المواطن تائه و«التاكسي واللواج» ينتعشان: إضراب النقل يشلّ العاصمة والجهات    بضيعة فلاحية ببنزرت: حجز 48 ألف قارورة مياه معدنية مخزّنة في ظروف غير صحيّة    15 دولة غربية تقرر الاعتراف بفلسطين: عزلة الكيان... تتصاعد    البطولة العربية لكرة السلة.. تونس تنتصر على مصر    وزير التجارة يدعو مختلف أجنحة سوق الجملة ببئر القصعة إلى الضغط على الأسعار    سهرة فلكية بمدينة العلوم    طبرقة - عين دراهم : وجهة فريدة تجمع بين سياحة الاستجمام وصقل المواهب الرياضية    النادي الافريقي يتعاقد مع الليبي اسامة الشريمي الى غاية جوان 2027    عاجل/ فاجعة في الطريق الرابطة بين القصرين وسيدي بوزيد..وهذه حصيلة الضحايا..    باجة: اندلاع حريق في جبل عين جمال    الشيا: الحبة الصغيرة التي قد تحارب الكوليسترول وضغط الدم    عاجل: البنك المركزي يُبقي على نسبة الفائدة الرئيسية دون تغيير    وزيرة الصناعة تدعو الى مزيد التنسيق لتنفيذ مشروع المدنية الذكية للسيارات في ظل تزايد طلبات الاستثمار في هذا القطاع    هام/ توفير كميات من لحوم الضأن بأسعار تفاضلية بهذه الولاية..    البنك المركزي يبقي على نسبة الفائدة في مستوى 7,50 بالمائة    هيثم الجويني يعزز صفوف فريق القوة الجوية الرياضي العراقي    سليانة: المصادقة على المخطط الجهوي للتنمية 2026 - 2030    سيدي بوزيد: وفاة 5 أشخاص واصابة 4 آخرين في حادث مرور    نجاح أربع عمليات زرع أعضاء من متبرع واحد في حالة موت دماغي    احتجاز الناشط التونسي حاتم العويني ورفاقه في سفينة "حنظلة": نقابة الصحفيين تدعو الى فرض عقوبات دولية على الكيان الصهيوني..    عاجل/ السجن لمحاسب بشركة استولى على أموال عمومية..وهذه التفاصيل..    هذه الدولة تحظر استخدام ''يوتيوب'' لهذه الفئة العمرية    المنستير: خمسة عروض فنية متنوعة في الدورة 38 لمهرجان سيدي سالم ببني حسان    باجة: صابة هامة من الاعلاف الخشنة ودعوة للمحافظة على المخزونات تحسبا من التغيرات المناخية    مهرجان مكثر الدولي: تسع سهرات فنية من 10 إلى 17 أوت القادم    عاجل/ من بينهم التونسي حاتم العويني: هذا ما قرره الاحتلال في حق نشطاء سفينة "حنظلة"..    بريطانيا ترد على اتهامها ب"مكافأة" حماس    15 سنة سجناً لمروّج مخدرات بجهة البحر الأزرق    الترجي الرياضي: الثنائي البرازيلي يلتحق بالمجموعة .. وأهولو يحزم حقائبه    بايرن ميونيخ يتعاقد مع الكولومبي لويس دياز حتى 2029    اليوم العالمي للصداقة: شكون صاحبك بالحق؟ وكيفاش تميّز الصحبة الصحيحة من المزيّفة؟    اضراب جامعة النقل...شلل تام في جميع المحطات    أعوان شركة السكك الحديدية يُهدّدون بالإضراب    باحثة تونسية تُكرَّم على منصّتها الذكية لمواجهة العوامل الممرضة    أحلام تُخاطب التونسيين: قرطاج بوابة مروري الفني...انتظروني بكل حبّ وشوق    من هو ''الشامي'' اللّي عامل حالة في تونس؟    أكثر من 1300 جواز سفر في أقل من شهرين: تسهيلات جديدة للتوانسة بالخارج!    يا توانسة: طقس الويكاند موش كيف العادة!    محرز الغنوشي: ''السباحة ممكنة بالسواحل الشرقية ولا ننصح بها بالشمال''    بشرى لمرضى الزهايمر...