مازالت حرية الضمير، رغم التنصيص عليها في مسودّة الدستور، تثير الكثير من الجدل وتواجه بعض الممانعة من قبل البعض، وترجع الممانعة في إقرار هذه الحرية، إلى حد كبير، إلى اتصالها الوثيق بالتفكير والدين. ففيم تتمثّل حرية الضمير؟ وهل أنّ تونس مجبرة على التنصيص على هذه الحرية في دستور الجمهورية الثانية "الثوري"؟ ثمّ هل في إعطاء مبدإ حرية الضمير طابعا دستوريا آثار سلبية؟ إنّ حرية الضمير تقع في منتصف الطريق بين حرية التفكير وحرية الدين. وتكمن أهميتها في أنها الشرط الضروري للاستقلال الأخلاقي للفرد ومنفذه الأساسي إلى الحرية. والهدف المتوخى من حرية الضمير، شأنها شأن حرية التفكير وحرية الدين، هو حماية التصورات التي قد يحملها كل واحد عن الحياة والمجتمع والمصير. ورغم التنصيص عليها في المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تقول: "لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين". وتضيف توضيحا لمضمون هذا الحق، أنه يشمل "حرية الفرد في تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سرا أم مع جماعة"، فإنّ البعض يرى أنّ القرآن هو أول من تطرّق لمبدإ حرية الضمير الذي تقابله في كتاب القرآن الآية 29 من سورة الكهف: "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". رئيس حركة النهضة نفسه راشد الغنوشي خرج من صمته وصرّح بأنّه مع التنصيص على مبدإ حرية الضمير في الدستور، قائلا: "إنّ مبدأ حرية الاعتقاد وحرية الضمير هو مبدأ إسلامي أصيل وإنه لا قيمة لأيّ اعتقاد لا يتأسس على ضمير حرّ". حرية الضمير ولائكية الدولة لكنّ البعض يرى أنّ الدول التي تنصّ في دستورها على مبدإ "حرية الضمير" هي دول لائكية بالأساس، وهو ما يتناقض مع الفصل الأول من الدستور الذي ينصّ على أنّ "تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة الإسلام دينها والعربية لغتها"، وذلك يجسّد نوعا من التناقض صلب الدستور، فكيف يقع الإقرار بدستورية الإسلام دين الدولة من جهة ثمّ يقع التنصيص على مبدإ حرية الضمير من جهة أخرى؟ وحول هذا الموضوع، يقول أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد ل"الصباح الأسبوعي": "الدولة دينها الإسلام يعني أنّ ذلك يتعلّق بالمجموعة أما التنصيص على حرية الضمير فذلك يعني أنّ الفرد له حقّ اختيار دينه أو بمعنى أوضح حرية المعتقد". وقد مثّلت حرية المعتقد محور حديثنا مع أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد الذي أعرب عن استغرابه من التنصيص على حرية الضمير في الدستور التونسي قائلا: "إنّ ما يخالج ضميري يتنزّل في إطار حرية التعبير وإذا اعتنقت دينا معينا فلي كامل الحقّ في ذلك لأنّ الفصل الخامس من الدستور يضمن لي ذلك، لذلك ما دام دستورنا ينصّ على مبدأي حرية المعتقد وحرية التعبير فلماذا التنصيص على حرية الضمير". واعتبر الأستاذ بلعيد أنّ عدم التمحيص في المفاهيم يوصلنا إلى ترّهات، قائلا: "إنّ حرية الضمير حكاية زايدة وليس لها أية إضافة وهي من الأمور المفتعلة". وشاطره الرأي في ذلك أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد الذي تساءل قائلا: "لماذا طرح اليوم هذا الموضوع ولم يطرح من قبل؟ لماذا نطرح مثل هذه القضايا في هذا الظرف بالذات. أليس من شأن ذلك أن يزيد الوضع تعقيدا؟ لماذا ا ينظر للمصلحة العامة أولا؟". الامتناع عن الخدمة الوطنية بموجب حرية الضمير! وفي الوقت الذي صرّح فيه أستاذ القانون الدستوري ورئيس هيئة تحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي عياض بن عاشور بوجوب التنصيص على مبدإ حرية الضمير نظرا إلى أنّه "بغياب حرية الضمير يغيب النظام الديمقراطي وتنتهك حرية المعتقد"، يرى الأستاذ سعيد أنّ الحديث عن حرية الضمير يعدّ مسألة مغلوطة بالأساس باعتبار أنّ تونس صادقت على العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية دون أيّ تحفّظ والذي يكفل بدوره حماية حرية الضمير، "لكنّ طرح مثل هذا الموضوع في هذا الظرف بالذات يزيد في درجة الانقسام داخل المجتمع "، حسب تعبيره. وشدّد محدّثنا على وجوب البحث في الآثار التي يمكن أن تترتب على التنصيص على حرية الضمير في الدستور، قائلا: "من شأن ذلك أن يؤدّي إلى بعض الأوضاع القانونية الصعبة". وأشار في هذا الصدد، على سبيل المثال، إلى إمكانية امتناع مواطن عن أداء الخدمة الوطنية باعتبار أنها تتعارض مع قناعته الشخصية والتي تكفلها له حرية الضمير. وشدّد في هذا الصدد على أنّ المسألة لا تتعلق فقط بحرية الدين المكفولة أساسا بمقتضى التنصيص على حرية المعتقد وإنما تتعلق بمسائل أخرى، ف"حرية الضمير تمكّن أي فرد من الامتناع عن القيام بما يتنافي مع قناعاته بما في ذلك الخدمة الوطنية"، حسب تعبيره. وإن تمّ التنصيص على حرية الضمير في مسودة الدستور، فالمؤكدّ أنّ تونس لم تنفرد بذلك وإنّما سبقتها عدّة دول في ذلك.