«تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم» (آل عمران آية 64) «كلمة التقوى» (الفتح آية 26) «كلمة طيبة» (ابراهيم آية 24) «كلمة الفصل» (الشورى آية 21) «كلمة باقية» (الزخرف آية 28) ولتكن «كلمة الله هي العليا» (التوبة آية 40) لان «كلمات ربك صدقا وعدلا» (الانعام اية 115) أيها الناس ان الكلمة هي اللفظ المفرد الدال على معنى، والكلام هو اللفظ المركب المفيد الدال على معنى يحسن السكوت عليه، فشرط الكلام الافادة. وان كلام الله لا يحد ولا يعد، وهو غير مخلوق، وفي الحديث «أعوذ بكلمات الله التامات» قيل هي القرآن قال ابن سيده: «الكلام القول معروف» وقيل «الكلام ما كان مكتفيا بنفسه وهو الجملة، والقول ما لم يكن مكتفيا بنفسه، وهو الجزء من الجملة قال سيبويه: «اعلم ان قلت انما وقعت في الكلام على ان يحكى بها ما كان كلاما لا قولا، ومن أدل الدليل على الفرق بين الكلام والقول اجماع الناس على ان يقولوا القرآن كلام الله ولا يقولوا القرآن قول الله، وذلك ان هذا موضع ضيق متحجر لا يمكن تحريفه ولا يسوغ تبديل شيء من حروفه، فعبر لذلك عنه بالكلام الذي لا يكون الا أصواتا تامة مفيدة» وقيل «الكلمة» بكسر الكاف ومسكون اللاعم، لغة تميمية، والكلمة بفتح الكاف وكسر اللام تعني اللفظة وهي حجازية وجمعها كلم قال ثعلب «وقوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات» (البقرة آية 37) قال أبو اسحاق: «الكلمات، والله اعلم اعتراف آدم وحواء بالذنب لانهما قالا ربنا ظلمنا انفسنا» (الاعراف اية 23) (انظر المعجم) فيا أهل عصر العلم الذي شاع وتقدم، واحدث، وجدد وكشف الغطاء عن الخفي، هل يجوز لكم اليوم بعد ان «تبين الرشد من الغي» (البقرة آية 256) ان «تكتموا الحق وانتم تعلمون» (البقرة آية 42) وتفقهون بكامل الوضوح، وأبسط البيان والتبين قول خالقكم رب العالمين «قل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا» (الاسراء آية 81)؟ كفوا ألسنتكم عن التخريف والانحراف يا من قست قلوبكم وملتم الى الذين «يحرفون الكلم عن مواضعه» (المائدة آية 13) «الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم اخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه» (المائدة آية 41) تثبتوا ولا تسارعوا، رب عجلة تلقي بكم في التهلكة، اقصروا ألسنتكم على الخير، واخروا الغضب، جازوا بالحسنة ولا تكافئوا بالسيئة، قال النعمان ابن خميصة البارقي الى اكثم بن صيفي «من لم يكن له من نفسه زاجر لم يكن له من غيره واعظ وتمكن منه عدوه على أسوإ عمله» ومن وصايا اكتم بن صيفي الى طيء «لن يهلك امرؤ عرف قدره، والعدم عدم العقل، لا عدم المال» و»بعض الكلام أقطع من الحسام» و»أوثق العرى كلمة التقوى» وفي الحديث النبوي «كلام في المسجد لغو الا القرآن، وذكر الله، ومسألة عن خير او اعطائه» روي عن ابي هريرة ومن أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام «أفضل الكلام: سبحان الله، والحمد لله ولا اله الا الله، والله أكبر، روي عن سمرة بن جندب وفي حديث ابي هريرة «فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الرحمان على سائر خلقه» قال الله تعالى «وهدوا الى الطيب من القول» (الحج آية 24) وادخلوا السرور على من تخاطبونه ليطمئن قلبه، وينشرح صدره. قيل «إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب» وقال الجاحظ «احسن الكلام ما أغنى قليله عن كثيره» وقال ربيعة الرأي «ليكن المعنى الكثير في الكلام القليل» ولهذا نجد عمر بن الخطاب ينصح «من كثر كلامه، كثر سقطه، ومن كثر سقطه، قلّ حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه» ومن هذا المنطلق اوصى احد الحكماء ولده «يا بني اذا افتخر الناس بحسن كلامهم، فافتخر انت بحسن صمتك» لان من الحكم المأثورة «ربّ كلمة سلبت نعمة» وفي المثل الانقليزي «كثير الكلام، قليل الاحترام» وفي المثل اللاتيني «من كثر كلامه صعب صدقه» وقال الامام علي بن أبي طالب «لا أعرف الرجل حتى يتكلم» وذلك ليقيمه ويعطيه المرتبة التي يستحقها. وصدق أحد الشعراء في قوله: «وإذا الكلام مهذبا لم يقترن بالفعل كان بضاعة الثرثار» ولهذا كما قيل «لا خير في القول الا مع العمل» قال ملك هندي «الكلمة أسيرة في وثاق الرجل، فاذا تكلم بها صار في وثاقها» جاء في جامع بيان العلم وفضله «لا ترد على احد جوابا حتى تفهم كلامه، فان ذلك يصرفك عن جواب كلامه الى غيره، ويؤكد الجهل عليك، ولكن افهم عنه، فاذا فهمته فأجبه، ولا تعجل بالجواب قبل الاستفهام، ولا تستح ان تستفهم اذا لم تفهم فان الجواب قبل الفهم حمق، واذا جهلت فاسأل فيبدو لك، واستفهامك اجمل بك وخير من السكوت على العي» واني ناصح امين لكل من يريد ان يتكلم امام الناس اقول له «لا تتكلم على ملإ من الناس الا عندما يكون قولك افضل من صمتك» وكما