تعرف عليها    في بالك فما علامة أثناء النوم تنذر بخطر صحي...دراسة تكشف    حضور جماهيري واسع في حفلة "الشامي" والسوق السوداء تنغص الفرحة    الإتحاد المنستيري: اليوم الدخول في تربص .. و28 لاعبا في الموعد    الحماية المدنية : 144 تدخلا لإطفاء حرائق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    اسرائيل تستهدف طوابير الجوعى وتسقط شهداء وجرحى    تنبيه/ رياح قوية وبحر مضطرب اليوم..#خبر_عاجل    وفاة الفنان المصري لطفي لبيب    "الشامي" يشعل ركح مهرجان الحمامات في أول ظهور له بتونس    بطولة العالم للسباحة سنغافورة: أحمد الجوادي ينافس اليوم على ذهبية سباق 800 متر سباحة حرة    مبابي يرتدي القميص رقم 10 في ريال مدريد بعد رحيل مودريتش    فحص السيارات في تونس.. شنو الجديد وكيفاش يعاون في تقليل الحوادث؟    عاجل/ زلزال قوي يضرب هذه المنطقة..ودول تعلن حالة الطوارئ وتتأهّب لتسونامي..    عاجل: انطلاق خدمة التوجيه الجامعي عبر ال SMS بداية من اليوم    تاريخ الخيانات السياسية (30)...تمرّد المبرقع اليماني بفلسطين    تحذير: الحزن الشديد قد يؤدي إلى الوفاة المبكرة..    تاريخ الخيانات السياسية (29) خيانة القائد أفشين للمعتصم    عاجل/ التحقيق مع أستاذة في الفقه بعد اصدار فتوى "إباحة الحشيش"..    يوم غد السبت مفتتح شهر صفر 1447 هجري (مفتي الجمهورية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسألة التضخّم...
نشر في الصباح يوم 17 - 04 - 2013

بقلم : محجوب لطفى بلهادي - أجمعت قواميس اللغة على أنّ التضخّم ينحدرمن سٌلالة التضخيم وأن التضخيم من المبالغة والإفراط بتعبيراته المختلفة... فجاء تاريخ 14جانفى 2011 ليشكّل نهاية سيادة "الأنا" الفرويديّة المتماهية مع صورة الأب والزعيم المنقذ والرّافعة السيكولوجية الحقيقية لظهور أنماط سلوكية
غير مألوفة منها الدعوات المفتوحة بين صفحات "جمهورية الفايسبوك الثانية" لاستباحة دم"الآخرالمختلف".. وموجات احتجاجية متتالية لا تهدأ.. فممارسة لطقوس "الحرق الجسدي" في مشاهد فاقت في فضاعتها ورمزيتها الدراما الإغريقية.. فنرجسيّة مفرطة ومقيتة لطبقة سياسية نجحت بشكل منقطع النظيرفي تعميق الشعور بالإحباط...مناخات عامة متلبّدة وقاتمة سرّعت ببلوغ اقتصادنا لمستويات قياسية في معدلات التضخم.
بعيدا عن "لعبة الأرقام بالمناولة" التي تخصّصت فيها العديد من وجوه "الإفتاء في الاقتصاد" ستنحصرمقاربتنا على تفكيك العناصرالتالية :
1- لما هذا الاهتمام المفاجئ بنسب التضخم؟
لنفترض أنّ هناك صفَّين من "الدومينو" تمّ وضعهما إلى جانب بعضهما البعض، وهناك صفّ آخرتمّ وضعه خلفهما: الصفّان الأماميّان يقعان، وكردّ فعل تتابعي يسقط البقية... صورة استعارية تبرزالآثارالتي يمكن أن يتسبّب فيه التضخّم -غيرالمتحكّم فيه- على باقي المؤشّرات الاقتصادية الكبرى ضمن "مفهوم الدحرجة" أوما يعرف "بمفعول الدومينو".
ما نشهده اليوم من ارتفاع سريع وجنوني لنسق التضخّم ساهم في خلق حالة من الهلع والتوجّس غيرالمسبوق لدى العموم ومزيدا من الاضطراب والإرباك في مستوى التوازنات الاقتصادية العامة...
