة من الخضر والكلام له لا تمرّ عبر مسالك التوزيع القانونية.. أي عبر سوق الجملة !!! أما وزير التجارة والصناعات التقليدية فقد كان أكثر وضوح في موضع آخر من تصريحه غداة زيارته لسوق الجملة عندما قال أن "أطرافا تسعى للتحكم في منظومة أسعار الخضر والغلال من خلال عمليات تزويد مدروسة قوامها ضخّ المنتوجات في السوق بصفة تدريجية للمحافظة على أسعار مرتفعة" أو ليس هذا هو الاحتكار والمضاربة بعينها يا سيادة الوزير؟! إذن لماذا "تعوّمون" المسألة وتتحدثون في المطلق عن "ضرورة أن تتظافر جهود كل الأطراف لمجابهة ظاهرة الارتفاع الجنوني للأسعار" !؟ لماذا لا تتحمّل أجهزة الدولة ومصالحها المختصة مسؤوليتها وتضطلع بواجبها كاملا في التصدّي للمضاربين والمحتكرين الجشعين؟ ! لماذا لا تأذن مثلا النيابة العمومية لمصالح المراقبة التابعة لوزارتكم بزيارة مخازن التبريد التي هي على ملك بعض كبار المزودين لمعاينة الكميات المخزونة لديها كما تطالب بذلك منظمة الدفاع عن المستهلك ؟ !