بين اصراره على دعوة الدول العربية الى عدم مقاطعة القمة العربية وندائه من اجل التهدئة وتحقيق وحدة الصف الفلسطيني الى جانب تغليب المصلحة اللبنانية وبين مضيه قدما في لقاء ممثلين عن حركتي «حماس» و«فتح» يكون وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف خرج عن الخط الامريكي المالوف وقطع مع اللهجة الامريكية السائدة في التعامل مع دول المنطقة بمنطق التعليمات والاوامر وتوزيع الاتهامات والادانات واسناد المكافات او العقوبات.. فعلى عكس الموقف الصادر من واشنطن للدول العربية بمقاطعة القمة العربية بدمشق جاء موقف الكرملين ليحث الاطراف المعنية على الحضور بهدف ايجاد الحلول المطلوبة لمشاكل المنطقة... دعوة من شأنها ان تثير تحفظات الادارة الامريكية التي لا يمكن ان تنظر بعين الرضا لتطورات الاحداث وهي تتابع التدخل الروسي الاستفزازي داخل حدود ملعبها السياسي في الشرق الاوسط الذي استاثرت به منذ عقود ووجدت معه الدعم الاسرائيلي المطلق.... ورغم انه سيكون من الغباء الاعتقاد لحظة واحدة بان روسيا يمكن ان تستهين بمصالحها مع اسرائيل او يمكن ان تسعى لاثارة غضب الدولة العبرية او اهتزاز مصالحها.. كما انه سيكون من البلاهة ايضا الاعتقاد بان التصريحات والكلمات مهما كان وقعها قادرة على تغيير الامر الواقع.. الا ان الحقيقة ان لافروف اختار ان يكون مختلفا في طريقته وادائه عن بقية الديبلوماسيين المتواترين على المنطقة في هذه المرحلة واكد بذلك ان للديبلوماسية شروطها وآدابها وحدودها فلم يحاول الدخول في مبارزة مفضوحة مع المستشارة الالمانية انجيلا ميركل التي تفوقت على وزيرة الخارجية الامريكية نفسها واحرجت المسؤولين الامريكيين والفرنسيين وغيرهم ايضا بتحطيمها كل الارقام القياسية المسجلة في اعلان الولاء والتاييد لاسرائيل بتلك الدرجة المفضوحة. ان في مختلف تصريحات وزير الخارجية الروسي خلال جولته في منطقة الشرق الاوسط والتي تاتي في اطار الجهود الروسية المعلنة لعقد مؤتمر حول الشرق الاوسط متابعة لمؤتمر انابوليس من شانها ان ترسخ الاعتقاد بان هناك حاجة اكيدة لاعادة توزيع الادوار وتنظيم الاوراق بما يمكن ان يضمن اعادة تحريك العملية السلمية وتوفير الظروف والاسباب والشروط المطلوبة لتحقيق التقدم المطلوب الامر الذي يقتضي بالضرورة تغييرا لا مفر منه في اطراف اللعبة التي تهيمن على قضية السلام في الشرق الاوسط، ذلك ان بقاء هذا الملف تحت سيطرة الادارة الامريكية وحدها لا يمكن ان يؤدي الى نتيجة ولا يمكن بالتالي ان يستمر الى ما لا نهاية. مؤشرات كثيرة حملتها تصريحات المسؤول الروسي هذه المرة وهي مؤشرات حرصت الادارة الامريكية على تجنبها وعدم اثارتها بل وتعمدت تجاهلها منذ بداية الازمة المتفاقمة بين حركتي «حماس» و«فتح» ابرز الفصائل على الساحة الفلسطينية. صحيح ان هذه المؤشرات لا تعني بالضرورة استفاقة الدب الروسي او عودته الى موقعه على الساحة الدولية كعنصر اساسي في اللجنة الرباعية وكشريك له مكانته في العملية السلمية وله ايضا امكانياته الخفية في الضغط على الطرف الاسرائيلي عبر آلاف المهاجرين اليهود الروس المتدفقين سنويا على اسرائيل الا ان في هذه المؤشرات ايضا ما يدعو الى التوقف عندها وذلك ليس بسبب تعارضها مع الموقف الامريكي فقط بل لاسباب اخرى لا يستهان بها، واولها اصرار موسكو على عدم قطع حبل الحوار مع دول مثل سوريا وايران وحركة «حماس» ومواصلتها السير في طريق لعبة المصالح الثنائية في تحقيق اهداف ديبلوماسية وسياسية.. وتبعا لذلك فان محطة لافروف السورية سجلت لقاءه مع خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في محاولة لرأب الصدع الفلسطيني وتجاوز الانقسامات التي ضاعفت معاناة الفلسطينيين وفاقمت اعباء الاحتلال ومخاطر الاستيطان والتهويد وحملات القصف والاعتداء والاغتيالات والاسر.. من جانب اخر فقد بدا لافروف حريصا في جولته على عدم تغليب طرف على الاخر ولم يسع لتحميل المسؤولية لطرف دون آخر في مختلف احداث الشرق الاوسط، كما اعتبر ان حل الازمة اللبنانية مفتاحه الحوار بين اللبنانيين انفسهم من اجل مصلحة كل اللبنانيين.. فقد اعتبر ان اعادة الوحدة لفلسطينية شرط ضروري لايجاد حل للقضية الفلسطينية واقامة الدولة الفلسطينية.. لافروف وزير الخارجية الروسي لم يوجه تهديدات ولا تحذيرات الى أي كان.. رسالته كانت على درجة من الاعتدال والوضوح ولم تختلف في ثناياها عما يمكن ان يتردد في مختلف الاوساط الرسمية والشعبية العربية وفي كواليس اغلب مكاتب وزراء الخارجية العرب التي عجزت حتى الان عن تقدم مبادرة جدية تذكر قادرة على جمع صفوف الفلسطينين وتجاوز الخلافات العميقة بينهم تمهيدا لاعادة ترتيب البيت الذي يوشك على السقوط على راس الجميع... ولعل الاهم ما دعا اليه لافروف من ضرورة تفعيل مسار السلام استنادا الى الشرعية الدولية وقرارات مجلس الامن الدولي الذي يبقى العنوان الاقدر والافضل على مواجهة استحقاقات العملية السلمية وضمان تحقيق سلام اقرب الى العدالة، ولكن يبقى من غير المتوقع ان تجد هذه الدعوة صدى يذكر لدى واشنطن وتل ابيب التين تصران على استبعاد الاممالمتحدة او أي طرف يمكن ان يتحلى بالنزاهة والموضوعية في حل القضية الفلسطينية.. صوت لافروف قد لا يكون اكثر من حدث عابر قد يثير اهتمام وسائل الاعلام ذلك ان المصالحة الفلسطينية كما المصالحة اللبنانية والمصالحة العربية في القمة المرتقبة هدف لا يخدم مصالح اسرائيل التي ستسعى على الارجح وكما دابت خلال مختلف القمم السابقة الى توجيه رسالة خاصة جدا من جانبها الى الجامعة العربية في موعدها السنوي..