مدنين: بطاحات جزيرة جربة تستأنف نشاطها    أخبار المال والأعمال    مدعوما بتحسن الإيرادات الخارجية: ميزان المدفوعات يستعيد توازنه    المتبسطة القيروان مشروع للطاقة الشمسية الفولطاضوئية بقدرة 100 ميغاواط    إلى حدود 6 ماي تصدير 8500 طن من القوارص منها 7700 طن نحو فرنسا    كأس تونس: نادي محيط قرقنة يواجه اليوم الترجي الرياضي    اليوم.. انطلاق اختبارات ''البكالوريا البيضاء''    هذا ما تقرر في قضية الوثائق السرية للرئيس الأمريكي السابق ترامب..    هزة أرضية بقوة 4.7 درجات تضرب هذه المنطقة..    "دور المسرح في مواجهة العنف" ضمن حوارات ثقافية يوم السبت 11 ماي    اعتبارًا من هذا التاريخ: تطبيق عقوبة مخالفة تعليمات الحج من دون تصريح    جيش الاحتلال يشن غارات على أهداف لحزب الله في 6 مناطق جنوب لبنان    هذا فحوى لقاء رئيس الحكومة بمحافظ البنك المركزي التونسي..    رابطة أبطال أوروبا: بوروسيا دورتموند يتأهل للنهائي على حساب باريس سان جيرمان    فظيع: وفاة طفل بعد نسيانه داخل سيارة لنقل التلاميذ    ومن الحب ما قتل.. شاب ينهي حياة خطيبته ويلقي بنفسه من الدور الخامس    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    طالبة سعودية تبتكر عصا ونظارة ذكية لدعم المكفوفين    عاجل/ سحب لقاح "أسترازينيكا" في جميع أنحاء العالم..    محرز الغنوشي: رجعت الشتوية..    كوريا الشمالية: وفاة "مهندس تقديس الأسرة الحاكمة"    ماذا في لقاء وزير الخارجية بعدد من الكفاءات التونسية بالسينغال؟    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    دورتموند يفوزعلى باريس سان جيرمان ويصل لنهائي أبطال أوروبا    وزير السياحة: اهتمام حكومي لدفع الاستثمار في قطاع الصناعات التقليدية وتذليل كل الصعوبات التي يواجهها العاملون به    البنك المركزي: ارتفاع عائدات السياحة بنسبة 8 بالمائة موفى شهر افريل 2024    مدنين: الجهة قادرة على توفير حاجياتها من أضاحي العيد وتزويد جهات أخرى (رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة)    جراد: الخونة والعملاء الذين تٱمروا على أمن الدولة يريدون استغلال ملف الهجرة لإسقاط قيس سعيد    أمطار أحيانا غزيرة بالمناطق الغربية وتصل الى 60 مم خاصة بالكاف وسليانة والقصرين بداية من بعد ظهر الثلاثاء    لإحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه وبحوزته مخدرات    سيدي حسين: القبض على منفذ عملية براكاج لمحل بيع الفواكه الجافة    البرلمان يصادق على تنقيح القانون المتعلق بمراكز الاصطياف والترفيه لتشمل خدماتها فئات جديدة من الأطفال ذوي الهشاشة    فرقة "مالوف تونس في باريس" تقدم سهرة موسيقية مساء يوم 11 ماي في "سان جرمان"    الجزائري مصطفى غربال حكما لمباراة الترجي الرياضي والاهلي المصري    المرحلة التاهيلية لكاس الرابطة الافريقية لكرة السلة: الاتحاد المنستيري ينقاد الى خسارته الثالثة    بمناسبة اليوم العالمي لغسل الأيدي: يوم تحسيسي بمستشفى شارل نيكول حول أهمية غسل الأيدي للتوقي من الأمراض المعدية    الخارجية المصرية.. لا يمكن أن تستمر الانتهاكات الإسرائيلية دون محاسبة    مصر: تعرض رجال أعمال كندي لإطلاق نار في الإسكندرية    اتحاد تطاوين.. سامي القفصي يعلن انسحابه من تدريب الفريق    بعض مناضلي ودعاة الحرية مصالحهم المادية قبل المصلحة الوطنية …فتحي الجموسي    ولاية رئاسية ''خامسة'' : بوتين يؤدي اليمين الدستورية    Titre    المهديّة :ايقاف امام خطيب بسبب تلفظه بكلمة بذيئة    من الحمام: غادة عبد الرازق تثير الجدل بجلسة تصوير جديدة    نحو صياغة كراس شروط لتنظيم العربات المتنقلة للأكلات الجاهزة    المتلوي: حجز 51 قطعة زطلة بحوزة شخص محل 06 مناشير تفتيش    أبطال أوروبا: ريال مدريد يستضيف غدا بايرن ميونيخ    سليانة: تخصيص عقار بالحي الإداري بسليانة الجنوبيّة لإحداث مسرح للهواء الطلق    اتصالات تونس تنخرط في مبادرة "سينما تدور" (فيديو)    تونس : 6% من البالغين مصابون ''بالربو''    فتوى تهم التونسيين بمناسبة عيد الاضحى ...