القاهرة خاص الشروق احمد الدسوقي: اكثر من رسالة حملها استلام كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية لمهام عملها رسميا الخميس الماضي وقيامها بجولة في الشرق الاوسط اعتبارا من اليوم ويتعدى ذلك كونها اول سيدة سوداء تتولى هذا المنصب الامريكي، ولكن ما يحمله وجودها في هذا المنصب الرفيع من نذر شؤم وعلامات خطر بوجود تغييرات سلبية في السياسة الخارجية نحو المنطقة العربية، وخاصة ما يتعلق بالقضيتين الفلسطينية والعراقية، والمشروع الامريكي للسيطرة على العالم العربي وتمكين اسرائيل من قيادة المنطقة! حذر خبراء العلوم السياسية والاستراتيجية في عبارات قاطعة من التطورات المتوقعة خلال الفترة القادمة، واوضحوا انه بوجود «رايس» في ذلك المنصب فقد أحكم المحافظون الجدد سيطرتهم على الادارة الامريكية، وتزايد احتمالات التشدد الامريكي مع العالم العربي وارتفاع حدة الموالاة لاسرائيل، كما اكدوا ان الدولة الفلسطينية التي يتحدث عنها بوش ليست سوى وهم هدفه خداع العرب، وستكون اسرائيل اكثر المستفيدين من هذه الادارة الامريكية. ويفتح تولي رايس مقاليد الامور في الخارجية الامريكية الباب امام سيناريوهات مخيفة للتعامل مع أزمات ايران وكوريا الشمالية. في حين كان سلفها باول اشد المسؤولين الامريكيين حماسا للتعاون الامريكي الاوروبي من اجل تسوية أزمة الملف النووي الايراني بالطرق الديبلوماسية. كما كان اشدهم حماسا للتسوية الديبلوماسية لازمة البرنامج النووي الكوري الشمالي. ورغم ان رايس كانت تساند كولن باول احيانا في مواجهة نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد فانها في اغلب الاحيان لم تكن تفعل ذلك وانما كانت تسمح لتشيني ورامسفيلد بالتأثير على الرئيس في العديد من القضايا... كما ان رايس تعرف تماما طريقة تفكير بوش واهدافه الخارجية للعمل من اجل تنفيذها. يقول جاري شميدت مدير مركز ابحاث القرن الامريكي الجديد وهو احد اهم مراكز ابحاث تيار المحافظين الجدد في امريكا كونداليزا تعرف تماما ما يريد الرئيس انجازه وتوافق عليه. منعطف يميني ومن جانبه يؤكد الدكتور حسن نافعة رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة ان الخارجية الامريكية ستزداد بعد تولي رايس توغلا في المنعطف اليميني مشيرا الى ان القاسم الوحيد المشترك ين باول وكونداليزا مقصور على لون البشرة فقط حيث كان كولن باول هو أول رجل اسود يشغل منصبا على درجة من الاهمية في الادارة الامريكية وجاءت كونداليزا لتصبح بدورها المرأة السوداء الاولى التي ستشغل هذا المنصب ولكنها السيدة الثانية بعد مادلين اولبرايت في فترة ولاية بيل كلينتون، وفيما عدا ذلك فتختلف رايس تماما عن باول الذي عرف بانتسابه الى حزب الحمائم في حين عرفت الثانية بانتمائها الى المحافظين وولائها الشديد للرئيس بوش... وعلى الرغم من ماضيه العسكري يمتلك كولن باول الحد الادنى من القدرة الديبلوماسية في التعاطي مع الملفات الدولية الساخنة ولو أن حرب العراق تبقى الثغرة البارزة التي لم يقنع باول في تبريرها. كما يؤكد انه بهذه الخطوة تكتمل سيطرة المحافظين المتشددين داخل الادارة الامريكية واضفاء الطابع اليميني على السياسة الخارجية خصوصا وأن رايس تعتبر احدى الرؤوس اليانعة لليمين المتطرف واول المقربين من الرئيس بوش لذا فانه ليس من المتوقع ان تطرح السياسة الخارجية الامريكية الجديد في سلوكها وعمليا ستكون كونداليزا رايس المرآة العاكسة للوجه اليميني للادارة الامريكية خاصة، مشيرا الى أن كونداليزا رايس رغم انها شخصية مميزة وقوية لكنها ضعيفة امام ولائها لبوش، خاصة وان سلفها باول على العكس منها تماما فلم يسبق ان حصل وزير خارجية امريكي، على هذا القدر من الثناء في انحاء العالم، بعيد استقالته وهو ما يعكس الى حد كبير، ليس فقط، حجم الاحترام لشخصية كولن باول الفريدة من نوعها