◄سامي الطاهري : الاتحاد أكثر الأطراف القادرة على تنظيم حوار وطني لانه خارج كل التجاذبات - انطلقت مبادرات الوفاق والتوافق والالتقاء على ارضية مشتركة بين القوى السياسية في حوار وطني منذ ما قبل انتخابات المجلس الوطني التاسيسي في 23 اكتوبر 2011.. مبادرات من السلط الرسمية ( رئاسة الجمهورية- رئاسة الحكومة- المجلس التأسيسي) ومنظمات المجتمع المدني( الاتحاد العام التونسي للشغل) آلت جميعها الى "الفشل".. ويعود ذلك اما إلى مقاطعتها من قبل احد الاحزاب الحاكمة أو من قبل قوى من المعارضة.. ومثلت دعوة الحوار الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل يوم 16 أكتوبر 2012 ابرز مبادرات الحوار الوطني غير انه تمت مقاطعتها من قبل كل من حركة النهضة وحزب المؤتمر من اجل الجمهورية الامر الذي افقدها الفاعلية وجعلها تتحول الى مؤتمر للتوصيات فقط.. نفس الامر اتسمت به مبادرات رئاسة الجمهورية التي تاتي في الغالب متأخرة وغير جامعة.. حتى أن بعض الأطراف السياسية اعلنت عدم ثقتها في مؤسسة الرئاسة. واعتبرتها مبادرات تتنزّل في إطار "التغطية على واقع التخبط والارتجال الذي طغى على أداء رئاسة الجمهورية التي فشلت في أن تلعب أيّ دور ايجابي في علاقة باستحقاقات الانتقال الديمقراطي وذلك لارتهانها التامّ لسياسات حزب حركة النهضة الأمر الذي يجعلها جزءا أساسيا من الأزمة." فهل يعني ذلك انه لا مجال لتحقيق الوفاق بين احزاب الساحة السياسية اليوم؟ أو أن الظرفية غير ملائمة لجلوس مختلف القوى الى طاولة الحوار؟ أوضح الباحث في علم الاجتماع السياسي طارق بلحاج محمد أن السياسة في ابسط معانيها هي "فن تدوير الزوايا والخروج من المآزق والتفاوض السياسي الذي هو شرط الوفاق." وبين أنه ان لم يتوفر البعد الهيكلي والسياق الظرفي لذلك فمن الطبيعي عدم الوصول الى التوافق المرجو. إعاقة هيكلية.. ما يعيق الوفاق السياسي حسب بلحاج محمد هو وجود إعاقة هيكلية في عقلية الفاعلين السياسيين وفي الثقافة السياسية السائدة لديهم ويتجسم ذلك في سيادة منطق الغنيمة على حساب عقلية التوافق والمصلحة الوطنية إلى جانب غياب النضج اللازم للإجابة عن الأسئلة الأساسية اللازمة للتوافق.. فجميعهم يذهبون -حسب رأيه- الى مسرحية التوافق مضطرين وكأنه شرلابد منه وليس ضرورة وطنية يرجى من ورائها تأمين السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي. ويضيف "يذهبون الى مسرحية مغشوشة تنقصها الإرادة السياسية والالتزام الأخلاقي لان جزءا من الفاعلين السياسيين اما يخافون من التوافق أو يتمعشون من حالة الاحتقان والاختلاف..فالذين يبحثون على التوافق اليوم اطراف غير توافقية في الاصل ولا تتوفر فيهم الشروط الدنيا لنجاح توافقهم.." اعاقة ظرفية.. اما بالنسبة للامور الظرفية التي تفشل الوفاق فهي تتعلق بنظرة الاطراف المشاركة في الحوار والغاية منه.. فمن يحكم يذهب الى الحوار من باب المناورة وايهام الراي العام باستعداده للحوار ولكن دون الاعتراف بأخطائه أو التنازل عن السلطة. أما من يعارض فيريد أن يربح الوقت ويربح نقاط سياسية على حساب خصمه دون كلفة سياسية..أو التورط في مواجهة مباشرة مع السلطة، توافق دون خسائر ودون ضريبة حتى وان كان على حساب القضايا الكبرى.. ويعتبر بلحاج محمد ان أقصى ما يمكن ان تصل له هذه الحوارات هو "هدنة سياسية أو اعتراف متبادل بين مكونات المشهد السياسي،و هو أمر لا يعد من أولويات المواطن." اقصاءات.. يرى الباحث في علم الاجتماع السياسي انه في الغالب يتم إقصاء الفاعلين الأساسيين من المجتمع المدني ( الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية لحقوق الانسان وهيئة المحامين..) من مبادرات الجهات الرسمية ويتم اخذ مواقفها من وجهة النظر الاستشارية وليست من وجهة النظر الملزمة. وبين بلحاج محمد أنه في "غياب مناخ ثقة بين المتحاورين وفي غياب طرف محايد يدير عملية الحوار ويعدلها لا يمكن ان ينجح اي اتفاق." و"ان تواصلت نفس العقلية ونفس المناورات ونفس التحفظات من حركة النهضة والمؤتمر من اجل الجمهورية بخصوص مبادرة الحوار الوطني لمناهضة العنف فاننا سنكون ازاء نفس المشهد للمؤتمر الماضي مع فارق اساسي هو اغتيال شكري بلعيد. الاتحاد يبادر من جديد.. اعتبر سامي الطاهري الناطق باسم الاتحاد ان "مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل للحوار الوطني في 16 اكتوبر الماضي كانت من المبادرات الناجحة فقد ضمت عددا كبيرا جدا من الأحزاب السياسية و جمعيات المجتمع المدني وقد أجبرت الجميع على تحديد خارطة سياسية للمرحلة المتبقية من الانتقال الديمقراطي." وأضاف ان الاتحاد كان يحبذ حضور حركة النهضة والمؤتمر من اجل الجمهورية. وعن اسباب عدم استئناف المنظمة الشغيلة للجزء الثاني من الحوار الوطني والعثرات التي تحول دون الانطلاقة الثانية ذكر الطاهري ان "البلاد تعيش حالة من الغليان وهناك الكثير من الخلافات حول العديد من الملفات ابتداء من الاعتداء على الاتحاد العام التونسي للشغل وصولا الى الاغتيال..كما ان العديد من الفاعلين منشغلين بقضايا داخلية. " وكشف عن وجود لقاء منتظرخلال الاسبوع القادم بين الامين العام حسين العباسي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في اطار المشاوات التمهيدية للحوار المرتقب سيعمل خلالها الاتحاد على تطمين حركة النهضة بان الحوار الوطني لا يعد بديلا عن المجلس الوطني التاسيسي. واعتبر ان طلب التشاور الصادر عن حركة النهضة يدل على ما يبدو على رغبة في التوافق. واضاف ان "الاتحاد كان يحبذ حضورحركة النهضة في الحوار الاول ولم يستأنف الجزء الثاني منه على امل ان يقنعها بالانضمام الى طاولة الحوار الوطني." ويرى سامي الطاهري في نفس السياق ان "الاتحاد هو اكثر الاطراف القادرة على تنظيم حوار وطني لانه خارج كل التجاذبات."