ماهي ؟    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك: "أرباح القصابين تتراوح بين 15 و20 دينار وهو أمر غير مقبول"    الفنان بلقاسم بوقنّة في حوار ل«الشروق» قبل وفاته مشكلتنا تربوية بالأساس    رئيسة قسم أمراض صدرية: 10% من الأطفال في تونس مصابون بالربو    أولا وأخيرا .. دود الأرض    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    العمل شرف وعبادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسئلة حول الربيع العربي وانقلاب المفاهيم
نشر في الصباح يوم 02 - 07 - 2013


بقلم: الأستاذ محمد الحبيب الأسود*
قبل الحراك الثوري الذي شهدته بعض الدول العربية، كانت القوى السياسية الناشطة ضد أنظمة الفساد والاستبداد، تجمعها قيم نضالية،
لا تختلف حولها كثوابت في النضال العروبي والوطني والإسلامي، يمينا ويسارا، تطرّفا واعتدالا...
ومن بين هذه القيم، مركزية القضية الفلسطينية، وتجريم أي تطبيع مع دولة الإرهاب والاحتلال، بما يعني العداء والرفض الثابت للكيان الصهيوني الغاصب ولكل أشكال التلاقي معه بأي نوع من أنواع التطبيع التجاري أو الثقافي أو السياسي، وألا خلاف ولا عداء بيننا كأطياف سياسية وانتماءات فكرية أو مذهبية يفوق عداءنا ل"إسرائيل"، وقد كانت شعارات القوى الإسلامية وحتى غير الإسلامية تقول في ما يخص القضية الفلسطينية، بأن الطريق إلى القدس وتحرير فلسطين وتخليصها من ربقة اليهود الصهاينة، تمر حتما عبر إسقاط الطاغوت والحكام العملاء صنيعة الغرب المتصهين... وأن أمريكا قوة إمبريالية تعمل على إضعاف الدول العربية والإسلامية سياسيا واقتصاديا وعسكريا لضمان وجود وتفوّق وسلامة وأمن الدولة العبرية، وأن العداء للإمبريالية لا يقل حدة عن العداء للصهيونية... ومن القيم الثابتة أيضا في نضالات النخبة، أن صندوق النقد الدولي هو صنيعة الأنظمة الرأسمالية الخبيثة، وهو آلة إفلاس وخراب واحتلال تحركها قوى التحالف الغربي الصهيوني لتركيع إرادة الشعوب عند رغبة الاستكبار العالمي... وأن التنوع العرقي والثقافي والديني والمذهبي والفكري والإيديولوجي يشكل جميعها عوامل قوة ثورية وزادا ثقافيا يتجه بالأمة نحو التحرر من التخلف والاستبداد وحكم الحزب الواحد والزعيم الأوحد، حتى أننا نذكر في خطبنا الوحدوية جمال الدين الأفغاني ذا الأصول الإيرانية كرائد من رواد النهضة العربية والإسلامية، ونشيد بنضال عبد الكريم الخطابي الأمازيغي الذي حمل لواء الكفاح المسلح ضد الغازي الأجنبي، وأول من استعمل مصطلح "المغرب العربي الكبير" كوحدة إسلامية متجانسة، ونذكر صلاح الدين الأيوبي الكردي الذي حرر بيت المقدس تحت راية الإسلام، ولا ننسى ما ألهمتنا به الثورة الإسلامية في إيران من حماسة وثورية وتمرد على أوضاع الفساد والاستبداد، وما نهلناه من كتب علماء ومفكري أهل الشيعة في مجالات السياسة والحكم والاقتصاد والمناهج العلمية الأخرى، دون أن نشعر بأي فرق بين سنة وشيعة، وعرب وفرس وأكراد وبربر... وكنا نرى في قولة "لا إله إلا الله" أمرا جامعا لكل الملل والمذاهب... ولكن...
