رغم التحسن النسبي لحكومة علي العريض في تعاطيها مع أغلب الملفات في ظل تحييد وزارات السيادة مقارنة بحكومة حمادي الجبالي وما شهدته فترتها من هزات وإرباكات شملت تداعياتها عديد المجالات فان الجدل لا يزال يثار حيال التباين الصارخ بين ما شددت عليه الحكومة من أولويات وما رفعته من شعارات وبين الوضع على أرض الواقع مما يبقي الفجوة كبيرة والتناقض صارخا أحيانا. وفي الوقت الذي أكدت فيه الحكومة على معالجة الاوضاع الاجتماعية وتحسين مستوى عيش الفئات الفقيرة والمعوزة من خلال عديد البرامج والاليات تردت المقدرة الشرائية للمواطن وأصبح في عنق الزجاجة بسبب سياسة الترفيع في الاسعار التي عمدت اليها الحكومة مما "أشعل" جيب المواطن الذي لم يجد من يطفئ "لهيبه". واذا كان علي العريض قد أكد منذ تسلمه مقاليد الحكم ان من أولويات حكومته الاهتمام بالجانب التنموي في الجهات فان المواطن الذي علق اماله وانتظاراته على المشاريع التنموية لتغيير واقع المناطق المهمشة والمحرومة لم يجن من أغلبها الا الوعود باعتبار ان نسبة تنفيذ المشاريع لم تتجاوز 11 بالمائة. وان أرجع اغلب المسؤولين التأخير في التنفيذ للتعقيدات الادارية وقانون الصفقات العمومية فانه كان يمكن تجاوز مختلف الصعوبات لو توفرت ارادة سياسية فعلية تقطع مع المنظومة التنموية السابقة. ولاشك ان التناقض يبدو صارخا أكثر في الشأن الاقتصادي لأنه في غمرة حديث اغلب المسؤولين عن مؤشرات واعدة وتحقيق نسبة نمو تقدر ب4,5 بالمائة تجاهل تام لحقيقة الوضع فيما تأتي تقارير البنك المركزي مخالفة لتعكس الانهيار المتواصل لاقتصادنا الوطني وتتتالى صيحات الفزع التي يطلقها الخبراء أما التخفيض المتواصل للتصنيف الائتماني لتونس الذي كان آخره الأسبوع الماضي فانه يعكس الصعوبات في ظل تعطل "ماكينة" الانتاج وعدم توفر المناخ الملائم للاستثمار. لما رفعت حكومة "الترويكا" شعار مكافحة الفساد خلنا ان حملات التطهير ستطيح ب"أوكار" الفساد و"تكنس" الفاسدين وتواجه الفساد ب"شراسة" أينما كان لكن الملفت للانتباه ان الفساد تفشى أكثر وازدادت المحسوبية وتفاقمت الرشوة بشكل غير مسبوق الى حد طرح معه نقاط استفهام وتعجب في نفس الآن. وفي ثنايا الحديث عن ضرورة استعادة هيبة الدولة والدعوة الى تطبيق القانون على جميع الاطراف ورغم ما سجل من تحسن في هذا المجال فان التردد مازال يطغى احيانا على قرارات الحكومة رغم انها دفعت ثمنه غاليا في مناسبات سابقة مما يحتم عليها اعادة حساباتها في هذا الجانب. ولئن تبدو ملامح التباينات جلية وواضحة في مختلف المجالات فان تحقيق النجاح وتجاوز مرحلة "الخطر" للوصول الى سكة الانتقال الديمقراطي يقتضي نظرة واقعية من الحكومة وتعاطيا منطقيا مع مختلف الأوضاع والمستجدات ولن يمرّ ذلك الا عبر التوافق والحوار بين مختلف الحساسيات لان الاقصاء والتجاهل لن يولدّ إلا مزيدا من التوتر في وقت نحن في حاجة ماسة الى تنقية الأجواء.