" حوار: محمد صالح الربعاوي - أكد احمد المستيري انه لا تحقيق لاهداف الثورة بعيدا عن التوافق والحوار الذي اصبح ضروريا اكثر من اي وقت في ظل الوضع الصعب الذي تعيشه البلاد على مختلف المستويات. وشدد المستيري في حديث خصّ به «الصباح الأسبوعي» على ان مشكلة «الترويكا» تكمن في عدم تماسكها وانسجامها داعيا الى توسيع الائتلاف الحكومي تماشيا مع المصلحة الوطنية. وأبدى خشيته من الاستقطاب الثنائي لانه قد يدخل البلاد في بوتقة المذهبية. أحمد المستيري الذي استقبلنا في بيته بالمرسى حرصنا على الحديث معه حول عديد المسائل والإشكالات المطروحة باعتباره من السياسيين المحنكين لتوليه عديد المسؤوليات الحكومية منذ حكومة الاستقلال. نحتفل اليوم بالذكرى الثانية لثورة 14 جانفي فبأي شعور تعيش هذا اليوم التاريخي؟ - شعور الحذر والتشكك في مصير الثورة وحظوظ نجاح التشكيلة القائمة في الحكم الآن التي يشوبها شيء من القلق نظرا لما حصل في السنة الاخيرة من تجاذبات وتنافس وتبادل للتهم. ونأمل تحسنا في الوضع الذي لن يتم الا بتقارب اهل الحل والعقد اي النخبة السياسية على الاقل لمدة معينة في مسار الثورة بشكل يفضي الى وضع أسس خارطة طريق لهذه المرحلة. هذا على المستوى، القريب وكيف يبدو لك مصير الثورة بالنسبة للمستقبل البعيد؟ - أنا متفائل على المدى الطويل بنجاح الثورة ومصير تونس وعلى قدرة الجيل الذي صنع الثورة على التحول السليم نحو الافضل وما يغذي شعور التفاؤل لديّ انه اذا قسنا وضع تونس بالنسبة لمحيط تونس الجغرافي فان حالتنا احسن بكثير مقارنة ببعض الدول التي بلغها الربيع العربي. واذا نقيس الظروف الزمنية فتونس في تحسن محسوس في كثير من المجالات ومن المفروض أن تسير في نفس المستوى. هل هذا يعني ان اهداف الثورة لم تتحقق الى حدّ اليوم؟ - اريد ان اكون موضوعيا ولا اخرج عن نطاق الواقع فالكثير من اهداف الثورة بدأ تحقيقه وإنجازه. والمحسوس الآن هو حرية الاعلام فالحديث معك الآن لم يكن ممكنا لا في عهد بورقيبة ولا من بعده لعدّة اعتبارات. وهي خطوة اساسية محسوسة خطتها تونس بفضل الثورة.. وتحرير الاعلام مجال اساسي في تحقيق النظام الديمقراطي لكن مازالت مجالات اخرى أوسع بكثير لم تتحقق اهدافها وتستدعي بعض الوقت. فالثورة هي ثورة عضوية وباغتت كل الناس ومختلف أطياف المجتمع المدني مما يدل على انها لم تكن ثورة مبرمجة مسبقا وبقيادة في اتجاه معين. والدليل انه منذ الخطوات الاولى ظهرت الاختلافات والتجاذبات من تفعيل الثورة نفسها. الفترة الانتقالية صعبة في ظل رئيس مؤقت ورئيس حكومة مؤقتة ثم ان المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والامنية اثرت على الوضع. لا بدّ ان ذلك يجرّنا الى الحديث عن مدى نجاح الحكومة في تحقيق انتظارات الشعب؟ - الحكومة قامت بدورها من أجل التصرف في الشؤون العادية لاستمرارية الدولة.. ثمة أوامر ومعالجة مسائل معينة وكونها نجحت أو لم تنجح ف»فيه وعليه». وثمة خلل يرجع للسلطة نفسها في غياب الانسجام التام بين اطراف الحكم اي داخل «الترويكا» نفسها واحيانا تظهر تصريحات تعكس غياب التوافق والانسجام في ظل التراشق بالتهم. والأدهى والأمرّ ان داخل كل حزب من «الترويكا» ثمّة تجاذبات وداخل الاطراف الثلاثة لا وجود لتماسك تامّ وهذا ليس سرا وانما متابعة المنابر تعكس نغمات مختلفة لاطراف تنتمي لنفس الحزب ليبرز اكثر الخلل داخل البلاد. في ظل الوضع الصعب والدقيق الذي تمرّ به البلاد كيف السبيل للإنقاذ والخروج من المأزق من وجهة نظرك؟ - الطبقة السياسية التونسية بوضعها وتركيبتها الحالية قادرة على معالجة كل المشاكل والخلافات وحل الأزمات سواء كانت اجتماعية او سياسية او اقتصادية وذلك بأسلوب الحوار لمصلحة المجتمع التونسي. هل تعتقد ان التحوير الوزاري الذي تأجل عديد المرات اصبح ضروريا لانقاذ البلاد؟ - طالما لم تتبيّن خارطة الطريق وإصدار الدستور وطيّ صفحة الماضي نهائيا لا بدّ من توافق بين الاطراف الفاعلة في البلاد واكبر مجاهدة اليوم بالنسبة للسياسيين هو مجاهدة النفس لبلوغ التوافق. ولا بدّ من التوافق اما من خلال مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل او مبادرة رئيس الجمهورية، وكنت من المباركين لمبادرة الاتحاد. وصراحة لا اعلق اهمية كبيرة على التحوير الوزاري والمهم هو الوصول الى التوافق بين الاطراف داخل الحكم وخارجه وعبرت عن رأيي سابقا وقلت انه لا بدّ من توسيع الائتلاف الحاكم وان شاء الله «ربّي يهديهم». ما هي شروط نجاح التحوير المرتقب خصوصا في ظل مطالبة الكثيرين بحكومة كفاءات بعيدا عن المحاصصة الحزبية؟ - في كل الظروف الشخص الذي يعين في مسؤولية، الضامن لنجاحه في اداء مأموريته ليس منهجه الفكري او اخلاقه وانما مقدرته على حل المشاكل بقطع النظر عن انتماءاته. ولا بدّ من اختيار الكفاءات ولاسيما في ظروف استثنائية انتقالية مثل الظرف الذي نعيشه اليوم. والفترة الانتقالية تستدعي الحسم في الاتجاه الصحيح بعيدا عن الاعتبارات السياسية واعطي مثالا هنا وهو ان الرئيس الامريكي أوباما عيّن وزير دفاع من حزب منافس فالمهم هنا هو التوافق بين مختلف الاطراف السياسية. كنت أول وزير استقال من حكومة بورقيبة فلماذا حسب رأيك يتشبث وزراؤنا ب»الكرسي» ويرفضون الاستقالة؟ - هذا المرض موجود في كل الدول وهو عيب اكيد، البعض يرى انه من باب الاخلاق السياسية تقديم استقالته كلما اختلفت قناعاته مع المنهج لكن احيانا يقوم وزير بالمستحيل من اجل البقاء في كرسيه حتى وان تعلق الامر بممارسات ضدّ ضميره. سبق لك ان صرحت بان صدرك ضاق من ممارسات ومشروع النهضة فالى اي حدّ مازلت متخوفا من تغوّل الحركة؟ -ما قلته في اجتماع الاتحاد اردت الاشارة من خلاله الى ان بعض الدخلاء على تونس الذين قدموا بفضل فتح الابواب للوافدين ارادوا تسويق افكار بعيدة عن النمط المجتمعي التونسي، والشعب التونسي كان منذ غابر العصور شعبا مسلما يعتبر الاسلام دينا وسطيا. وتونس دولة اسلامية لا تستحق استيراد انماط من الشرق لان لنا نمطنا الاسلامي والتاريخ يثبت ان تونس كانت تصدّر في عهد ابن خلدون التفكير الديني المعتدل حيث تصدر الكتب من القيروان والمهدية وغيرها.. عبد الناصر عين الشيخ الخضر حسين شيخا للأزهر وفي الستينات أبهر الشيخ الفاضل بن عاشور كل مشائخ الازهر بالحديث عن ابن خلدون. البعض يعتبرون تونس بلاد فتح ونحن بلاد دين معتدل. لم تجبني صراحة عن سؤالي؟ - لا أتخوف من تغوّل النهضة لانه ثمّة ما يكفي لحماية تونس من اعادتنا الى الماضي وما فيه من شوائب. * إذن ما الذي تخشاه في ظل الوضع الحالي؟ - لا أخاف من التغوّل بقدر ما أخشى الاستقطاب الثنائي لانه قد يقسم البلاد الى شقين وتدخل في بوتقة المذهبية ثم انه داخل النهضة نفسها ثمة اصناف.. والمهمّ أنه لا بدّ من اليقظة حتى لا يترك مجال لفرض الافكار على المجتمع، وهي مسألة رهينة انسجام المجتمع. كيف تحكم اليوم على تحالفات المعارضة؟ وهل يمكن ان تعيد التوازن الى الخارطة السياسية؟ - لا أريد الحكم على المعارضة لكن اريد التأكيد هنا انه لا حل بديل عن «الترويكا» إلا بتوسيعها واصلاح ذات البين حتى داخل أطرافها. اليوم نتعجب من ظاهرة الرحّل داخل الحياة السياسية والانسلاخات من الأحزاب التي اصبحت تطرح اكثر من سؤال. كيف تنظر الى مشروع تحصين الثورة؟ - ثمة اشياء اذا وقعت من منطلق وازع الانتقام والتشفي فأنا ضدّها لانها حرام.. ولا يمكن اقصاء اشخاص وحرمانهم من حقوقهم السياسية طالما لم يخرقوا القانون ولا يمكن بايّة حال حرمانهم من الانتخابات ولا بدّ ان نترك المجال للشعب حتى يختار. المحاسبة ضرورية وتليها المصالحة، والمحاسبة لا تعني ان نعيد محاكم التفتيش بإسبانيا ولا بدّ من الالتجاء الى القضاء ولا يمكن الإقصاء خارج ذلك ويجب ان نترك الحكم للصندوق وهذا ما قلته بصريح العبارة وها أني أكرره وهذا ما حصل في عديد الدول التي شهدت ثورات. ما هي تحفظاتك بشأن مسودّة الدستور؟ - لا يمكن الحكم عليها الآن لعدم تبلور بعض الفصول لكن لا بدّ من الحرص على التوازن بين السلط والأحسن ان تكون السلطة التنفيذية متوازنة بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة تجنبا للدكتاتورية. يجب ان نستخلص العبر ونتجنب كل اشكال الانفراد بالحكم ونحمي انفسنا من هذه الاخطار باحكام واضحة في الدستور. باعتبارك كنت أحد اعضاء المجلس التأسيسي سنة 1956 كيف تحكم على تجربة المجلس الوطني التأسيسي اليوم؟ - المجلس التأسيسي في سنة 56 كان سيّد التحول رغم بعض المنزلقات والحمد لله تمكنا من بناء أركان الدولة المدنية في تونس، ولا بدّ من الاتعاظ من أخطاء الماضي لان بورقيبة لو قام بالاصلاحات الضرورية لما كان نظام بن علي.. ثمة تباطؤ في نسق عمل المجلس التأسيسي اليوم ولا يعقل إضاعة الوقت في التجاذبات والفلكلور وفي «نقطة نظام» وهي إخلالات لا بدّ من تجنبها رغم ان قيامه بمهام السلطة التشريعية واصدار القوانين والمصادقة على اتفاقيات قد أثر عليه ومن أوكد الواجبات اليوم الحرص على التسريع في صياغة الدستور وتحديد موعد الانتخابات ومختلف المحطات. والمسؤولية هنا يتحملها النواب ورئيس المجلس التأسيسي. هل تعتقد ان ديمقراطيتنا مازالت عرجاء؟ - ديمقراطيتنا مازالت عرجاء فعلا طالما لم تركز المؤسسات القوية من طرف الشعب. ورأس القمة لمّا يكون نزيها وقويّ الشخصية يفرض قيمته ويغرس المبادئ في بقية الاطراف. وماذا عن النظام السياسي الذي يلائم تونس من وجهة نظرك؟ - النظام السياسي يحسم بالحوار ويبدو ان ظروف نجاح الحوار متوفرة، لا نريد نظاما برلمانيا مطلقا او نظاما رئاسيّا من النوع الديمقراطي، والمهمّ الفصل بين السلط. ولا بدّ من اختيار الصيغة التي تلائم تونس من خلال نمط فيه توازن مثلما هو موجود في اسبانيا وفرنسا والبرتغال واليونان، فلا إفراط ولا تفريط، ولنا أكفاء من رجال القانون الدستوري لاستنباط النمط الملائم، بشرط عدم الدخول في العراك السياسي. قبل ان أختم معك الحديث اطلب منك توجيه ثلاث رسائل؟ 1 رسالة أولى للحكومة. - عليها تفعيل متطلبات الثورة في الحرية والديمقراطية وكرامة المواطن. والتصرف في الشؤون الحالية للبلاد وحل المشاكل الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والاستجابة لمطالب المواطنين وتحقيق الأمن. 2 رسالة ثانية للمعارضة. - يجب ان تعتبر نفسها مثل الحكومة مسؤولة على البلاد وتنخرط في التنافس الشريف مع خصومها. وتكون معارضة لا ترمي الى التهديم وانما الى البناء. 3 رسالة ثالثة للشعب. أرجو من الشعب التحلي بقدر أدنى من الاخلاق السامية واجتناب العنف والشعور بالمسؤولية ومصلحة الوطن وعلى الشعب ان يتحلى ب"شوية صبر" مع تفهم الأولويات.