وللتضخّم اليوم ضحايا كثيرون : فالمستهلك فقد الكثيرمن طاقته الشرائية ممّا يؤشّرفي المنظورالقريب إلى التحاق عدد كبيرمن متوسّطي الدّخل إلى جيش المفقّرين الجدد، والمنتج وقع في الدوّامة المفرغة-الخبيثة للتضخّم المتمثلة في الزّيادة المستمرة لهامش الربح كردّ فعل عن الارتفاع المشطّ لتكاليف الإنتاج، والاقتصاد بدوره أصيب بحالة من الكساح الوظيفي...
فاستمرارارتفاع الأسعاربنفس الوتيرة من شأنه أن يٌغيّرمن خصائص الظاهرة ليحوّلها من معطى اقتصاديّ يمكن التحكّم فيه إلى ورم سرطاني سريع الانتشار قادرعلى قلب المعادلة الاجتماعية/السياسية برمتها .
2- ما هي الإشكالات التي تثيرها ظاهرة التضخّم ؟
من زاوية الفقه الاقتصادي تعدّ ظاهرة التضخّم من أشدّ المسائل خلافية بين أوساط المتخصّصين وذلك على مستوى:
-تعدّد التعريفات والمفاهيم المسندة للظاهرة باختلاف المدارس منها المرتبطة بالعوامل المنشئة للتضخم كالنظرية الكمّية ونظريّة الدّخل ونظريّة العرض والطلب ومنها المبنيّ على خصائص التضخّم المتعدّد الأوجه...
-مناهج احتساب نسب التضخم تشوبها الكثيرمن الشبهة بفعل المراوحة بين الالتزام بالنماذج الإحصائية المتبعة من مؤسّسات الإحصاء في العالم من جهة والحسابات الخاصة لمراكزالنفوذ واللوبيات المتنفذة من جهة ثانية ...
-تفاوت تداعيات ظاهرة التضخم من اقتصاد إلى آخر، فلا وجود لنموذج وحيد وموحّد للتضخم بل لنماذج متعدّدة الأنساق والآثارمن الكارثى إلى السىّء فالأقلّ سوءا....فالمفيد أيضا للاقتصاد إن تمّ التحكّم في نسبه بشكل جيّد...
ففي كتب الاقتصاد يٌعرّف التضخّم على أنّه ارتفاع مستمر ومتزايد في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات عبر الزمن أو زيادة الطلب على العرض زيادة تؤدى إلى ارتفاع في الأسعار... تعريفات على أهميتها البيداغوجية تبقى مغرقة في العموميات وغيرمحدّدة بالقدر الكافي..فمتى يمكن اعتبارالارتفاع في الأسعارمستمرا أو مؤقّتا؟ وما هي المعاييرالكمّية القادرة على توصيف هذه النسبة أوتلك بالتضخّمية؟ وعلى فرضيّة وجود هذه المعايير؛ هل من الممكن سحبها آليا على وضعنا الانتقالي الخاصّ؟
من المعضلات الأخرى التي تستبطنها هذه الظاهرة وتجعلها محلّ جدل وتجاذب شديدين هو ما تعارف علي تسميّته بالفجوة الكبيرة بين التضخّم الرسمي/المعلن والتضخّم المحسوس/المعاش.
معضلة تلقي اليوم بظلالها الكثيفة على المشهد الاقتصادي، فالفارق بين نسبة التضخّم الرسميّة لشهرمارس المنقضي والمقدّرة ب 6،5 وفق المسح الدّوري للمعهد الوطني للإحصاء وبين الأسعارالحقيقية الملتهبة التي تعرفها أسواقنا وجيوبنا فتح باب النقاش مجدّدا على مصراعيه...
فالتفطّن لحالة الفصام التي تعتري الظاهرة - ثنائية الرسمي والمحسوس للتضخم - ليست اكتشافا تونسيا جديدا أوحالة من حالات التهيء أو الهلوسة كما يعتقد البعض بل تعود إلى منتصف التسعينات من القرن الماضي حيث أثارتقرير بوسكن- الشهيرنفس المسألة وطالب مراكزالإحصاء بمراجعة مناهج قيس مستويات التضخّم بالولايات المتحدة.. ثم تجدّد طرح نفس الموضوع بقوّة عند انضمام عدد من الدّول الأوربيّة إلى منطقة اليورو.