قال «شكسبير» تكلم بما تعتقد وليكن كلامك مطابقا لما في نفسك» ومن اقوال الحكماء «الكلام في الخير كله افضل من الصمت، والصمت في الشر كله افضل من الكلام» وفي المثل التركي «اذا اعجبك الكلام فاصمت، وان اعجبك الصمت فتكلم» قال عمرو بن العاص «الكلام كالدواء ان أقللت منه نفع، وان أكثرت منه قتل» وقال النبي صلى الله عليه وسلم «الكلمة الطيبة صدقة» قيل «كل امرئ يعرف بقوله، ويوصف بفعله، فقل سديدا، وافعل حميدا» في المثل الياباني «كلمة طيبة واحدة يمكنها ان تدفئ ثلاثة شهور من الشتاء» وفي المثل الروسي «كلمة رقيقة خير من فطيرة دسمة» وفي المثل الامريكي «لابد من شخصين لاجراء حوار» وفي الحكمة الصينية «الكلام الجيد اصغاء جيد»، ومن امثال العرب «كلام كالعسل، وفعل كالأسلّّ» يضرب هذا المثل في اختلاف القول والفعل. لقد أجهدت نفسي ان أكشف الغطاء عن مضمون «الكلمة» و»الكلام» و»الكلمات» و»الكلم» بمحاسنها ومساوئها، بمنافعها ومضارها، بخيرها وشرها، لعل الذين ابتلوا بالكلام ان يجاهدوا جهادا مريرا في اختيار الكلمة الطيبة، والاقلاع عن الكلمة الخبيثة، لان الكلمة الطيبة تمتن العلاقات الحسنة، بينما الكلمة الخبيثة توترها وتنفرها. لقد اوصى خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم كل متكلم بقوله «اطب الكلام وافش السلام، وصل الارحام، وصل بالليل والناس نيام ثم ادخل الجنة بسلام»، روي عن ابي هريرة. لان كما قال عليه الصلاة والسلام «الجمال صواب القول بالحق، والكمال حسن الفعال بالصدق» روي عن جابر وقد مدح «نعم العطية كلمة حق تسمعها ثم تحملها الى اخ لك مسلم فتعلمها اياه» روي عن ابن عباس، واوصى صلى الله عليه وسلم «قولوا خيرا تغنموا واسكتوا عن شر تسلموا « روي عن عبادة بن الصامت ولهذا تأكدوا ان «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» روي عن عبد الله بن عمر، وفي القرآن الكريم «ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم» (الانعام آية 108). مما تقدم ذكره من توصيات قرآنية، ونبوية، وعلمية، أصبح يقينا اما ان يتكلم المتكلم الكلمة الطيبة، «كلمة التقوى»، «كلمة الله العليا» حتى تكون «كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا ارْ بابا من دون الله» (آل عمران آية 64) ا وان نلتزم الصمت لان «الصمت ارفع العبادة» روي عن ابي هريرة و»الصمت سيد الاخلاق ومن مزح استخف به» روي عن أنس و»الصمت زين للعالم ويستر للجاهل» روي عن محرز بن زهير و»الصمت حكمة وقليل فاعله» روي عن أنس وابن عمر قال «طاليس» «قلة الكلام دليل على الاقتدار والاصابة». كان أعرابي يجالس الشعبي، ويطيل الصمت، فقال له يوما: لم لا تتكلم؟ فقال: أسمع لأعلم، وأسكت فأسلم» روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: «لسان العاقل من وراء قلبه، فاذا أراد الكلام رجع الى قلبه فان كان له تكلم، وان كان عليه أمسك، وقلب الجاهل من وراء لسانه يتكلم بكل ما عرض له» وقد قيل «كي يتكلم الانسان قليلا ويصغى كثيرا أعطته الطبيعة لسانا واحدا فقط وأذنين» قال الغزالي «من لا معرفة له بالمنطق لا يوثق بعلمه». حصرت مقالي هذا عن «الكلمة» و»الكلام» و»اللكم» لان بعض اهل هذا العصر في العالم «كبرت كلمة تخرج من افواههم ان يقولون الا كذبا» (الكهف آية 5) هذا ما قاله عنهم القرآن مضيفا «كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون» (الصف آية 3) وفي المثل اللاتيني «كثرة الوعود توهن الثقة» وفي المثل الانقليزي «التسويف سرقة الوقت» ولهذا «ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء» (الانعام آية 159) «ان الذين عند الله الاسلام» (آل عمران آية 19) «ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين» (آل عمران اية 85) ولهذا أقول لهم «لكم دينكم ولي دين» (الكافرون آية 6) لاني مؤمن «لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي» (البقرة آية 256) خصوصا وقد قال الله تعالى لخاتم رسله عليه الصلاة والسلام «ولو شاء ربك لامن من في الارض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وما كان لنفس ان تؤمن الا باذن الله» (يونس ايتان 99 100) والمشكلة الجوهرية «هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون» (الزمر آية 9) «أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا اهواءهم» (محمد اية 14) فمخرج الصدق من هذا الاشكال هو الحوار المفيد «جادلهم بالتي هي احسن» (النحل اية 125) و»ادفع بالتي هي احسن فاذا الذين بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» (فصلت اية 34) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تحفظوا من الارض، فانها امكم، وانه ليس من احد عامل عليها خيرا او شرا الا وهي مخبرة به» رواه الطبراني عن ربيعة الجرشي.