مسرحية تقوم على قلب الأدوار فيتحول السيّد إلى خادم والخادم إلى سيد - إنه موعد يتطلع إليه الجمهور التونسي العاشق للمسرح وللإقتراحات الفنيّة التي تسرقه ولو لوقت قصير من الشأن اليومي المغرق بالمشاكل المليئ بالأسئلة والمحكوم بالسياسة. الموعد سيكون بالمسرح البلدي بالعاصمة والمناسبة عرض يقدّمه المسرح الفرنسي "la Comédie Française" بعنوان لعبة "الحبّ والصّدفة" للكاتب المسرحي"ماريفوMarivaux "وذلك يوم السبت 27 أفريل الجاري. حدث يمكن أن نصفه بالإستثنائي لأن الجمهور التونسي ومنذ فترة طويلة نسبيا أصبح حظه من العروض الفنيّة الجدية والمتكاملة قليل. نعتبره استثنائي كذلك نظرا لقيمة " الكوميديا الفرنسية " ونظرا لقيمة المؤلّف الذي يعتبر أحد أكثر المسرحيين الذي تقبل الفرق المسرحية الكبيرة على نصوصهم. وإن كان "ماريفو" معروف لدى المسرحيين ولدى هواة المسرح فإن عرضه " لعبة الحب والصدفة " Le Jeu de l'amour et du hasard " " ليس أقل شهرة بل لعله أكثر أعمال الكاتب المسرحية التي صادفها النجاح والإنتشار وهي إلى حد اليوم مصدر إلهام للمسرحيين الذي يجدون فيها دائما ما من شأنه أن يعبر عن العصر. أما إذا عدنا ل"ماريفو" (1688- 1763) فإن أبرز ما يمكن الإشارة إليه أن الرجل من الأسماء التي أثرت في الحركة المسرحية في العالم خاصة في القرن العشرين رغم أنه نشط بالأساس في القرن 18. فهو ككل المجدّدين أو كأغلبهم كان لزاما عليه أن ينتظر طويلا حتى يتم الإعتراف به. ربما هناك أسماء أكثر شهرة منه خاصة في فرنسا على غرار"موليير" "وراسين "و"كورناي" لكن ينسب لماريفو أنه أحدث ثورة في مجال الكوميديا العاطفية بأعمال عديدة على غرار "مفاجآت الحب" و"اعترافات مزيفة" وبطبيعة الحال من خلال عرض " لعبة الحب والصدفة" التي تقدم بالمسرح البلدي في تونس برؤية جديدة علمنا أن النقاد الباريسيين تقبّلوها بحفاوة بالغة بمناسبة العودة المسرحية 2012. وإذ كتب "ماريفو"نصوصا مسرحية تعالج عدة قضايا من بينها العدالة الإجتماعية والمساواة بين الأجناس والعلاقات البشرية فإن ذلك يعود بالأساس إلى أن الكاتب كان في الأصل فيلسوفا ومفكرا وقد تمكن من الإنضمام إلى الأكاديمية الفرنسية في وقت كانت الساحة الفكرية الفرنسية تضم أسماء كبيرة من أبرزها الكاتب والمفكر فولتير. "ماريفو" صاحب الثورة في المسرح الكوميدي لم يتوغل "ماريفو "كثيرا في التجديد وهو يعتبر في نهاية الأمر أحد كلاسيكيي المسرح الكبار في العالم لكن ما اقترحه من ابداع حامل لبذرة التجديد يعتبر هاما وكان له تأثيره في الأجيال الجديدة خاصة إذا أخذنا بعين الإعتبار ظروف عصره وضرورة الإلتزام بقواعد صارمة في الكتابة هي في الغالب نتيجة للقيم السائدة في المجتمع. وأبرز ما يحسب ل"ماريفو" أنه حاول أن يسخر من المنظومة الإجتماعية والأخلاقية بمجتمعه دون أن ينتهي به الأمر إلى الثورة على هذه المنظومة بشكل كامل. وهو ما انتهى إليه أغلب النقاد لعرض "لعبة الحب والصدفة" حينما نبهوا إلى محاولة المؤلف تسليط سهام النقد إلى المجتمع بجرأة واضحة. ولكن عما يتحدث العرض الذي مازال يثير المسرحيين اليوم الذين مازالوا يعتبرونه قطعة فنية صالحة للتعبير عن مجتمعات اليوم؟ تدور أحداث العرض المسرحي حول شاب وشابة ينتميان إلى عائلتين ذات مستوى اجتماعي مرموق لكن كل منهما يرفض أن ينساق للعادات والتقاليد. تقوم "سيلفيا " بمباركة من والدها بالتخفي في ملابس الخادمة "ليزات" حتى تتعرف بشكل جيد على الخطيب الذي تقدم لها لكن لم يدر في خلدها أن نفس الفكرة راودت الخطيب "دورنتي" الذي تنكر في زي خادمه "آرلوكان". في الأثناء تحدث مفاجآت لجميع الأطراف المشاركة في لعبة الحب والصدفة. حاول "ماريفو" في هذا العرض قلب الأدوار حيث تحول السيد إلى خادم والخادم إلى السيد. تنكشف الأقنعة في نهاية العرض وتعود الأمور إلى طبيعتها لأن المبدعين وإن تجاسروا على القوانين الصارمة في الكتابة وعلى القيم التي تحكم المجتمع فإننا لا نتوقع أن -وفي ظروف القرن الثامن عشر وتحديدا في أواسط القرن- أن يصل بهم الأمر إلى تجاوز الخطوط الحمراء. المهم أن العرض بداية من الأحداث مرورا بالديكور ووصولا إلى الآداء يحمل التوابل الضرورية التي تستدرج المشاهد إلى المسرح وتضاعف من فضوله لمشاهدة عرض مسرحي يعد بأن يكون لحظة استثنائية يعيشها عشاق الإبداع وعشاق الإنفتاح على فنون العالم خاصة وأن الفرقة المسرحية معروفة وعريقة وحرفية. العرض المنتظر من اخراج "غالان ستوايف". وتجدر الإشارة إلى أن المعهد الفرنسي بتونس يعتبر أن المناسبة ليست فقط اعلانا عن عودة الكوميديا الفرنسية إلى بلادنا وإنما هي فرصة للتأكيد على أن الثقافة لا تعترف بالحدود بين الشعوب وأنه مهما كانت مضار السياسة على العلاقات بين البلدان فإن الثقافة والفن بالخصوص تبقى ذلك الدرع الواقي ضد كل أشكال الإنغلاق على الذات. مع العلم وأن الكوميديا الفرنسية ستكون بيننا في تونس في صائفة هذا العام خاصة بمناسبة الدورة الجديدة لمهرجان دقة الدولي.