2 مشرو مخالف للمبادئ الدستورية الحالية من المفاوقات العجيبة ان مشروع القانون الاساسي موضوع دراستنا مخالف لما سطره ووضعه المجلس الوطني التأسيسي نفسه في القانون التأسيسي المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية. كما انه مخالف لقرار المجلس القومي التأسيسي الصادر في 25 جويلية 1957 المتعلق بالغاء الملكية واعلان الجمهورية. وهو ايضا مخالف للمبادئ العامة للقانون. 2 1. خرق مشروع القانون للقانون التأسيسي المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية نعت القانون التأسيسي المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية ب"الدستور الصغير" معنى ذلك انه يعتبر، والى حين صدور الدستور الجديد، المرجع والمعيار لكل شرعية قانونية، فهذا النص منزل منزلة الدستور المؤقت ويحتل المرتبة العليا في هرم القواعد القانونية وعليه فان النصوص التشريعية لابد ان تكون مطابقة لنصه ولروحه ومتلائمة معهما. وبتحليلنا لمقتضيات مشروع القانون الاساسي المتعلق بالتحصين السياسي للثورة سوف نبرز ان هذا المشروع مخالف لما جاء في توطئة الدستور الصغير وخاصة لما نصت عليه الفصول 4 و6 و24. 2-1-1. خرق توطئة القانون التأسيسي المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية اقتضت توطئة "الدستور الصغير" ما يلي: "وحرصا على انجاح المسار التأسيسي الديمقراطي وضمان الحريات وحقوق الانسان". ويترتب عن هذه الجملة ان مهمة المجلس الوطني التأسيسي تتمثل في انجاح المسار التأسيسي وذلك بضمان احسن الظروف واصلح الممهدات لممارسة ديمقراطية حقة تتيح لكل مواطن ممارسة جميع حقوقه السياسية والمدنية دون تقييد او شروط اقصائية وعلى قدم المساواة مع جميع المواطنين. ومن هذه الحقوق الاساسية حق الانتخاب والترشح وممارسة الوظائف العمومية دون تمييز من اجل العرق او الاصل او الجنس او الانتماء السياسي. وقد التزم المجلس الوطني التأسيسي بضمان الحريات وحقوق الانسان وذلك لا يتسنى بالاقصاء والتمييز بين المواطنين الذين لم يثبت في شأنهم ارتكاب جرم او جنحة تخول حرمانهم من حقوقهم. وباعتبار ان مشروع القانون الاساسي المتعق بالتحصين السياسي للثورة استثنى عددا من الاشخاص المعينين صراحة من اجل اضطلاعهم بمسؤوليات سياسية او ادارية معينة خلال الفترة المترواحة "بين 7 نوفمبر 1987 و14 جانفي 2011" وحرمهم من حقوقهم الثابتة لمدة زمنية حددها مشروع القانون ب"سبع سنوات من تاريخ دخول القانون حيز النفاذ" وقد بين الفصل 2 من المشروع الفئات المعنية بالحرمان وهي: وزير أول أو وزير كاتب دولة او مدير او عضو بديوان رئيس الجمهورية ممن لهم رتبة وزير مرشح الحزب المذكور لمجلس النواب رئيس او امين عام او امين عام مساعد او عضو الديوان السياسي او اللجنة المركزية او كاتب عام او عضو لجنة تنسيق (باستثناء ممثل المقاومين) او كاتب عام او عضو جامعة ترابية او مهنية (باستثناء ممثل المقاومين) او رئيس شعبة ترابية او مهنية او مدير مركز الدراسات والتكوين. رئيس او عضو الهيكل المركزي ل"منظمة الشباب الدستوري الديمقراطي ومنظمة طلبة التجمع الدستوري الديمقراطي". كل من ناشد زين العابدين بن علي للترشح لانتخابات 2014" أما ميدان الحرمان فينطبق على ما يلي: الترشح لرئاسة الجمهورية او لعضوية المجلس