من العار تقزيم أيام قرطاج المسرحية بهذا الشكل المخجل... المنصف السويسي وقصة حب حد العشق مع الخشبة.. بخفاياها واسرارها وبتفاصيلها الكبيرة والصغيرة.. هو مؤسس فرقة الكاف ومديرها لسنوات.. وهو مؤسس المسرح الوطني وايام قرطاج المسرحية.. حكايات طويلة لا تنتهي مع المبادرات والتأسيس تجاوزت تونس لتمتد الى بعض ارجاء الوطن العربي وتحديدا منطقة الخليج العربي.. وها هو حلم جديد يراود الرجل ويسعى لتجسيمه هذه الايام.. اضافة اخرى اذا ما تمت، اكيد انها ستثري الساحة المسرحية.. حول كل هذا والى جانب بعض القضايا والهموم والمشاغل الفنية والمسرحية التقته «الصباح « فكان الحديث التالي: انت بصدد اعداد عمل مسرحي جديد يحمل عنوان «طورغت» عن نص للدكتور الشيخ سلطان بن محمد القاسمي ولنفس الكاتب كنت قد اخرجت منذ 4سنوات مسرحية «الحجر الاسود» وقبلها مسرحية «النمرود»... لماذا الاعتماد على نصوص خليجية ولنفس الكاتب بالتحديد؟ لانه ببساطة شديدة لم يعد هناك كتاب للمسرح، صحيح ان المسرح للمسرحيين بمعنى ان المسرح يمكن ان يفرز كتابا من داخله ولكن، ليس من خارجه ايضا.. وذلك حتى لا يسطو الادب على المسرح،، ولكن اين هم الكتاب داخل المسرح واين هو المسرح بالذات؟؟... ففي غياب المسرح غياب دون شك لكتابه. منذ مدة ناديت وطالبت بفضاء مسرحي. يبدو ان مطلبك تحقق ونداؤك تمت الاستجابة اليه؟ والحمد لله وها انا بصدد تهيئته واعداده حتى يكون فضاء بمواصفات مسرحية عالية وقد انفقت حتى الان 120الف دينارقرض من البنك حصل عليه ابني علاوة على دعم وزارة الثقافة وبلدية تونس على احتضانهم وعلى دعمهم المتواصل لمبادراتي الشخصية اضافة لدعم الدكتور سلطان بن محمد القاسمي المادي والادبي. وهذا الفضاء يندرج في اطار تاسيس جديد، فمن خلاله فتحنا ورشات لتكوين الشباب لايماننا بضرورة تمرير المشعل لمن سيواصلون المشوار معنا ومن بعدنا عملا بمقولة زرعوا فاكلنا ونزرع فياكلون، وهذا المشروع ينخرط فيه عدة فنانين من بينهم على سبيل الذكر لا الحصر محمد كوكة والطيب الوسلاتي والبشير خمومة ومحمد علي المداني وايمن النخيلي وعامر المثلوثي ونور الدين العياري ومن خريجي المعهد العالي كمعز حمزة وبسام العلوي ويسرى الطرابلسي ويحي الفايدي وسهيب الخماسي ومن الشباب المثقف مثل الياس العبيدي ورمزي بالرحومة... اذن علاقتك بالشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي تتجاوز التاليف المسرحي والاخراج؟ هي علاقة مواطن عربي اسمه المنصف السويسي يشتغل بالمسرح بحاكم عربي مثقف وعاشق كبير للمسرح يمارس الكتابة بفكر نقدي وقاد وبجراة نادرة الى جانب دعمه للمسرح والمسرحيين العرب بالخصوص، فهو بهذه المواصفات كائن استثنائي من بين الحكام العرب وهو عندي معادلا موضوعيا لما كان عليه حاكم اثينا « باريكلاس» في القرن الرابع قبل الميلاد الذي بفضله ازدهر المسرح في اليونان».. وهو عندي تماما مثل الملكة اليازبيت مع شكسبير الى درجة ان اطلق على المسرح الانقليزي في عصرها بالمسرح اليازبيتي والذي انجب بالتالي تلك النخبة من الكتاب العباقرة مثل بان دجونسن ومارلوف... فضلا عن شكسبير... في كل هذا اجد الدكتور القاسمي باحتضانه للمسرحيين ودفاعه المستميت عنهم ودعمه المتواصل لهم تماما مثلما كان لويس الرابع عشر الملقب بالملك الشمس في احتضانه لذلك الثالوث العبقري موليير، راسين،كورناي.. اني لا اجد حاكما عربيا مهتما بالمسرح مدركا لاهمية دوره في صياغة فكر ووجدان الانسان العربي بقدر ما يؤمن بذلك هذا الرجل الكائن الاستثنائي وانه لشرف لي عندما كلفني في مناسبات ثلاث باخراج 3 اعمال من نصوصه المسرحية مع دعمه لي معنويا وماديا بصفة موصولة.
