بثمانية نواب فقط من مجموع 19 نائبا انعقدت أمس لجنة القطاعات الخدماتية بالمجلس الوطني التأسيسي، لمناقشة مشروع القانون العادي المتعلق بعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وبعد جدل ساخن أبدت اللجنة في توصياتها عديد التحفظات حول هذا المشروع الذي وصفه البعض ب»الخطير الذي يشرّع للاحتلال الاقتصادي الأجنبي».. وأوكلت القرار النهائي للجلسة العامة. وبين النائب محمود البارودي رئيس هذه اللجنة أن مشروع القانون على درجة كبيرة من الأهمية وكان من المفروض أن يكون قانونا أساسيا وليس عاديا وذكر أنه سيطالب رئاسة الحكومة بمد اللجنة بالدراسات التي قامت بها قبل سن المشروع وبالتجارب المقارنة التي اطلعت عليها وأن توضح القوانين التطبيقية التي ستعتمدها.. وذكر النائب مبروك الحريزي (الوفاء للثورة) أنه لا يمكن سن مثل هذه القوانين خلال الفترة الانتقالية ويستوجب الأمر التريث، وذكر أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص ستؤدي الى ارتفاع تكاليف المرافق العمومية، كما لاحظ وجود غموض تشريعي في هذا المشروع يحيل إلى أوامر تطبيقية.. كما ليس فيه تمييزا ايجابيا للمناطق الضعيفة التي يجب ان تحظى أكثر من غيرها بالاستثمار ولم يقع التنصيص فيه على منح الأولوية والتمييز الايجابي لرأس المال التونسي. وعبر النائب عن تخوفه من دخول الشراكة في القطاع الفلاحي نظرا لخصوصيته وتأثيره على الأمن الغذائي ونبه إلى أن مجال الخدمات يمكن أن يشمله مشروع القانون رغم أنه غير محرر وفي هذا السياق ذكّر بوجود شركات تمارس بصفة غير شرعية إسداء الخدمات وتعتدي دون وجه حق على اختصاصات المحامين والمستشارين الجبائيين. ولاحظ الحريزي أن مشروع الدستور ينص على اللامركزية خلافا لروح مشروع القانون وبالتالي يحتاج الى تدقيق وعمل كبير. أما النائب ابراهيم القصاص (حركة نداء تونس) فقد انتقد المشروع أشد الانتقاد وبين أنه يراد به «بيع الملك العمومي وأرزاق الشعب لشركات خاصة بعينها في دول خليجية وهو يتضارب ووصف ذلك بأنه «نوع من الاستعمار». وندد بما عبر عنه «بفشل الحكومة المؤقتة التي تحمي المستثمرين الذين امتصوا دماء الشعب، وفي المقابل لم تقدم أي شيء للمواطن التونسي بل أضحى هذا الأخير يعاني من ارتفاع مشط في الأسعار وحتى من العطش». وأضاف ان التونسيين «كلفوا المجلس التأسيسي بكتابة دستور خلال سنة وليس المصادقة على مثل هذه المشاريع التي تفرط في المؤسسات العمومية، كما أنه ليس من حق النواب إغراق البلاد في ديون قيمتها 6 آلاف مليار..». «لا لبيع تونس» ونشبت بين القصاص والنائبة منيرة عمري (حركة النهضة) مشادة كلامية وتبادلا التهم.. إذ قال وهو على حالة شديدة من التوتر إن «عدو الثورة هو الذي باع تونس لقطر وتركيا وأضاف إلى سجل العاطلين عن العمل الآلاف الجدد وتسبب في انهيار الاقتصاد التونسي خلال سنة فقط». وذكر أن «أعداء الثورة هم الذين يفتون بالجهاد ثم يذهبون للتجوال في لندن وإن ثورات الربيع العربي هي برنامج مخابرات أمريكية لتقسيم الأمة العربية لمصلحة إسرائيل». وطالبته النائبة منيرة عمري -وهي تصرخ- بالصمت وباحترام نفسه وهددت وهي تجمع أغراضها بمقاطعة الجلسة، لكن القصاص لم يصمت بل واصل الشجار وفي يديه سيجارة الكترونية كان ينفث دخانها بين الحين والآخر مطالبا النهضة التي لم تشارك -على حد تعبيره -في الثورة «بعدم بيع البلاد» ومعبرا عن استغرابه من تحامل نوابها عليه ومن وصفهم له بالتجمعي وصحح أنه عروبيا وأضاف أن «التجمع سرق ونهب لكنه لم يبع تونس لقطر». وقال النائب محمد الصغير (النهضة) إنه موافق على المشروع لكنه في المقابل عبّر عن تخوفه من تغول المؤسسات الكبرى على الصغرى، مذكّرا بمؤسسات الطرابلسية التي استحوذت على البلاد والتي مازالت موجودة إلى الآن وطالب بوضع حد لهذا الداء الذي ينخر الاقتصاد ببعث مؤسسة تعنى بشفافية الصفقات حتى تتمتع كل المؤسسات بنصيبها.. وبين النائب صالح شعيب (مستقل) أنه كان يود ألا تدخل الحكومة المؤقتة في مثل تلك المشاريع، وقال إنه من أنصار النظام الاقتصادي المتكون من ثلاث قطاعات وهي القطاع العام والقطاع الخاص والقطاع التعاوني.. وبالتالي فإن الدخول في شراكة بين القطاعين العام والخاص هو خطوة اولى للدخول إلى نظام ليبرالي متوحش واعتبر ذلك خيانة للثورة التي قامت ضد الحيف والظلم والاستبداد. واعتبر شعيب المشروع تفويتا في مؤسسات الدولة وفي أرزاق الشعب التونسي لفائدة القطاع الخاص وأساسا للأجانب.. معبرا عن عن مخاوفه من الاحتلال الاقتصادي الاجنبي. وفي المقابل دافعت النائبة منيرة عمري بشدة عن مشروع القانون وبينت انه من أهم مشاريع القوانين لصالح تونس، ويجب مناقشته بسرعة وعدم تأجيل النظر فيه لأنه يحرك الاستثمار، واذا دخل حيز التنفيذ سيطبق خلال السنة القادمة وسيساهم في التعافي الاقتصادي. وذكّر النائب علي فارس (النهضة) أن النواب مطالبون باستعجال النظر في مشروع القانون وأضاف أنه يحمي القطاع العام. ويذكر أن مشروع القانون يهدف إلى وضع الاطار العام لعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص وضبط المبادئ الأساسية لإبرامها وتحديد نظام تنفيذها وطرق مراقبتها ونهايتها وإلى تحديد النظام القانوني للممتلكات المتعلقة بها.