المكلف بالتشريع او لعضوية او رئاسة الجالس البلدية او اي مجالس لها صفة الجماعات العمومية. تولى رئاسة الحكومة او عضويتها تولى ادارة ديوان رئيس الجمهورية او ديوان رئيس الحكومة او ديوان رئيس المجلس المكلف بالتشريع تولى مهمة المحافظ او المحافظ المساعد للبنك المركزي التونسي تولى مهمة سفير او قنصل او وال او معتمد رئاسة او عضوية اي من الهياكل القيادية المركزية او الجهوية في الاحزاب السياسية او عضوية هيئاتها المؤسسة. مع التذكير من ناحية ان منطلق تاريخ الاقصاء عين في المشروع الاول 2 افريل 1989 وان من ناحية اخرى العديد من الفئات المحرومة من الحقوق كانت تعرضت لعقاب الحرمان من الترشح لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي بمقتضى الفصل 15 من المرسوم عدد 35 لسنة 2011 المتعلق بانتخاب مجلس وطني تأسيسي. 2 1 2 خرق الفصول 4 و6 و24 اقتضى الفصل 4 من الدستور الصغير ان المجلس الوطني التأسيسي يمارس "السلطة التشريعية طبقا لهذا القانون" اي ان النصوص التشريعية الصادرة عن المجلس لابد ان تكون مطابقة لمقاصد القانون التأسيسي ولمنطوقه وهذا يحيلنا على ضرورة ضمان الحريات وحقوق الانسان وهذا ما لا يتوفر في المشروع. أما الفصل 6 من الدستور الصغير فقد وقعت مخالفته. فهذا الفصل حدد على سبيل الحصر النصوص التي تتخذ شكل قانون اساسي ولم يشر الى اتخاذ نص ل"تحصين الثورة". كما ان المشروع مخالف للفصل 24 من الدستور الصغير المتعلق بالعدالة الانتقالية الذي كلف المجلس التأسيسي بسن قانون اساسي للعدالة الانتقالية وضبط اسسها ومجال اختصاصها. لكن المجلس تخلى عن هذه المهمة وانحرف بالسلطة صارفا اهتمامه عن مشروع العدالة الانتقالية الذي اعدته هيئة مختصة وتقدمت به الحكومة ومركزا على قانون تحصين الثورة الذي لا مستند قانوني له. 2 2. خرق قرار المجلس القومي التأسيسي الصادر في 25 جويلية 1957 المتعلق بإلغاء الملكية واعلان الجمهورية ورد في اطلاعات الدستور الصغير ذكر قرار المجلس القومي التأسيسي الصادر في 25 جويلية 1957 المتعلق بإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية. وكما هو متعارف فإن القرار يتمتع يقيمة فوق دستورية وما ذكره في الاطلاعات المذكورة إلا تأكيد لبقائه حيز النفاذ. وقد تعرض هذا القرار الى أن السير في طريق النظام الديمقراطي وهو وجهة المجلس والنظام الديمقراطي يقوم على تحكيم الشعب صاحب السيادة ولا يخول لأي كان أن يختار باسمه أو أن ينتقي له من هو جدير بالترشح للإنتخابات أو لتقلد وظيفة عمومية. 2 3. خرق المبادئ العامة للقانون المتفق عليها بين الأمم تشكل المبادئ العامة للقانون في القانون الوطني وفي القانون الدولي مصادر للأحكام يرجع إليها القاضي المدني والإداري والدستوري والدولي أو كل من هو مكلف بتطبيق القانون للمحافظة على الشرعية القانونية وضمان حقوق الناس ضد كل الانتهاكات مهما كان مأتاها. وبالرجوع لمقتضيات مشروع القانون الأساسي المتعلق بالتحصين السياسي للثورة نلاحظ أن هذا المشروع بنتهك انتهاكا صارخا عددا لا يستهان به من المبادئ العامة للقانون الراسخة في بلادنا والمتفق عليها دوليا حتى أن بعضها ارتقى لمرتبة القواعد الآمرة للقانون الدولي. فقد استحدث المشروع محل اهتمامنا عقوبة الحرمان من مباشرة عدد من الحقوق