انت تعترف اذن بوجود ازمة في المسرح؟ بالتاكيد نعم وهذه الازمة ليست وللاسف وليدة اليوم بل انها تمتد الى اكثر من ثلاثة عقود ولولا صمود المسرحيين الحقيقيين من اصحاب المهنة وهم اقلية مع الاستثناء فان القاعدة هي دمار للمسرح... والاسباب تعود بالاساس الى السياسة التي كانت متبعة والتي تعتمد على مجموعة اليات ووجود خطة جهنمية تم وضعها من قبل الساسة لتدمير المسرح لانه ببساطة بقي يقض مضجعها بالنقد والمعارضة، فقرروا التخلص منه بذكاء... السياسة في تونس كانت في ظاهر فعلها تدعم المسرح وفي باطنه تهدمه، وما سياسة الدعم الا دليل قاطع على هذا والا فكيف نفسر انتشار حوالي 150شركة انتاج وليس لدينا 1 بالمائة من الاعمال التي تليق بالعرض والمشاهدة؟؟.. وكيف نفسر هذه العروض التي لا تتم او تتم في قاعات فارغة ويتقاضى اصحابها الدعم؟؟.. اليس هذا نسفا للعلاقة الجدلية التي يجب ان تكون قائمة بين المسرحي والمتلقي؟ لقد كانت هناك بالتاكيد سياسة تهدف الى جعل الفنانين في قطيعة مع الناس او مع الجمهور المتلقي... لقد وصلنا الى حالة اصبحت فيها المسارح بلا مسرحيين والمسرحيون بلا مسارح. فكيف تتصور ان يكون المسرح بعد كل هذا؟ لقد حاولوا ضرب المسرح في اطار مؤامرة وهو ضرب لكل ضروب الثقافة، الى درجة ان وصلنا الى مرحلة لم يعد فيها فرق مسرحية ولا مجموعات عمل لها مشروع فكري وجمالي وكل ما هناك ان اصحاب الشركات لهم ختم واوراق ومحفظة وللاسف ليس لهم فرق مسرحية، ان المسرح لا تصنعه الا المجموعة.. لان المسرح فن تجميعي مركب تجد فيه العلوم الصحيحة وغير الصحيحة علاوة على الاداب والفنون.. وضرب المسرح ضرب للديمقراطية لان في المسرح تتقارع الافكار وتلتقي الاهداف والغايات، وحيث تمارس الديمقراطية.. وفي غياب المسرح غياب للديمقراطية والحوار وازمة المجتمع التونسي ازمة حوار، هناك انسداد لسبل الحوار وعلى المسرح ان يثور على هذه الحالة وان يندد بكل ماهو احادي واستبدادي وديكتاتوري لان تونس يجب ان تبقى لجميع ابنائها وان يرقى ابناؤها الى المواطنة الحقة بمعنى المفهوم الحقيقي للمواطنة أي الحقوق والواجبات.. لقد كانت هناك سياسة تهدف الى جعل الفنانين في قطيعة مع الناس او مع الجمهور المتلقي.. وقد نبهت شخصيا في اكثر من مناسبة فكان كلامي صراخا في وادي غير ذي زرع.
