استعرض الأستاذ أحمد العبيدي خلال مداخلته أهمّ النقاط الإيجابية والسلبية لدستور الصادق باي ودستور الاستقلال، مركّزاً حديثه على تأثير التوظيف السياسي لمجمل الأحكام الدستورية في تطبيقاتها العملية، ودور ذلك في إنتاج نظام سياسي محاصصي عاجز عن تحقيق الإقلاع الديمقراطي. وأضاف الأستاذ العبيدي أنّ مسودة الدستور الجديد تضمّنت الحقوق السياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحقوق التضامن.. قائمة الحريات هذه، ولئن بدا فيها ثراء مستحدث بما أنّ ثماني منها لم ترد أصلاً في الدستور القديم إضافة إلى تخصيص باب مستقل للحقوق والحريات، إلاّ أنّ ذلك لا ينفي تعرّضها لانتقادات شديدة، شملت حق المساواة بين المرأة والرجل وحرية المعتقد والحق في الحياة.
وتناول عميد كلية الحقوق بالجامعة النقاط الثلاث بصفة تفصيلية، حيث تطرق إلى الفصل 16 والذي ينصّ على أنّ الحقّ في الحياة مقدّس، ولا يجوز المساس به إلاّ في حالات يضبطها القانون.
وأوضح أنّ الصياغة منقوصة لأنّها لا تأخذ بعين الاعتبار حقّ المرأة في الإجهاض وتجريم عقوبة الإعدام. العبيدي إستعرض بعض التجارب المقارنة في هذا المجال، قبل أن يذكر جملة الإنتقادات حول الحقّ في المساواة بين الرجل والمرأة، وأوضح أن عدم ذكر «المواطنات» إلى جانب «المواطنين» في الفصل 22 من المسودّة يفتح المجال للتمييز بينهما.
وعلى الرغم من الإنتقادات الحادّة التي طالت هذه النقطة، إلاّ أنّ الأستاذ العبيدي إعتبرها «غير مجدية» بما أنّه تمّ التنصيص على مبدإ المساواة في التوطئة، «ولهذه الأخيرة نفس القيمة القانونية لنصّ الدستور وذلك بإعتراف صريح في كلّ دساتير العالم» على حدّ قوله.
النقطة الثالثة التي طرحت سيلاً من الإنتقادات كانت حول حرية المعتقد. وفي هذا الإطار، أشار العبيدي إلى أنّ الفصل المتعلّق بهذه الحرية تعرّض إلى إستنكار مردّه ورود عبارة «المقدس» غامضة وغير محدّدة وهو ما يثير تخوّفاً من إمكانية التضييق على حرية الفكر والتعبير. كما أنّ التنصيص على أنّ الدولة هي الكافلة لممارسة الشعائر الدينية يتعارض مع جوهر المصطلح والذي يقتضي التنصيص على حرية الفرد في القيام بشعائره الدينية. هذا الفصل يحيلنا بحسب العبيدي دائما على دستور 1959 في فصله الخامس الذي ينصّ على مبدإ الحرية، لكنّه يقيّدها بعبارة «ما لم يخلّ ذلك بالأمن العام»، وهي عبارة مطاطية وغير محدّدة تستعملها السلط كلّما ارادت ضرب حرية أو حقّ. كما رأى البعض أنّ صياغة هذا الفصل في مسودة الدستور الجديد لا تضمن حقوق من أراد تغيير دينه أو الارتداد عنه.
عموماً، ورغم تعدّد الحقوق والحريات الواردة بالدستور الجديد، إلاّ أنّ النواقص كانت بارزةً كما وردت بمداخلة الأستاذ أحمد العبيدي، حيث بالإضافة إلى الصياغة، وقع إهمال ذكر تجريم الإستعباد، وتغييب المرجعية الكونية للحقوق والحريات المذكورة. وأكّد العبيدي أنّ النقد في هذه النقطة يطال من يصرّ عليها ومن يستميت في عدم التنصيص عليها. ولئن عرفت دوافع أولئك الذين يعارضون تضمينها في الدستور، إلاّ أنّ إنتقاد من يسعون الى جعلها حقاً دستورياً، أثار تساؤل الحاضرين في الندوة. وقد أجاب العبيدي أنّ مبدأ «الكونية» موجود بصفة ضمنية، ذلك أنّ تونس أمضت الاتفاقيات الدولية المتعلّقة بحقوق الإنسان وخاصة الميثاق الأممي للحقوق المدنية والسياسية وغيرها، قبل أن يحيل الكلمة إلى الدكتور أحمد السافي نائب المجلس الوطني التأسيسي عن حزب العمال.