السياسية وتقلد بعض المناصب في الدولة والأحزاب السياسية عن وقائع سابقة لصدوره مخالفة للمبدإ القانوني الراسخ مبدأ عدم رجعية العقوبات. من ناحية أخرى فقد أنشأ المشروع قرينة إدانة ورتب عنها جزاء قانونيا يتمثل في عقوبة جماعية دون حكم قضائي صادر إثر محاكمة عادلة تضمن فيها جميع الضمانات للمظنون فيه للدفاع عن نفسه وفي ذلك خرق سافر لمبدإ قرينة البراءة من ناحية ولمبدإ شخصية العقوبة من ناحية أخرى هذا علاوة على تجاوز المشروع لصلاحياته بممارسة اختصاص هو من صميم اختصاص السلطة القضائية وهذا يعد تجاوزا غير مقبول لمبدإ الفصل بين السلطات ومبدإ استقلال القضاء. وقد كانت المحكمة الدستورية العليا المصرية اكدت ذلك في حكمها الصادر في 14 جويلية 2012 بقولها: وحيث كان ذلك، وكان النص المحال، قد رتب الحرمان من ممارسة الحقوق السياسية، لمدة عشر سنوات تالية لتاريخ 11/2/2011، لكل من عمل بأي من المناصب التي أوردها حصرا، فإنه بذلك يكون قد رتب جزءا يوقع عليهم تلقائيا ودون حكم قضائي، بما يمثل افتئاتا من السلطة التشريعية على اختصاصات السلطة القضائية، وانتحالا من المشرع لهذا الاختصاص. كما أسس المشروع عقوبات الحرمان من الحقوق والاقصاء من الحياة السياسية الواردة فيه على مجرد صفات وحالات لا على أفعال مادية معينة أو جرائم أو جنح أو مخالفات معروفة ومضبوطة بنصوص قانونية سابقة الوضع بل إنه ميز اعتباطا ودون معايير موضوعية مجردة وغير مشخصة بين بعض من تلك الوظائف دون اخرى مثل تغاضيه (لأمر واضح) عن اقحام عضوية مجلس المستشارين ضمن قائمة الوظائف الموجبة للحرمان والاقصاء. أخيرا فإن هذا المشروع مناف لمبدإ المساواة بين المواطنين الذي يعتبر الاساس للحقوق والحريات مهما كانت طبيعتها ضد كل تمييز قد ينال من الحق أو من الحرية. وإذا كان للمشرع الحق في تنظيم ممارسة الحق أو الحرية مع ضمان تكافؤ الفرص فإن ذلك لا يخول له أبدا أن يسن تدابير واجراءات تنم عن توجهات حزبية وحسابات فئوية تثير الضغائن والاحقاد وتقسم المجموعة الوطنية الى مجموعات متناحرة. وباعتبار ان كل ما جاء في المشروع قد تضمن حرمانا لفئات من الشعب التونسي من مباشرة عدد من الحقوق السياسية ومن تولي بعض المناصب في الدولة لمدة سبع سنوات لمجرد تقلدهم مناصب حكومية أوحزبية أو انتخابية خلال كامل الفترة المتراوحة بين 7 نوفمبر 1987 و14 جانفي 2011 فإنه يكون قد أقر تمييزا تشريعيا بين المواطنين التونسيين لا يرتكز على أسس أو معايير موضوعية ومنطقية ويضع فوارق مصطنعة مخالفة لمبدأ المساواة ولمبدإ العدل بين المواطنين. كما أن المشروع لم يشترط إثبات أن من تولى المناصب الموجبة للاقصاء ارتكب أفعالا مخالفة للقانون كالرشوة والفساد او التعذيب أو تجاوز السلطة. هكذا يتبين أن مشروع القانون الاساسي المتعلق بالتحصين السياسي للثورة مناف لأبسط المبادئ القانونية وأبعد ما يكون عن المفاهيم الديمقراطية وعن مستلزمات دولة الحق ويشكل انحرافا بالسلطة التشريعية ومصادرة لشعب صاحب السيادة في اختيار ممثليه دون وصاية وطريقة لا أخلاقية لتمكين أغلبية اليوم من التخلص من منافسين سياسيين وعدم مواجهتهم سياسيا في نطاق انتخابات حرة ديمقراطية مفتوحة شفافة ونزيهة. * الأستاذ بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية - تونس