... واين كان المسرح ايام الثورة.. وحتى بعدها؟ المسرح من الفواعل والاليات التي مهدت لحدوث الثورة فالنقد الذي مارسه المسرح للسلطة كان فيه بعدا تثويريا وتنويريا وتحريضيا.. والمسرح التونسي لم يقم بهذا في 14 جانفي فحسب بل وايضا وعلى سبيل الذكرلا الحصر في 18 جانفي 1952. وهناك مسرحيات تدافع عن الهوية الثقافية للانسان التونسي العربي المسلم وتذكره بامجاده، ولقد كان ايضا للمسرح وقفة في مقاومة التجنيس وغيره.. لقد كان المسرح التونسي دائما في الموعد مدافعا عن قيم الحرية والعدل والحق والخير والجمال.. ثم ان الثورة ليست انفجارا او انتفاضة وليست تعني المشاركة في الفوضى.. بل هي ثورة على الذات، اي النقد الذاتي لتغيير ما بالذات تجسيما للاية الكريمة» لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم».
كثرت الاحزاب وتعددت الايديولوجيات فهل لديك انتماء حزبي؟ بل انا احزاب قائمة بذاتها ولست بحاجة لانتماءات سياسية او حزبية ضيقة لان المسرح ورسالته ارحب واعمق فلم يكن شكسبير او موليير منتمين لاي حزب.. وحتى بريشت تراجع عن انتمائه الحزبي في وقت ما وكانت تجربته نبراسا لاعماله المسرحية في ما بعد. انت مؤسس ايام قرطاج المسرحية.. فكيف تراءت لك الدورة الاخيرة وانت واحد من المشاركين في احد عروضها؟ من العار على تونس ان تسمح السلط الثقافية فيها بتقزيم ايام قرطاج بهذا الشكل وبهذا الحجم المخجل الذي ظهرت عليه الدورة الاخيرة لايام قرطاج المسرحية... فمن مهرجان دولي بلغ شانا عظيما في مبناه الى مهرجان يكاد يكون محليا عن جهل عميق بالمقومات الاساسية لانجاح مهرجان دولي بحجم ايام قرطاج المسرحية فالمهرجان المسرحي يتطلب معرفة عميقة برجالات المسرح في الوطن العربي والافريقي وكذلك الاجنبي. فعندما تدعو شخصية مسرحية او فرقة او مسرحا فلا بد من ان تكون هناك معرفة ودراية واطلاعا وحتى علاقات تعاون دولي، فلا يمكن ان ننظم وندعو الى المهرجان بالانترنيت، فالاكيد سيكون عرسا باردا وبالتالي ينعكس على الاجواء عامة فيكون ابرد من صقع الليالي. وعندما ندير مهرجانا لا بد من التفكير في تطويره واثرائه وتحسين ادائه في الاعلام وفي علاقته بالمدينة، فكيف تكون الحال عندما نقتضب المهرجان وننقص من فعالياته ونحذف أهم نشاطاته كالمسابقة مثلا.. حتى في اليونان انطلق الاحتفال بالمسرح من خلال المسابقة.. كما يتضح التقزيم بحذف مناقشة الاعمال المقدمة وحذف التكريم والتتويج والندوة الفكرية والاكتفاء بالركوب على الثورة.. وكذلك عندما ندعي ونكذب بانه يحمل الجديد ويقصدون لامركزيته المزعومة في حين اني عندما اسسته سنة1986 كان اساسه اللامركزية. ينبغي مراجعة النظر في كل ما يتعلق بهذا المهرجان لانقاذه من السقوط في الشعبوية والسياسوية على حساب تطويره والارتقاء به الى مصافه وبعده الحضاري والكوني. ان المسرح يمكن ان يكون ثوريا دون ان يتكلم عن الثورة بصفة مباشرة.