نقاش مطول.. جعجعة قانونية.. واتهامات لمحرزية العبيدي بالتلاعب بالإجراءات بعد نقاش مطوّل لمسائل إجرائية قانونية دام ساعات، قررت الجلسة العامة للمجلس الوطني التأسيسي المنعقدة أمس بقصر باردو رفض لائحة إعفاء الدكتور المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية المؤقت من مهامه شكلا، نظرا لسحب عدد من النواب تواقيعهم منها وهم سلمى بكار وعلي بالشريفة ومحمد الطاهر إلهي وحنان ساسي وهشام حسني. وبلغ عدد النواب الذين صوتوا ب "لا" لقبول اللائحة شكلا بعد سحب الامضاءات 99 والذين صوتوا ب "نعم" 9 والذين احتفظوا بأصواتهم 5.. في حين لم يصوت نواب الكتلة الديمقراطية بتاتا، وعبروا عن احتجاجهم عما وصفوه بتلاعب محرزية العبيدي النائبة الأولى لرئيس المجلس الوطني التأسيسي التي أدارت الجلسة العامة بالإجراءات وبينوا أنها التفت على السؤال المتفق عليه في اجتماع مكتب المجلس.. وفسروا ل"الصباح" أنه كان من المفترض التصويت على قبول سحب الامضاءات على اللائحة من عدمه، وليس على قبول اللائحة شكلا أو رفضها بعد سحب الامضاءات وذلك بعد تأكّدها من عدم توفر الأغلبية المطلقة، وبالتالي فإن سقوط اللائحة لن يسمح للنواب بتقديم لائحة أخرى إلا بعد ستة أشهر وفقا لما ينص عليه الدستور الصغير. دفاع عن النفس وفي المقابل سارعت محرزية العبيدي بعقد ندوة صحفية مباشرة بعد رفع الجلسة العامة لتؤكد سلامة الاجراءات التي اتبعتها، ولتبين أنها استشارت رؤساء الكتل بمعية مستشارين قانونيين بالمجلس قبل طرح السؤال الذي تم التصويت على أساسه، وأنها حاولت التوفيق بين رأيين مختلفين واحد يقول بالنظر في الشكل والآخر يقول أن الشكل يتبع المضمون وبينت أنها طبقت الفصل 95 من النظام الداخلي الذي ينص على أن المجلس يتخذ قراراته بالأغلبية المطلقة لأعضائه عندما يتعلق الأمر بالمصادقة على لائحة اعفاء رئيس الجمهورية من مهامه. وذكرت أن الأغلبية المطلقة تمثل 109 نوابا.. لكن الذين صوتوا بنعم 9 فقط وأضافت أن هناك اشكالية نفسية داخل الكتل لأن مواقفهم لم تكن متناسقة. وبذلك مرّت الزوبعة على قصر قرطاج بسلام ونجا المرزوقي من الإعفاء، وحتى من مجرد المساءلة التي تمناها بعض نواب المعارضة ردا لاعتبار "قبّة التأسيسي" .. لكنها في المقابل صدّعت بيت الكتلة الديمقراطية والمعارضة بشكل عام إذ عبر نواب التحالف الديمقراطي عن نيتهم الانسحاب من هذه الكتلة بصفة نهائية نتيجة سحب نائبيها علي بالشريفة وسلمى بكار امضاءيهما من اللائحة، وأفادنا نائب التحالف الديمقراطي محمود البارودي أنه سيقع تكوين كتلة أخرى وأنهم سيغادرون الكتلة الديمقراطية دون رجعة لغياب الثبات على المواقف. وفي نفس السياق ألقى العديد من نواب المعارضة والمستقلين غير المنتمين إلى كتل باللائمة على زملائهم الذين سحبوا إمضاءاتهم في آخر لحظة، بل ذهب بعضهم إلى توجيه انتقادات لاذعة واستعملوا ألفاظا جارحة. وهناك من تحدّث حتى عن ابتزازات سياسية كانت وراء سحب التواقيع من اللائحة. أما النائبة سلمى بكار ففسرت ل "الصباح" سبب سحب إمضائها من اللائحة بأنها سمعت أن هناك حسابات سياسية بين أحزاب الترويكا الحاكمة وأنها فهمت وجود لعبة سياسية، ولا تريد أن يستعملها أي طرف في تلك اللعبة.. وقالت:" ولكن عند التصويت ساندت كتلتي والتزمت بقرارها ولم أصوت البتة رفضا للتلاعب بالقانون". وإجابة عن سؤال يتعلق بموقفها من إعلان نواب التحالف الديمقراطي عن نيتهم الانسحاب من الكتلة، قالت إنه لم يبلغها أي شيء رسمي في هذا الصدد، وإنها استمعت إلى تصريحات النائب المهدي بن غربية حول نية نواب التحالف الديمقراطي الانسحاب وتتفهم تشنجهم.. وبين النائب محمد الطاهر لاهي أنه لا يوجد ما يمنع النائب من مراجعة امضاءه.. وأنه فعل ذلك لأن اللائحة أخذت وقتا طويلا في اروقة المجلس حتى أنها أصبحت شبيهة بحكاية أمي السيسي، وأضاف أن الاهم من اللائحة هو التوافق على الدستور. وقال هشام حسني: "يعلم الجميع أننا لا نبيع ولا نشري وأننا ندين التصريحات غير المسؤولة التي أدلى بها المرزوقي