أريد بادئ ذي بدء أن أشكر صحيفة «الصباح» (الصحيفة ذات التاريخ) على نشر القراءة النقدية التي قدمتها آمال موسى لكتاب المفكر اللبناني حسن عجمي «السوبر تخلف». القضية أساسية وقد لا تكون تخلو الكتابات اليومية الاسبوعية والشهرية من أطروحات في هذا الموضوع الحياتي والخطير بالنسبة للعرب والمسلمين بصفة أعم إن زلزال الحادي عشر من سبتمبر وحرب العراق كانا لهما الوقع الذي نلحظه اليوم في العالم بأسره على مستوى الممارسة السياسية وكذلك على مستوى الفكر. إن التفكر في حاضرنا أساسي لبناء مستقبل أفضل، والقضية المطروحة تتلخص في سؤال واحد: أي مستقبل؟ يقول الزميل اللبناني: في العلم! وهنا أبدي موافقتي المبدئية والتامة اذ لامناص من التشبع بالمعرفة وممارستها في كل ميادين الحياة وترسيخها على كل المستويات من أجل النهوض الفعلي وقد قدمت ماليزيا مثالا للنجاحات الباهرة في هذا الاتجاه. بكل وضوح وبساطة أنا لا أوافق الطرح الذي يقدمه الصديق عجمي للوضعية الحالية للمعرفة والأدب في العالم العربي. نحن لا نسرق علما ويا ليتنا نسرق علما كما قامت بها شعوب وتقوم به اليوم أمثال اليابان والصين مثلا. فالقضية قضية وجود وقضية حياة أو موت، ونحن نريد حياة. العلم والمعرفة لا يعترفان بفئة ولا ببلد ولا بدين فهم ملك من يمسارهم ومن يكرس نتائجهم من أجل المصلحة والخير. صحيح أننا اليوم في حالة بناء صعب لاعتبارات تاريخية وسياسية ونفسانية ومن واجبنا أن نأخذ بنواصي العلم أيا كان منبعه وأيا كان منتجه. علينا أن نتعلم وأن نعلم وأن نبدع. وهذا حق مشروع لكل الشعوب وإن كنا اليوم في وضعية مخاض فكري فهذا مدعاة للتفاؤل والاستبشار. الغرب ترجم العلوم عن الاغريق والروم والعرب وفهمها وأضاف وأبدع فيها وعقول العرب قادرة اليوم على المساهمة والعبقرية والانتاج الفاعل. ولا يجب علينا استعمال الكلمات الرنانة الكبيرة لرزع الاحباط وعقلية الدون والهزيمة. وإن العمل الجبار الذي يقوم به آلاف المدرسين والباحثين في العالم العربي لا بد أن يأتي أكله. القضية قضية وقت وصبر ومثابرة وبناء وإيمان. (نوبل للكيمياء والسلم عرب وعبد السلام والباكستاني أحد ألمع الباحثين في العالم في ميدان الفيزياء النووية). أما أننا «اتعبنا ليه» فالله أعلم بذلك وهو على كل حال لا يريد بنا إلا خيرا والمسألة تخص بالاحرى الأرض والحياة وضرورة العمل. إن فلسفة احتقار الذات والسلبية والعويل لا تمثل الطريق نحو البناء والاختيار الديناميكي المتفائل هو مفتاح المرحلة الراهنة. لا يجوز في أي حال أن نبني على الحطام وأن نعود الى الصفر. إن العقلانية الحديثة (التي قادها هيغل) تعتمد مبدأ التراكم وتحسين ما هو موجود وتثمين ما انجز والنظر ايجابيا الى الامام. فمن هذه الوجهة الهامة للنظر، أقف موقفا نقيضا تماما لمحدثنا. أما عن «إن العرب سرقوا الأدب وأنتجوا قلة أدب» فهذه قسوة لاحاجة لنا بها اليوم. إن الثقافة العربية تعيش اليوم حالة غليان ايجابية، فلمَ ننس مثلا أن نوبل للأدب تحصل عليها عربي منذ بضع سنوات. ولمَ نتهم اللامع المجدد الصادق الذي خدم بقلمه القضية الفلسطينية محمود درويش أيما خدمة «بغياب الصدق»؟ رجاء! لا تمسوا درويش فهو رمز الذكاء المعاصر والمعاناة والمحبة الايجابية الجارفة. لا ان القساوة التي ينظر بها الأخ عجمي لانتاجنا وحالنا لمن دواعي الاحباط والقنوط. فهل نقف نبكي على الاطلال ام نعمل ونبدع وندعم الموجود؟ التمشي الضروري مخالفا تماما لما يقترحه الكاتب. تقدير مساو للحجم الحقيقي لما يحقق وبحث دائم عن امكانيات التحسين وبلوغ الامتياز كل في ميدان النشاط الحياتي. نحن بحاجة للأمل والى مزيد العمل والى تثمين النجاح في عصر صعب يستدعي التفكير العميق والتحليل المستقبلي لأنه لا بد لنا من مكان في القرية العالمية التي تتبلور اليوم ملامحها. فالنقد بناء أو لا نفع فيه.