بعد هذا الحراك انقلبت المفاهيم واختلت معايير النضال، فأصبحت "إسرائيل" في عيون البعض حليفة يمكن التعامل معها لإسقاط أنظمة مستبدة، أو للحصول على قروض وامتيازات بشروط ورضا العم سام، وأن القضية الفلسطينية قضية إقليمية وشأن ثنائي بين "إسرائيل" وعرب فلسطين...
وسقط الحكام العملاء في ربيع الثورات العربية، ولم تفتح الطريق إلى القدس، ولم تعلو الأصوات للجهاد في سبيل الله من أجل تحرير فلسطين، بل الذي تم هو إحكام غلق هذه الطريق، بدءا بتدجين قوى المقاومة في غزة وتهدئتها بالضغط عليها سياسيا وعسكريا واقتصاديا حتى توقف نشاطها ضد الكيان الصهيوني، وصارت المقاومة ضد "إسرائيل" تعتبر انتحارا وإحراجا لأنظمة الربيع العربي، ورفض مناضلو الأمس أن تتضمن دساتير بلدانهم بنودا تجرّم الاعتراف والتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب والإرهابي، وتعالت بدل ذلك الأصوات بالتكبير والتكفير والتخوين بين العرب والمسلمين بعضهم البعض، وتنادوا للقتال وحمل السلاح ضد إخوانهم، فسالت دماء المسلمين، وحقنت دماء اليهود الصهاينة المعتدين، ودارت آلة التدمير الذاتي، لتدمر الثوابت والقوة والذات والسيادة، في اتجاه إنتاج أنظمة مائعة ومجتمعات عربية جديدة لا ملامح لها، فاقدة لهويتها وجاهلة بذاتها، وتتحرك تحت رقابة المخابرات الأجنبية... وأمست "إسرائيل" أكثر أمانا حين أفتى أحد شيوخ "المجامع العلمية" بأن طائفة من المسلمين أكفرُ من اليهود... وقد تم لأمريكا قبل ذلك، أن وضعت دولة مصر منذ معاهدة كامب ديفيد للسلام تحت الرقابة العسكرية وتحت رحمة المعونات الأمريكية، فلا خوف على الكيان الصهيوني من مصر، خاصة بعد أن اتجه حكام مصر الجدد ما بعد الثورة نحو توطيد العلاقات مع "إسرائيل" وتهدئة المقاومة في غزة، وقطع العلاقات مع سوريا وإعلان الحرب عليها بتقديم السلاح للمعارضة، بعد أن كانوا يمجّدون دور سوريا في إسناد المقاومة، ويلعنون "إسرائيل" ويصفون قادتها بالمجرمين، وها هو رئيس أمريكا الحاكم بأمره في العالم، يُهيّئ الأجواء الدولية والإقليمية، لإحداث المزيد من المجازر في سوريا ومزيد من الانقسامات في الشارع العربي... واستغلوا غضب وانتفاضة الشعب ضد فساد الحكم في سوريا، ليحوّلوا تلك الثورة السياسية والسلمية إلى اقتتال مذهبي وتطاحن طائفي وعرقي، ليزداد الوضع العربي سوء على سوء، وتزداد "إسرائيل" اطمئنانا على اطمئنان...
