لعله من الصعب جدا التعرف الى مجتمع كامل والاقتراب من خصوصياته والانصات الى أصواته الكثيرة والمختلفة كافة في أيام معدودة ودفعة واحدة. ان هذه الصعوبة واجهتها مع المجتمع الكويتي الذي زرته مؤخرا لأول مرة في إطار دعوة رسمية، شملت وفدا نسائيا ثقافيا تونسيا ولكن مع تتالي اللقاءات، ادركت أن المرأة الكويتية مفتاح سحري يمكن ماسكه من قطع أشواط متقدمة في معرفة المجتمع الكويتي وكيفية تقسيم الأدوار داخله والمسار التاريخي والسوسيولوجي والسوسيوثقافي للفعل الاجتماعي فيه. طبعا التقيت في مهرجانات عربية وأوروبية بمبدعات كويتيات على غرار الكاتبة المتمردة ليلى العثمان وفاطمة العلي العريقة في رحلتها مع القلم والأديبة أمل عبد الله دون أن انسى الفنانة التشكيلية ثريا البقصمي التي أهدتني صورة غلاف مجموعتي الشعرية الثانية «خجل الياقوت» أو الشاعرة صاحبة القصائد العذبة سعدية المفرح رئيسة قسم جريدة «القبس» الكويتية.. ولكن حتى هذه المعرفة الأديبة كانت غير كافية لتكوين صورة قريبة من الصورة الواقعية المتعددة للمرأة الكويتية والملتقطة لها من أكثر من زاوية. لا شك أن المسلسلات التي كانت تعرضها التلفزيونات العربية في السبعينيات لكل من حياة الفهد وسعاد عبد الله والتي شاهدتها وأنا طفلة في نهاية السبعينات قد شكلت في حد ذاتها مؤشرات مهمة تفيد بأن دور المرأة في الكويت يمتلك خصوصيات مختلفة مقارنة بأدوار المرأة في بقية دول الخليج العربي رغم ان الفضاء السوسيوثقافي والتاريخي والديني هو نفسه. فليس من الصدفة ان يخوض المجتمع الكويتي معركة التنمية والتحديث مبكرا والاقبال على محو الامية وفتح المدارس في بداية الستينيات. لقد علمنا التاريخ ان الصدفة لا معنى لها في تدفقه وليست قانونا يحكم حركته. لذلك فان الاحتكاك بالنخبة النسائية الثقافية والناشطة سياسيا، شرط فهم المجتمع الكويتي ووضع خصوصياته في سياقها وفي نصابها، باعتبار أن الفهم هو هدف كل عين تتأمل فعلا او ظاهرة من زاوية سوسيولوجية، كما ذهب الى ذلك عالم الاجتماع ماكس قيبر. وفي هذا الصدد وُضع للوفد النسائي التونسي برنامجا يتضمن عدة لقاءات مع عناصر بارزة ثقافيا وسياسيا ونذكر من هذه الوجوه رئيسة الجمعية الثقافية النسائية السيدة شيخة النصف ومديرة ادارة العلاقات العامة والتسويق السيدة هدى الصالح ومديرة معهد المرأة للتنمية والتدريب الاستاذة المحامية كوثر الجوعان والأستاذة عايشة رشيد رئيسة مجلس ادارة مؤسسة أداء برلماني متميز. ولعل القاسم المشترك بين كافة هذه الاسماء هو انه يمثلن شعلة من الحماسة والطموح والارادة وهذه الشعلة ليست حديثة العهد، بل انها تعود الى ما يسمى في الكويت بزمن الغوص عندما كان الرجال في الكويت يتركون عائلاتهم ويتوجهون في رحلة صيد تدوم ستة اشهر. وتلك الوضعية هي التي جعلت المرأة تتبوأ مكانة مركزية في صلب العائلة ذلك انها كانت في فترة غياب الرجل تتولى مهمة تسيير البيت من الألف الى الياء الشيء الذي مكنها من ان تكون صاحبة دور في العائلة وبالتالي في المجتمع. وفي هذا السياق تقول رئيسة الجمعية الثقافية النسائية السيدة شيخة النصف ان المرأة في الكويت كشفت دائما انها على قدر من المسؤولية منذ زمن الغوص وتمكنت من أن تحقق انجازات وتبني اجيالا رغم كل الصعوبات التي كانت تعترض طريقها. اذن دور المرأة الكويتية في زمن الغوص هو الذي اكسبها ميزة وخصائص استثنائية وجعلها ذات طموح سياسي وحرص على الدخول في مجلس الامة دون اكتراث بالفشل الذي لحق بالمترشحات في الانتخابات السابقة خصوصا ان الفرصة قد تجددت مع قرار حل مجلس الامة مؤخرا وتنظيم الانتخابات في شهر ماي القادم. وحول المشاركة السياسية للمرأة الكويتية من خلال الدخول في مجلس الامة تقول السيدة شيخة النصف انه رغم تعيين 4 وزيرات وعدد من وكيلات الوزارات والمساعدات في السنوات الاربع الأخيرة فان المرأة الكويتية تطمح الى المزيد في خصوص تفعيل دورها وتثبيته. وبنفس الاصرار تتمسك الناشطة السياسية عايشة الرشيد وتعتبر أن المرأة الكويتية لم تنجح في الانتخابات السابقة لكنها نجحت بامتياز مع مرتبة الشرف بالعملية الانتخابية والبرلمانية. والنشاط السياسي قد تزامن مع بقية الانشطة الاخرى وهو ما يعني ان هناك علاقة ترابطية وعضوية وجدلية بين الحقول الثقافية والسياسية والاقتصادية فمع ظهور المرأة الرمز في النشاط السياسي نورية السداني ظهرت كل من سعاد الصّباح في الشعر وليلى العثمان في الرواية وفاطمة العلي في القصة وحياة الفهد وسعاد عبد الله في الفن.بل ان حتى النشاط الجمعياتي النسوي يمتاز بالعراقة في الكويت. فالجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية قد تأسست في 1963 ولعبت دورا في دعم مسيرة العمل التطوعي، هادفة الى زيادة الوعي والادراك العام لدى المرأة الكويتية بكل ما يهمها من نواحي ثقافية واجتماعية واقتصادية وقانونية. لذلك وخصوصا بعد الانصات الى الكيفية التي اجتازت بها المرأة الكويتية في زمن الغوص الامتحان الصعب، فاننا لا نفهم حرصها على الدور السياسي فقط، بل اننا نتوقع بيقين عال دخولها الى مجلس الامة ان قصر الزمن او طال.