في الوقت الذي تعددت فيه الاستشارات والحوارات الوطنية حول اصلاح المنظومة التربوية والتعليم الابتدائي خصوصا وتنوعت فيه الاراء مازالت المقترحات التي توصلت اليها مختلف اللجان مجرد حبر على ورق. ورغم اننا سمعنا الكثير عن الملامح الاولية لخارطة طريق الاصلاح فان رصد الاستراتيجية المثلى وانطلاق الانجاز مازال غائبا رغم دعوة مختلف الاطراف الى الاسراع في الاصلاح لما بلغته منظومة التعليم الابتدائي من تدني يطرح عديد التساؤلات . ونظرا لقيمة اراء أصحاب الخبرة فقد تحدثنا في هذا الموضوع مع عديد الاطارات التربوية من معلمين ومرشدين بيداغوجيين وان اختلفت مقترحاتهم وتنوعت فانها دعت سلطة الاشراف الى الاسراع في الشروع في الاصلاح الذي تأخر كثيرا على حد تعبيرهم. واعتبر صلاح بن منصور - الذي تواصلت مسيرته التعليمية على مدى 35 سنة من 1972 الى 2007 حيث تقاعد في رتبة معلم تطبيق أول- ان اختلاف طرق تكوين المربين و تعدد الطرق البيداغوجية دون تقييمها بصفة جدية وناجعة أثر سلبيا على مستوى التلميذ والمعلم .واضاف «ان غياب الترغيب في المطالعة اثر كذلك على مستوى التلميذ اللغوي شفويا وكتابيا باعتبار ان التلميذ في السبعينات كان يحرر موضوع انشائي بصفة مرضية وبمستوى طيب في حين لا يقدر تلميذ اليوم على تحرير فقرة قصيرة خالية من الاخطاء لعدم امتلاكه لزاد لغوي. ان كثرة المواد أدت الى تعدد الكتب مما يضر التلميذ حتى من الناحية النفسية حيث لا يمكنه الالمام بكل هذه المواد مهما كانت قدراته ومهما بذل من مجهود .» التكوين و نقطة الاستفهام وشدد بن منصور على ان المطلوب اليوم من سلطة الاشراف اعادة النظر في تكوين المعلمين مثل ما وقع في السبعينات حيث تم تكوين مدارس ترشيح المعلمين التي أعطت ثمارها مع تكثيف التربصات للمعلمين اضافة الى اعادة النظر في البرامج التي لا تتلاءم مع مستوى التلميذ التونسي .ودعا لضرورة التوجيه المبكر للراغبين من التلاميذ للالتحاق بسلك التعليم الى مدارس مختصة في الغرض. ولئن دعت امال الوسلاتي معلمة تطبيق أول ومديرة مدرسة الى اعادة المنظومة التربوية القديمة بما فيها مناظرة السيزيام والعمل بالرسوب لشحذ همم التلميذ على المراجعة وتطوير مستواه فانها طالبت بضرورة تعميم السنة التحضيرية على مختلف المدارس الابتدائية واعادة المدارس العليا لتكوين المعلمين باعتبار ان مستوى المعلمين تدنى وانهار منذ ان اغلقت أبوابها لان المعلم اليوم يفتقر الى التكوين اللازم . مراجعة بيداغوجية ان كثافة البرامج أنهكت المعلم وزادت في فقدانه لمستواه الاصلي لانه مطالب بالاعتماد على الوثائق البيداغوجية الجاهزة محتوى وتمارين في وقت كان يحتم عليه في السابق مراجعة عديد الكتب من اجل تكوين مذكراته وفقا لوجهة نظر المنذر بن جابر - مرشد بيداغوجي متقاعد عمل في سلك التعليم من 1968 الى 2004- الذي اضاف «اليوم المذكرات جاهزة والتمارين جاهزة والاصلاح جاهز .وتابع «ضعف اطار التفقد والارشاد لانه اصبح يعتمد على الامور النظرية والفائدة في التطبيق ثم ان التعليم الابتدائي لا يتطلب كثرة معلومات بقدر ما يحتاج الى الى طرق تبليغ المعلومة .ثم ان اعتماد البرامج الامريكية من قبيل السهم والصحيح والخطأ ساهمت بقسط كبير في تدني المستوى لاننا في السابق كنا نكتب التمارين واليوم يطلبون منه «اربط بسهم». ومن جانبه اعتبر سعيد الشابي وهو مدير سابق متقاعد ان أسباب تدني مستوى التعليم تتلخص في تغيير البرامج باستمرار وغياب التكوين المستمر للمعلمين وانشغال التلميذ بالتلفزة والانترنات وسوء استعمالها في الاتجاه الصحيح والسليم في غياب التوجيه اضافة الى ان الوضع المادي الصعب للمعلم اضطره الى اللجوء الى المدارس الخاصة ودروس التدارك انتقاد الوثائق الجاهزة وعلى صعيد اخر انتقد كل المربين الذين تحدثنا معهم الطرق البيداغوجية التي طغى عليها التغيير متسائلين عن مدى جدوى الكفايات الاساسية التي أفضت الى نتائج سلبية وكانت سببا في تدني مستوى التلميذ .وكما أضاف: سعيد الشابي «ان الوثائق الجاهزة التي أصبح يستعملها المربي والتغيير المستمر للطرق البيداغوجية كان لابد ان يؤثر على المستوى كما ان عدم توفر الوسائل التوضيحية والمخبرية لاجراء التجارب جعل التلميذ مستهلكا لا منتجا في حين كان يجب ان ينتج ثم يستهلك ما انتج . تعديلات ضرورية وشددت بسمة السويسي البجاوي - معلمة تطبيق اول و مدربة تنمية بشرية و استشاري تربوي أبوي - على ان الاصلاح يجب ان يشمل البرامج التعليمية اولا و الاطار التربوي ايضا لانه كل ما اشركنا المعلم خاصة من ذوي الخبرة و الاقدمية نجد المقترحات التي يمكن ان تعطي نتائج مرجوة في الاصلاح على حسب تعبيرها. وتابعت قائلة «انه على الوزارة تعيين لجنة من المعلمين من ذوي الخبرة في التعليم لاعداد استبيان يجمع بعض المقترحات ثم يسهروا على دراسة اهمها للقيام ببعض التعديلات في البرامج التعليمية و الاساليب البيداغوجية و الكتب المدرسية . كذلك لابد ان نرفع المستوى البيداغوجي للمربي و ذلك باقامة دورات تدريب خاصة في طرق التدريس و كيفية التعامل مع المتعلم وطرق تحفيزه حتى يصير دور المعلم دور المنشط في الفصل و ليس دور المتسلط الذي يمتلك المعلومة»