كيف يمكن تفسيرالفارق بين التضخّم الرسمي/المعلن والتضخّم المحسوس/المعاش؟
فرضيات ثلاث ممكنة :
أ- أنّ تقسيمات سلّة الاستهلاك سليمة والخلل يتمثل في خطأ في احتساب الأسعار
ب- أنّ الأسعارصحيحة وبالتالي الخلل في تقسيمات سلّة الاستهلاك المعتمدة.
ج- أن يكون الخلل مزدوجا خطأ في مستوى تقسيمات سلّة الاستهلاك واحتساب الأسعار معا
في جميع الحالات ؛ أليس من الحريّ اليوم الشروع وبسرعة في إعادة النظرفي تقسيمات وتثقيلات سلّة الاستهلاك وفقا لأسس ومنهجيات أكثرواقعية حتّى تكون أرقام التضخّم الرسميّة معبّرة عن الواقع اليومي المعاش.. فالتوصل إلى حسابات أكثردقّة وواقعيّة يساعد على رسم سياسات وخطط سليمة وفاعلة في مجال التحكّم في ظاهرة.
3- ما حقيقة التضخم في بلادنا ؟
ظلّ معدّل التضخّم على مدى العقدين الماضيين في حدود 3،5 ممّا يؤكد أن التوجّهات التضخّمية ليست وليدة اليوم وأنها ذات طابع تراكمي/هيكلي بالأساس، لتعرف معدّلات التضخّم فيما بعد نسقا أسرع ومستويات أعلى بداية من 14 جانفى 2011 لتبلغ الضعف في نهاية الشهرالماضي دافعة بالاقتصاد عنوة في عين العاصفة...
فللظاهرة من خصوصية وامتدادات في الزمن ما يسمح بالحديث عن "حالة تضخّمية تونسية" شديدة التفرّد عمّا عرفته الاقتصاديات الانتقالية الأخرى، امتزج فيها الموروث النفسي بالاقتصادي والبعد القانوني بالسياسي.
فالي جانب اختزالها لعدد من الأسباب المنشئة للتضخم المتداولة في الأدبيات الاقتصادية فان للتضخم في بلادنا أسبابه وأعراضه الخاصة :
أولا-الصعوبة في التحرّرمن عقدة الدّولة الرّاعية التي توفرالشغل والمرتّب التي استمرّت لعقود طويلة ...
ثانيا-استبدال ممنهج للمنظومة القيميّة للعمل المبنيّة على الكفاءة ونظافة اليد بمنظومة فساد بائسة عنوانها الوحيد" أنا ..ثم أنا ومن بعدى الطوفان" التي يتم استنساخها اليوم بالآلاف بعد أن كانت منحصرة في عدد محدود من العائلات..
فالاقتصاد في جزئه الكبيرأصبح خارجا عن السيطرة بفعل الشراكة المافيوية بين الاقتصاد الموازي وجزء من القطاع المنظم وبارونات التهريب...
ثالثا- التباطؤ الشديد في صياغة الدستورإلى حدّ التلكؤ بسبب ما عبّرت عنه في مقال سابق "بالتضخّم السياسوي" ..فمنذ اللحظة الأولى التي انتهجنا مسارالمجلس التأسيسي المحفوف بالمخاطركنّا قد رفعنا عن أنفسنا الغطاء الدستوري وعرّضنا مناخ الأعمال لحالة من حالات فقدان المناعة...
من العبث الاعتقاد بأنه يتوفراليوم لدى هذه الجهة أو تلك وصفة اقتصادية أو سياسة نقديّة سحريّة قادرة على التحكم الحيني الشامل في نسب التضخم..
فالمسألة أعقد من ذلك بكثير، وتتطلب في الحدّ الأدنى عودة سريعة للغطاء الدستوري للدولة من خلال صياغة عقد مجتمعي جديد يعبّر عن تطلعات التونسيّين في الحرية والكرامة.
في الأثناء، القاطرة الاقتصادية تراوح مكانها في انتظاراستكمال إجراءات رفع اليد...
فهل من مستجيب ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.