سابقا لأنها تؤدي الى الفتنة، ولكن كان من المفروض عرض اللائحة منذ فترة طويلة لكن أن هذا يقع الآن، وفي نفس الوقت مع عرض مقترح قانون تحصين الثورة وعشية مناقشة مشروع الدستور وأرى أن هذا لن يزيد الأجواء إلا مزيدا من التشنج.. والمطلوب هو التوافق والتوافق". انتقادات رغم مبررات سحب الامضاءات، فإن سيل الانتقادات التي وجهها النواب لزملائهم كان جارفا، إذ وصف النائب طارق بوعزيز التذبذب في المواقف بالمراهقة السياسة في أوجها، وقال النائب مبروك الحريزي إن ما حدث من سحب للتوقيعات يصدق عليه قول المسرحي، يسقط الزعيم ولا زعيم إلا الزعيم وبين أن مكتب المجلس تلكأ في عرض اللائحة ففتح المجال للمزايدات والمساومات وأضاف أنه كان الأجدر بالمجلس مناقشة الوضع العام بشركة فسفاط قفصة والشعانبي والتحيل على المواطنين. وطالب النائب محمد البراهمي باستقدام رئيس الجمهورية لمساءلته في المجلس، وحذر النواب من الدخول في المساومات لأن الثقة في العملية السياسية تدنت كثيرا.. وقال النائب ابراهيم القصاص إن السيل بلغ الزبا وتعالت مياهه الآسنة لتجرف معها كل شيء جميل انبتته الثورة.. وحمل مكتب المجلس مسؤولية التراخي في عرض اللائحة ولام النواب على سحب امضاءاتهم وتغيير مواقفهم بعد زيارتهم قصر قرطاج وشرب كأس عصير وأكد أنه سيصوت ضد الاعفاء. وذكر النائب الطاهر هميلة ان النية لم تكن إعفاء الرئيس ولكن محاسبته لأنه وصف المجلس بالتهريج وهو جرم كبير وبما انه منبثق عنه فإنه رئيس تهريج. وذكر النائب اسكندر بوعلاقي ان تيار المحبة لا يدعم سحب الثقة من المرزوقي لأنه لم يرتكب خطأ جسيما او خيانة عظمى ونوه بتاريخه النضالي وطالب النائب صالح شعيب المرزوقي بالاستقالة كما طالب كل المناضلين مثله بترك المكان للنهضة التي استولت على كل القطاعات. وذكر النائب احمد السافي بما قاله زميله المنجي الرحوي من أن المجلس لا يمكن أن يشتغل كما كان وقال ان هناك سقوطا أخلاقيا للمجلس نتيجة عدم احترام الاجراءات الاساسية والوقت وهذا يعني فقدانه المصداقية ووضعه لنفسه موضع الشبهة. وذكر أنه إذا أراد تصحيح المسار عليه أن يستدعي رئيس الدّولة حالا للمساءلة. وانتقد النائب الناصر البراهمي تعمد مكتب المجلس تسييس القضية كما ندد بسحب نواب امضاءاتهم وقال إن الشعب لن يثق فيهم مستقبلا.. وعبر النائب احمد الخصخوصي عن رفضه مناقشة المسألة أصلا، لأن مستقبل البلاد مهدد لكن سفينة النواب تبحر في غير هدى، وذكر أنه يتأسف لسقوط المجلس في الحظيظ. ونبه النائب طارق العبيدي خلال هذه الجلسة إلى أن المجلس ليس من دوره أو حقه التصويت على رأي قانوني فهذا يندرج في إطار سلطات القضاء الاداري أو الدستوري واعتبر ما قام به النواب خلال جلسة أمس تنظيرا للاستبداد لأنهم عجنوا وخبزوا في نفس الوقت. وذكر النائب محمد الحامدي أن الخطير في الأمر هو عدم احترام الاجراءات والشكليات وبين أنه سبق وتم الالتفاف على لائحة لوم. تماسك في الضفة الأخرى من قاعة الجلسة العامة وخلافا لما روج في الكواليس، أبدت كتل الترويكا الحاكمة أنها على درجة كبيرة من التماسك في الدفاع عن المرزوقي. إذ بيّن النائب الصّحبي عتيق رئيس كتلة حركة النهضة أن كتلته تريد سحب اللائحة مفسرا أن المرحلة لا تحتمل الفوضى السياسية.. وذكر أن هناك ثابتا واحدا في قانون لائحة سحب الثقة هو توفر 73 امضاء عليها ولكن هذا الثابت غير متوفر، وأكد على ضرورة احترام الجوانب الاجرائية. أما النائب هيثم بلقاسم رئيس كتلة المؤتمر من أجل الجمهورية فقال إن الجلسة العامة غير قانونية.. غير قانونية.. غير قانونية (مذكرا بتثليثات المرزوقي المعهودة) لأن لائحة الاعفاء لم تجمع ثلث النواب ووصفها بمسيّسة. وقال النائب المولدي الرياحي رئيس كتلة التكتل إن رئيس الجمهورية قدم في محافل دولية عديدة أفضل صورة خطاب مؤسسة رئاسة الجمهورية لكن من تقدموا بلائحة الاعفاء تناسوا كل ذلك ولم يركزوا إلا على الجملتين الواردتين في اللائحة وأضاف أن الرئيس لم يرتكب خيانة عظمى أو يتورط في الفساد حتى يقع اعفاءه.