تبدا وزيرة الخارجية الامريكية كونداليزا رايس خلال الساعات القادمة جولة جديدة في منطقة الشرق الاوسط وهي بالتاكيد ستكون جولة مختلفة عن سابقاتها باعتبار توقيتها وملابساتها، فقد اختارت المسؤولة الامريكية ان تتزامن زيارتها مع موعد القمة العربية المنعقدة في العاصمة السورية دمشق، مع كل ما يمكن ان يعنيه ذلك من اشارات قد لا تخفى على مراقب.. ولا شك ان للوزيرة الامريكية حساباتها واهدافها من وراء هذه الزيارة، فهي بالتاكيد لم تأت محملة برسالة تعلن نهاية مرحلة بناء وتوسيع المستوطنات، ولا هي تحمل اعلانا بموعد اقامة الدولة الفلسطينية او دعوة صريحة للمصالحة الفلسطينية، ولا ايذانا بجدول للانسحاب من العراق.. ولكن الارجح ان رسالة المسؤولة الامريكية تحمل المزيد من الاحراجات والضغوطات للجانب الفلسطيني الذي قد يجد نفسه مضطرا لاعادة ترتيب حساباته واولوياته بشان مشاركته في هذه القمة المثيرة للجدل وموقفه من مبادرة صنعاء لاعادة ترتيب البيت الفلسطيني الآيل الى الانهيار.. لقد تكررت على مدى الاشهر الماضية زيارات وزيرة الخارجية الامريكية كونداليزا رايس الى الشرق الاوسط حتى انها باتت لا تكاد تغيب الا لتعود مجددا، ولو ان النتائج كانت تقاس بعدد الزيارات التي قامت بها لكانت المسؤولة الامريكية تفوقت على نظرائها من المسؤولين الغربيين المتوافدين على المنطقة، الا ان الواقع ان المتامل في حصيلة زيارات رايس الى المنطقة من شانه ان يدرك انها ابعد من ان تكون لها نتائج ميدانية ايجابية تذكر في اعادة دفع العملية السلمية او في تحسين ظروف عيش الفلسطينيين المحاصرين في غزة، او في تجنيب المنطقة المزيد من الويلات والكوارث. اذ باستثناء رسالة الدعم المطلق لضمان امن اسرائيل التي ما انفكت رايس ترددها في كل مرة، فان الزيارات المتواترة للمسؤولة الامريكية تبقى فارغة من أية اهداف استراتيجية يمكن ان تؤشر الى ارادة حقيقية لدى الادارة الامريكية لتنفيذ الوعود التي طالما شدد عليها الرئيس الامريكي في مختلف خطاباته بشان تاييده قيام دولة فلسطينية تعيش جنبا الى جنب مع اسرائيل، حيث بات يتضح وفي كل مرة ان تسويق الوعود الجوفاء بات مرادفا للجهود الديبلوماسية الامريكية في المنطقة في هذه المرحلة المتبقية من عمر الادارة الامريكية قبل انتهاء موسم الانتخابات الرئاسية ودخول مرحلة استبدال المناصب والمسؤوليات. والامر لا يتعلق بالاحداث المؤلمة في الاراضي الفلسطينية المحتلة ولا بتهديدات اولمرت فحسب، بل ان الامر يتجاوز ذلك بما ينذر بتفاقم الوضع، ولعل في المشهد القادم من البصرة الغارقة في دماء ابنائها وبين دعوة الرئيس الامريكي ايران لاستخدام نفوذها والتدخل لوضع حد للاقتتال بين قوات جيش المهدي وبين القوات العراقية والامريكية ما يعزز الاعتقاد بان الادارة الامريكية التي جعلت من نفسها شرطي المنطقة قد دخلت في مرحلة ديبلوماسية وقت الفراغ واللعب في الوقت الضائع في انتظار التخلص من اعباء المهمة وتحميلها الى الادارة القادمة.. ان تحميل مسؤولية الاحداث الخطيرة التي تعيش على وقعها المنطقة لا يعني باي حال من الاحوال تبرئة ساحة بقية الاطراف المعنية ولا نفي نصيبها في المسؤولية، ولا شك ان الانفراج المطلوب لقضايا المنطقة المتفاقمة لا يمكن ان يتحقق بدون تغيير عقليات الاطراف المعنية التي سادت طوال اجيال، ولا دون تحملها مسؤولياتها كاملة في مواجهة ما بلغته الاوضاع في المنطقة من خطورة وبدون تطبيق كامل لنظرية المؤامرة التي وان كانت حقيقة لا مجال لانكارها فانها لا يمكن ان تبقى شماعة لكل قضايا المنطقة ولكل ما تواجهه شعوبها من تحديات ومخاطر.. لقد اصبح لزاما عشية انعقاد القمة العربية العشرين على الدول العربية ان تطرح كل الاقنعة التي ظلت تتخفى حولها وان تسعى لحل مشاكلها وعدم البحث عن سبل تصديرها الى الخارج والتنصل من تبعاتها.