نواف الزرو العدوان الجوي الاسرائيلي على سوريا ليس الاول ولن يكون الاخير، فهو يأتي في ظل حملة امريكية-اسرائيلية-تركية-عربية مشتركة على سوريا، حملة مخططة مبيتة مرعبة اخذت تتصاعد في الآونة الاخيرة الى درجة «التوتر العالي»، لم تأت هكذا مفاجئة او ردة فعل على عدوان سوري مثلا، وانما في الحقيقة على خلفية اجندة مبيتة وخريطة طريق عدوانية خاصة بسوريا، تقوم الادارتان الامريكية والاسرائيلية بسحبها من الجار وبصورة عاجلة، والواضح ان هذه الحملة المكثفة المحمومة التي ترتقي الى مستوى تحويل سوريا الى دولة «مشتبهة نوويا وكيماويا» انما تؤشر الى حقيقة النوايا العدوانية المبيتة لديهم ضد سوريا الدولة والوطن والتاريخ والدور والوزن والتأثير، وبصفتها آخر الدول العربية القوية التي من شأنها ان تهدد وجود»اسرائيل» كما قال بن غوريون منذ مطلع الخمسينيات وهي: مصر والعراق وسوريا، فهذه الماكينة الاعلامية الامريكية –الاسرائيلية المشتركة التي تعمل بكامل طاقتها واذرعها الأخطبوطية في التحريض ضد سوريا وكيل «الاتهامات النووية والكيماوية» لها، انما تعني على الاغلب ان الملف السوري دخل عمليا غرفة العمليات الحربية العدوانية المشتركة ما بين الدولتين، والمؤشرات على ذلك كثيرة واسعة متزايدة، اما العرب فما عليهم الا ان يوفروا المال والمظلة والذرائع...؟! لقد غدت سوريا بموجب هذه الاتهامات وغيرها الكثير دولة «مشتبهة نوويا وكيماويا»، ما يستدعي من وجهة نظر امريكية –اسرائيلية اعادة انتاج الملف السوري وتأجيج الحملة الاعلامية التحريضية الحربية ضد سوريا، فبالاصل وبهدف تصعيد وتأجيج الحملات الاعلامية والسياسية والدبلوماسية التحريضية العدوانية لتهيئة المناخات الاقليمية والدولية ضد سوريا، كما حدث مع العراق قبيل العدوان والغزو، أعدت «اسرائيل» مشروع مواجهتها مع سوريا منذ زمن طويل الذي تكثف في لائحة تحريضية قدمتها «اسرائيل» للادارة الامريكية و تضمنت اتهامات وخططاً نفذت «إسرائيل «بالفعل بعضها في السنوات الاخيرة منذ بدأت واشنطن ما يوصف بحربها على»الارهاب»، وقد اعدت تلك اللائحة بعناية، ونفذتها إسرائيل بدعم من اصدقائها في واشنطن، الرسميين وغير الرسميين وذلك بغية الوصول للحظة المناسبة صهيونيا لتدمير سوريا وتغيير النظام السوري. وكان باتريك سيل قد اكد مبكرا جدا في واحدة من أهم مقالاته حول التهديدات الامريكية – الإسرائيلية المبكرة لسوريا: « لا شك ان إسرائيل سعيدة جداً، اذ ترى القوات الاميركية تسيطر على العراق من خلال المستقبل المنظور ، ذلك ان مجرد حضورها يشكل ضغطاً قوياً على سوريا، وتأمل إسرائيل في كسر المحور السوري – الايراني وحرمان « حزب الله» في لبنان وتنظيمات المقاومة الفلسطينية من الدعم الذي تحصل عليه من قبل هاتين الدولتين»، مضيفا:» ومن المهم ان ندرك بان شارون-في عهده- وصحبه من المتطرفين ، تدعمهم شلة الاصدقاء الاقوياء في ادارة بوش، قد رفضوا أي حل للنزاع العربي – الإسرائيلي قائم على مبدأ الأرض مقابل السلام وعلى المصالحة، انهم يؤمنون بالقوة وبالاجتياح والهيمنة ، فامالهم هي في ان تكون امبراطورية إسرائيل الصغيرة مزدهرة تحت مظلة امبراطورية اميركا الشاملة». ولذلك وعلى هذه الأرضية والاهداف: ف»ما كادت الحرب ضد العراق تنتهي، وعلى رغم عدم استتباب الامن في هذا البلد البائس حتى اصبحت سوريا فجأة هدفاً لحملة سيكولوجية عنيفة وتهديدات صريحة من جانب الولاياتالمتحدة وإسرائيل معاً، وقد جرى نبش كل الاتهامات التي وظفت ضد العراق، اضافة الى اتهامات جديدة بان سوريا ترعى الارهاب وانها دولة مارقة تتبني المجموعات الفلسطينية المتطرفة التي تعارض السلام مع إسرائيل، وبان لديها اسلحة دمار شامل، وبان قواتها في لبنان هي قوات احتلال، وبانها سمحت لبعض شخصيات نظام صدام حسين باللجوء الى سوريا، وبانها ارسلت رجالاً وسلاحاً لمقاومة القوات الامريكية في العراق، وبان اسلحة الدمار الشامل العراقية جرى تهريبها الى سورية، الى اخر ما هنالك من اتهمات». ف»اسرائيل» هي»الحقيقة الكبرى» وراء كل الاحداث هنا، وهي الغائب الحاضر استراتيجيا وعمليا في الجوهر والمضامين والتداعيات المحتملة والمخططة المبيتة، سواء وراء «اغتيال الرئيس الحريري» أو وراء «تقريري ميليس ولارسن»، او وراء الحملة الشيطانية ضد حزب الله، او حتى وراء ما هو آت من حملات واجراءات تحريضية تعبوية تأجيجية عدوانية محتملة في المستقبل القريب او البعيد ضد سوريا. فالقصة في خلفياتها الاستراتيجية على تماس مباشر بالمشروع الاستعماري الامريكي الجديد الذى روج له وعرف ب»مشروع اعادة تشكيل الشرق الاوسط»، والقصة كلها من بداياتها الى ذروتها الراهنة هي قصة «اسرائيل» التي تحتل قمة الاجندة السياسية الامريكية في المنطقة العربية والشرق اوسطية، والمطلوب الكبير... الكبير وفقا لهذه الاجندة «النيل من الملفات العربية الكبرى الثلاثة وهي: الفلسطيني والعراقي والسوري-اللبناني المشترك... والمطلوب الكبير... الكبير: تفكيك هذه الملفات واعادة تركيبها على الطريقة الاسرائيلية ووفقا للاجندة السياسية والاستراتيجية الصهيونية. لقد اصبح واضحا بصورة سافرة صارخة، أن الاحداث والتطورات الجارية في سوريا لم تكذب خبراً أو تحليلاً أو وثيقة كشف النقاب عنها في هذا الصدد... ما يشير الى ان ما هو آت سيكون اشد وطأة ورعباً وكارثية على سوريا ولبنان والأمة، اذا لم تستيقظ وتنتفض الامة من سباتها قبل ان يفوت الاوان...؟!! (*) كاتب صحفي وباحث خبير في شؤون الصراع العربي–الصهيوني