في الوقت الذي يتابع فيه الرأي العام التونسي التطور الدراماتيكي للأحداث على الساحة المصرية ومراقبة مستجداتها لحظة بلحظة في ظل اشتعال الفتيل واحتداد الصراع بين المعارضة وأنصار الرئيس محمد مرسي فانه بات من اللاحكمة واللاعقلانية عدم التفكير في امكانية انتقال العدوى الى المشهد التونسي. صحيح ان الواقع السياسي والاجتماعي وحتى الاقتصادي في تونس ومصر يبدو مختلفا في الكثير من تفاصيله وجزئياته، وصحيح أيضا ان الوضع لا يقبل المقارنة على أكثر من صعيد لكن مهما حاولنا ان نغض الطرف فاننا سنعيش على ايقاع التطورات المتلاحقة في القاهرة ومحافظاتها بل انه من المستحيل ان "نغمض" أعيننا عما يجري هناك في ظل سيناريوهات مجهولة لا يقدر كبار المحللين والمختصين وحتى المنجمين على فك "طلاسمها" والتنبؤ بنتائجها. ولأن الثورة التونسية كانت المنعرج على صعيد الثورات العربية ومثلت شحنة للجماهير المصرية للاطاحة بنظام حسني مبارك فان التفاعل بين ما يحدث هناك والتونسيين عموما يظل بديهيا مما يحتم على حكومة "الترويكا" استيعاب الدروس من تطورات الاوضاع في القاهرة ومحافظاتها من خلال تعديل أوتارها والاسراع بمعالجة الملفات الحارقة التي لم تعد تحتمل التأخير. وبعيدا عن مشروع قانون تحصين الثورة وما أثاره من ضجة مازال صداها متواصلا فان الحكومة مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بتحصين الاعلام، وتحصين القضاء، وتحصين "الزوالي" وتحقيق انجازات فعلية مع اتباع سياسة الحوار والوفاق حول خارطة طريق واضحة لان الكيل بدأ يطفح ومن اللاحكمة بل من "الانتحار" ان تواصل الحكومة تجاهلها مطالب المناطق المهمشة والمحرومة التي مازالت تنتظر مشاريع حقيقية تحقق طوحاتها وتغير واقعها البائس. ومن اللانضج السياسي ان تعتبر حكومة "الترويكا" ان سيناريو تدحرج كرة اللهب نحو المشهد التونسي مستحيلة اذا لم تعد النظر في بعض خياراتها لانه بالتوازي مع اشتعال فتيل الاحتجاجات في مصر شرعت بعض صفحات المواقع الاجتماعية "الفايسبوك" في الشحن والتحريض صراحة على "التمرّد" والنسج على منوال المعارضة المصرية والخروج للشوارع دون التفكير في تداعيات هذه الدعوات. واذا كان الوقت غير مناسب لاتهام هذا الطرف أو ذاك أي المعارضة والحكومة، كما انه لن يفيد مطلقا ان نوجه الانتقادات ونطلق السهام في أكثر من صوب لنحمّل هذه الجهة مسؤولية الفشل أوتلك بالافلاس فان كل الحساسيات مطالبة بتحمّل مسؤولياتها في هذا الظرف الدقيق الذي تعاني فيه البلاد من أزمة اجتماعية واقتصادية خانقة تتطلب تضافر مختلف الجهود من أجل الخروج من عنق الزجاجة. ان المخاوف تزداد أكثر مع اشتعال الأضواء "الحمراء" في ظل امكانية التخفيض في الترقيم الائتماني لتونس من قبل منظمات دولية مما يستدعي من الجميع التفكير في مصلحة الوطن وانجاح المرحلة الانتقالية لان كل انتكاسة للتحول الديمقراطي والاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي ستكون نتيجتها مأساوية وهذا ما نرفضه قطعيا ولا نتمناه.