لا يمكن للهدوء الظاهر الذي رافق افتتاح أشغال لجنة الحوار الوطني المنعقد بالأمس بقصر الضيافة بقرطاج ولا للصور التي نشرت أن يزيل من الاذهان كل الشكوك والمخاوف من التداعيات الكارثية والمخاطر جراء استمرار غياب الحوار الصادق والاستمرار في سياسة الهروب الى الامام والمضي قدما في لعبة المكابرة والغرور والإصرار على تجاهل الاخطاء و العثرات التي رافقت الأشهر الماضية والتي دفعت و لا تزال تدفع بالبلاد باتجاه الغرق في فخ الفتن و الانفلات الأمني. طبعا لا أحد يتمنى لاي حوار وطني أن يطوى بمجرد انطلاقه و لا أحد يتمنى الفشل لاي مبادرة أو جهود من شأنها أن تسعى الى انقاذ البلاد من حالة الإحباط السائد , اذ لا يمكن الا لمن افتقر للوطنية و للغيرة على هذه الأرض والانتصار لاهداف الثورة التي أجمع من حولها الشعب وهي الحرية و الكرامة و العدالة أن يعادي أو يرفض مسار الحوار الوطني لمجرد الرفض ...على أن الحقيقة أن نجاح أي حوار وطني لا يمكن أن يتحقق بدون ضمان الشروط والارضية المطلوبة لتحقيق الوفاق الوطني و أولها المصارحة التي يمكن أن تقود الى المصالحة , و من هذا المنطلق فان في غياب أو تغييب المنظمة الشغيلة التي كانت و راء اطلاق مبادرة الحوارالوطني و معها ممثلو المجتمع المدني و اقصائهم من شأنها أن تجعل هذا الحوار خطوة عرجاء قد لا يكون الهدف منها أكثر من محاولة تصحيح و تلميع الصورة المتآكلة لرئيس الجمهورية المؤقت نتيجة سلسلة من التصريحات و المواقف الاستفزازية التي أججت غضب المعارضة و شريحة واسعة من التونسيين أو كذلك لتعزيز موقع رئيس الحكومة أمام الإخفاقات الحاصلة وغياب النتائج في جريمة اغتيال شكري بلعيد كما بشأن أحداث ساحة محمد علي وغيرها.. فليس سرا أن هذا اللقاء الذي دعت اليه كل من رئاسة الحكومة و رئاسة الجمهورية و الذي انعقد بحضور ممثلين عن الأحزاب الحاكمة و أحزاب ممثلة في المجلس الوطني التأسيسي و خارجه قد تأخر أكثر مما ينبغي لا سيما و قد سبقته دعوات متعددة قبل و بعد اغتيال الشهيد شكري بلعيد و لكنها ظلت بلا جدوى حتى الان و لم تؤد الى حوار وطني حقيقي . تماما كما أن هذا الحوار يأتي في مرحلة لا تخلو من الحساسية من عمر الثورة الفتية التي بدأت محملة بالاحلام و الوعود التي بدأت تتلاشى تباعا في ظل تواتر الازمات الاقتصادية و الاجتماعية و ما تخلفه في النفوس من اختناق يكاد يمس مختلف الشرائح الاجتماعية المكتوية جراء لهيب الأسعارالمتأجج و تفاقم البطالة و تعدد مظاهر التطرف والعنف وغياب الافاق والحلول ....بل ان افتتاح أشغال الحوار الوطني الذي عقد قبل ساعات على الجلسة العامة للمجلس الوطني التأسيسي للنظر في اللائحة التي تقدم بها عدد من النواب ضد وزيرة المرأة و أخرى ضد رئيس الجمهورية المؤقت ما يؤكد أن المرحلة ليست مرحلة استعراض القدرات الخطابية وتوجيه الدعوات الرنانة للتأكيد على أهمية الحوار الوطني , فلا أحد اليوم أيا كان موقعه داخل أو خارج الترويكا يمكن أن يسمح لنفسه بالتقليل من أهمية الحوارالوطني أو يراهن على تجاهل أو اقصاء بقية الأطراف الفاعلة على الساحة السياسية والادعاء بامتلاكه القدرة على الخروج بالبلاد من حالة الانهيار البطيء الذي تتجه اليه ... دعوة صريحة لاصحاب القرار في البلاد أن يتأملوا الواقع جيدا و أن يدركوا خطورة المرحلة و يخرجوا للرأي العام الذي مل كثرة مراوغاتهم و صراعاتهم بقرارات جرئية و خطوات حاسمة تمسح من ذاكرة التونسي بعض تلك المهازل الحاصلة و تجدد لديه بعض الامل المفقود في نوابه الذين تحولوا الى نوائب وهم الذين منحهم ثقته و حمّلهم ذات يوم الأمانة والمسؤولية التاريخية لانجاح المسار الديموقراطي بالبلاد فلم يجد غير الخيبات والصفعات المتتالية ... الخيار الوطني ليس ترفا ولا بديل عنه و لا يمكن الا أن نقول كفى اهدارا للفرص و للوقت وكفى غرقا في حوار الطرشان