بقلم : نواف الزرو - حقيقة المشهد السياسي اليوم في ظل حكومة نتنياهو، وبشبه الاجماع على امتداد خريطة الاحزاب والبرامج السياسية الاسرائيلية "ان "حل الدولتين" لديهم قد استنفد، وان" الدولة الفلسطينية المستقلة مستحيلة"، وان المطلوب اعتراف فلسطيني ب"يهودية اسرائيل"، وان "المدينة المقدسة يهودية موحدة عاصمة اسرائيل الى الابد"، و"ان حق العودة للاجئين ينفي وجود اسرائيل"، و"ان الانسحاب من الضفة الغربية ليس واردا في الاستراتيجية الاسرائيلية"، بينما "ان من حق اليهودي ان يستوطن في اي مكان في ارض اسرائيل"، والاهم في المشهد المتصل منذ سنوات" ان حكومة نتنياهو لن تكون سوى حكومة استيطان وازمات وحروب"، ولذلك يغدو من الجدير ان نتوقف امام الخيارات القائمة في الافق الاسرائيلي. فلم تتوقف المؤامرات والمشاريع والخطط الاسرائيلية المدعومة امريكيا في ظل مسيرة عملية المفاوضات الطويلة، عن محاولة تصفية كافة عناوين القضية الفلسطينية، وتصفية الملف الاهم والاخطر الذي يشكل جوهر القضية، ملف "حق العودة للاجئين الفلسطينيين"، فمنذ اكثر من ستة عقود وهم يسعون الى تصفية الملف عبر التوطين، وهناك عشرات مشاريع التوطين الموثقة التي منيت كلها بالفشل، وبعد ان تم تأجيل هذا الملف في اطار المفاوضات المستمرة منذ مدريد، تفتقت العقلية الصهيونية عن خطة جديدة تسعى لاستبدال الافق السياسي السيادي الاستقلالي للشعب الفلسطيني الى افق امني اقتصادي فقط، اي كأنهم يقولون للفلسطينيين: "هذا هو المتاح اليوم.. وهذا ما نعرضه عليكم ، فان اردتم ان تعيشوا فأمامكم الافق الاقتصادي المعروض والذي لن يتحسن ايضا الا بالقيام بواجباتكم الامنية ، وان لم تريدوا فتحملوا العواقب". هكذا هي الامور اليوم ايضا، حيث تلتقي العقلية الصهيونية مع العقلية البريطانية الباردة مع العقلية الامريكية الحليفة، في تبني الافق الامني - الاقتصادي للفلسطينيين، وفي العمل على تفكيك القضية وحق العودة للملايين من اللاجئين الى اجهزة امنية في خدمة اسرائيل ، والى دولارات امريكية. فاليوم، وبعد مكوكيات المبعوثين الامريكان وغيرهم، وبعد زيارة اوباما الاخيرة التي اعلن فيها "ان فلسطين هي ارض الميعاد"، يأتي وزير الخارجية الامريكي جون كيري ليطمئن الفلسطينيين والعرب بأنه سيبدأ جولات مكوكية -على الطريقة الكيسنجرية- من اجل استئناف المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية، ولكن يجب اولا العمل على بناء الثقة بين الطرفين، هذه الاسطوانة المشروخة المخبورة منذ عشرين عاما من المفاوضات، فالثقة لن تقوم ابدا ما بين لصوص التاريخ والوطن وما بين اصحاب هذا الوطن، فالنوايا المبيتة اذن وراء حكاية بناء الثقة هي تدجين وأقلمة الفلسطينيين على المطالب الاسرائيلية، وقد تفتق ذهن كيري ايضا عن "الحل السحري" الذي اطلق عليه "السلام-الافق الاقتصادي اولا"، فقال: "ان النمو الاقتصادي سيساعدنا على خلق الثقة، كانت الكثير من النوايا الطيبة في الماضي ولكن المساعي فشلت لأسباب مختلفة، كان لنا جميعا الوقت الكافي لاستخلاص الدروس كي نتقدم، ولي وللطرفين الان فروض بيتية نعدها، سأعود الى هنا بعد أن أنهي فروضي البيتية هذه". تصوروا..يأتينا كيري بعد كل هذا الزمن الطويل من المفاوضات والعذابات والاستيطان والتهويد والسطو المسلح على الوطن والتاريخ ليقول لنا ل"نبدأ بخطوات بناء الثقة"، ويقترح علينا "السلام –الافق الاقتصادي" وهو خيار رئيس وزرائهم نتنياهو كما هو معروف. وما وراء السلام الاقتصادي يبيت الاحتلال نوايا واجندات شيطانية من شأنها ان تدمر مع الزمن المستهلك المهدور كافة مقومات رحيل الاحتلال والاستقلال، وفي هذا السلام الاقتصادي، كثف المفكر والمحلل الاستراتيجي الاسرائيلي المعروف عوزي اراد في يديعوت احرونوت جوهر هذه الفلسفة قائلا: "لا يوجد في هذه اللحظة محادث مسؤول ومخول، يمكن معه البحث في التسوية الدائمة، وبعد العقم وعدم اغلاق اتفاق المبادىء ، ستكون لازمة انعطافة نحو مسار بديل، لتسويات مرحلية، يجب تصميم مبنى مرحليا، منطقه المدماك مع المدماك - واختبارها في تطبيقها، ومدماك كهذا هو المجال الاقتصادي، الذي وجد طوني بلير وبنيامين نتنياهو أن في اطاره يمكن خلق تقدم ملموس في المدى الزمني القصير، وثماره السياسية ستبث تأثيرها على السياق، وهكذا ، ينبغي أن نشخص وان نرسم مجالات الفعل السليمة، وابداء الابداعية في رسمها، كما أن المرحلية ستسمح لإسرائيل بان تعيد الى المعادلة مبدأ التبادلية، وكذا الافادة من المردودات من جانب الولاياتالمتحدة واوروبا". هكذا هو طريق السلام الذي يحمله لنا كيري، والذي كان رسمه الثنائي بلير - نتنياهو، فالسلام من وجهة نظرهم يبدأ من الامن الى الجيب ايضا، ومن قبول الامر الواقع وتحسين مستوى المعيشة، وعبر سلسلة طويلة لا حصر لها من خطوات بناء الثقة التي يجب ان ترضى عنها اسرائيل وتريحها اربعين عاما...؟!. -----------------