هكذا انقلبت المعايير والمفاهيم... ودخلت أنظمة بلدان الربيع العربي بالترغيب والترهيب تحت المنظومة الأمنية الأطلسية، التي من إستراتيجيتها الحفاظ على أمن "إسرائيل" واستمرار تفوقها العسكري والعلمي والاقتصادي على سائر دول العالم العربي والإسلامي، وبالتبعية لذلك انخرط اقتصاد هذه البلدان في نظام السوق العالمي الذي تحكمه الرأسمالية الليبرالية العالمية وتسيطر على دواليبه البنوك الأمريكية والصيارفة اليهود، وبناء على ذلك وبانقلاب المفاهيم واختلال المعايير في أذهان وسلوك الذين ناضلوا بالأمس ضد قوى الاستكبار في العالم وضد عملائهم من الحكام العرب، ونادوا بتنمية بلدانهم وبسيادة أوطانهم وباستقلالية قرارهم الوطني، صار صندوق النقد الدولي ملاذا للإنقاذ من الإفلاس لدول الربيع العربي، وقروضه المشروطة الماسة بسيادة الدول وثقافات الشعوب وعقائدهم، ضرورة ثورية لدفع عجلة التنمية، وإنقاذ الاقتصاد الوطني... هكذا تبعثرت وتناقضت الكلمات في قاموس النضال والسياسة عند العرب... وعوامل التنوع والوحدة أصبحت عوامل تفرقة وتمزق، واتجهت المذاهب الدينية والأعراق والطوائف... نحو التميّز والخصوصية ورفض الاندماج والتقارب والبناء الجماعي للمجتمع، وبحثت عن الإستقلال بذاتها أو الاستبداد برأيها... واستبدلوا العداء للكيان الصهيوني بعدائهم بعضهم لبعض...
هل بهذا قد وصلت "إسرائيل" إلى قمة علوها في الأرض، وذروة نجاحها المخابراتي، وطالت بذلك سقف براعتها في صنع الحروب والفتن وتدمير الشعوب والأمم، وهي تقف على أنقاض الاحتقان والاقتتال والدمار والفوضى في بلاد العرب والإسلام، في تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن وتركيا والسودان...؟ وهل هي مؤشرات السقوط من الذروة وبداية انحدار الكيان الصهيوني إلى أسفل، وانتهاء أسطورة "إسرائيل"...؟
هل ما وصل إليه أبناء الإسلام من تفرقة وتمزق بين إسلامي وعلماني وحداثي، بين إسلامي معتدل وآخر متطرف وآخر جهادي، بين سلفي ووهابي وشيعي، بين مالكي وحنبلي وجعفري، بين عربي وفارسي وكردي وبربري... هو علامات التدافع نحو التميّز، نحو الفرز الإلهي للأصلح، لصحوة إسلامية ما بعدها غفلة، ونهضة حضارية ما بعدها نكبة... أم هو الثبور والسقوط والتخلف عن ركب القوة والنماء والحضارة...؟ فماذا أعددنا للأجيال القادمة؟ احتقان وظغائن وتفرّق وتمزق وضعف وهوان... أم هي أيّام سيميز الله فيها الخبيث من الطيب... ويتحقق وعد الله حين تشتد الفتنة ويختلط الحق بالباطل، ويصبح الحليم حيرانا وسط الظغائن والكراهية والعداوة بين بني الدين الواحد والوطن الواحد، فيصدق قوله تعالى "ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب، وما كان الله ليطلعكم على الغيب" (آل عمران) وتكون بعدها يقظة لأمة الإسلام لا غفوة بعدها، وهبّة حضارية لا انتكاسة بعدها... إني أرى حالنا كحال الذي اختار أن يقطع مفازة وعرة فيها كل العوائق والعراقيل المانعة للتقدم بسلام في عتمة الليل المخيف، وهو يتجه نحو بصيص من النور، ويحدوه الأمل أن يجد عند ذلك النور النجاة والرحب والسعة، والحفظ في النفس والعقل والعرض والمال والدين... ومهما طالت طريق الظلمة والأشواك، ستبقى المبادئ والثوابت متقدة وحية فينا حتى وإن خمدت إلى حين، وستبقى الكلمات الفاصلات محفورة في الذاكرة والذات، تذكرنا دوما بأن الكيان الصهيوني عدو لنا وللإنسانية جمعا، ولن نعترف به أبدا... وأن فلسطين جرحنا النازف لن يندمل حتى تحرير فلسطين كل فلسطين... وأن الصحوة الثورية والعربية والإسلامية ستصنع بإذن الله المستقبل الأفضل لشعوبنا... وبعد اكتمال هذه الصحوة وتحت راية السلام والتوحيد، ستعيش في رعاية الله كل الديانات والأعراق والمذاهب والطوائف بما فيهم اليهود أنفسهم، وهم ينعمون جميعا بالحرية والكرامة والسلام... وإن المستقبل لآت، وإنه لأفضل بإذن الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.