في السياسة الامريكية، بل الخشية على المستوى الامريكي الداخلي وعلى المستوى العالمي من غياب الصوت المعتدل عن فريق السياسة الخارجية في الفترة الرئاسية الثانية للرئيس جورج بوش مع تولي رايس الخارجية الامريكية. وحول المقارنة بين السياسة الخارجية لباول والوزيرة الجديدة يرى الدكتور السيد عليوه رئيس قسم العلوم السياسية جامعة حلوان ان باول شعر بعد الانتخابات الرئاسية انه بات شخصا غير مرغوب به، في الادارة او على الاقل كان من الطبيعي ان يلتمس الثقة مجددا من الرئيس بوش الا انه وبمجرد التلويح بالاستقالة بادر بوش الى الترحيب بها وحتى بعد اعلانها فان بوش رد على عرض باول بانه مستعد لتولي الامور حتى اختيار بديل له بالاسراع باختيار بديل هو مستشارة الامن القومي كونداليزا رايس، التي تمثل الطرف النقيض لباول في طاقم الادارة الامريكية. ويضيف بأن الاختلاف واضح بين الاثنين ففي حين يفضل باول سياسة التحضير المتأني وسياسة حشد التأييد الخارجي الواسع لدعم الخطوات والقرارات في السياسة الدولية فإن رايس تفضل المباشرة باتخاذ القرارات والسياسات ومن ثم جر العالم وراء السياسات الامريكية لذا فإن وجود رايس في الخارجية الامريكية يعني هزيمة فعلية لسياسات باول وانتصارا لليمين المتطرف في الادارة، خصوصا للتيار الذي يطلق عليه اسم «اليمين المحافظ». رايس وكيسنجر ويؤكد استاذ العلوم السياسية ان الأمر الاهم بالنسبة الى بوش في وجود رايس بالخارجية ليس فقط استعادة الانسجام داخل ادارته، وهو امر ضروري للغاية لتحقيق انجازات محددة في الولاية الرئاسية الثانية، بل ايضا الحصول على وزير خارجية مطواع تماما، بما يتناسب مع توجهات الرئيس الامريكي خاصة وان «كونداليزا رايس» قد نجحت في اقامة علاقة عمل قوية ووثيقة مع الرئيس بوش، الى درجة انه بات يقال انها الوحيدة التي تعرف ماذا يريد الرئيس حتى قبل ان ينبس ببنت شفه وامضت السنوات الاربع الاخيرة في مكتب محاذ لمكتبه في البيت الابيض. ويشير الدكتور عليوه الى انها تعد وزير الخارجية الوحيد بعد «هنري كيسنجر» التي شغلت منصب مستشار الامن القومي لاربع سنوات ثم تولت وزارة الخارجية، منذ انشاء مجلس الامن القومي في عام 1947، ويشير الي ما قالته مبدية الاعجاب الشديد الذي تكنه رايس للرئيس بوش عند مخاطبته لدى اعلان اختيارها وزيرة للخارجية ويقول ان ذلك يعكس التقارب الشديد مع بوش، كما يعكس رغبته في الانفراد بقرار السياسة الخارجية في المرحلة المقبلة، وبصورة يمكن وصفها «الديكتاتورية». وهو أمر كان ضروريا له لتنفيذ البرنامج المقبل له والذي يتضمن خططا لاخضاع من تبقى من «محور الشر» المزعوم، اي ايران وكوريا الشمالية والدولة التي يدعي انها مارقة مثل سوريا، بالاضافة لاعادة ترتيب الاوراق في الشرق الاوسط وخصوصا القضية الفلسطينية وفقا للمشروع الذي تخطط له ادارته المحافظة. كما يؤكد عادل فؤاد الخبير الاستراتيجي ان وجود رايس يعني التركيز على نقطة الحرب على الارهاب ويعني اختيار هادلي الخبير في شؤون الصراع العربي الاسرائيلي التركيز على نقطة القضية الفلسطينية وهو ما يؤكد تصريحات بوش لدى اعلانه اختيا رايس وزيرة للخارجية بأن الشرق الاوسط والحرب على الارهاب سيكونان على رأس اهتماماته في الولاية الثانية خاصة وان الفشل في الشرق الاوسط كان من ابرز الانتكاسات بالنسبة الى باول في فترة توليه وزارة الخارجية برغم الجهد الكبير الذي بذله بالنسبة الى وضع خارطة الطريق. وذلك من اجل تحقيق ما يسمى برؤية بوش بشأن دولتين فلسطينية واسرائيلية حيث أوقفت احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 التحرك الديبلوماسي في هذا الاتجاه... وبدلا من التركيز على حل القضية الفلسطينية انتقل التركيز الى العراق وما يسمى الحرب على الارهاب في انتصار واضح للمحافظين الجدد ولنهج تشيني ورامسفيلد في السياسة الخارجية.