استطاع الشاعر نجيب بن علي أن يطوع التاريخ لإرادته الشعرية وأن يستلهم من أبرز المحطات والوقائع والأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها ليبلور توقه إلى عالم عربي جديد في مجموعته الشعرية الجديدة "شرفات الوطن الآخر" الصادرة عن مؤسسة دار الكتاب الحديث بلبنان بمطابع الحرف العربي في طبعته الأولى خلال الأشهر الأخيرة. وذلك من خلال ترجمة الوقائع والأحداث التي عرفتها بلدان الربيع العربي بطريقة شعرية فيها من الفنية والصناعة الأدبية ما يجعل الصور الشعرية تنهل من هذا المعطى الإنساني وتقدم صورا وتعابير غنية بالمعاني ثرية بالدلالات مما يجعل لغة الشعر عنده ناطقة بأحاسيس وأفكار وحاملة لقضايا انسانية راهنة تتراوح بين الحب والسعادة والشباب والوطن والحرية وغيرها. وتجدر الإشارة إلى أن نجيب بن علي يدرس اللغة الأنقليزية بجامعة حائل بالسعودية منذ سنوات وهو من مواليد بنزرت. ومجموعة "شرفات الوطن الآخر" هي الثالثة في رصيد الشاعر بعد ديوان "قصائد من تحت أنقاض الأرض" الذي صدر بالقاهرة سنة 2009 ومجموعة "رسائل" التي صدرت ببيروت في السنة المنقضية. يستحضر الشاعر في هذه المجموعة الشعرية، التي تضم عشرين قصيدة من الشعر المقفى الموزون، أحداث ووقائع ومدن حوّلها الشاعر إلى منهل لفن الكتابة. وما يتميز به نجيب بن علي في هذه المجموعة الشعرية أنه يرواح بين الماضي والحاضر في الزمان والمكان والأشخاص الذين كانوا رموزا في التاريخ العربي الاسلامي. وفسّر الشاعر هذا التوظيف قائلا:" استفزتني أحداث ومظاهر العنف في تونس وغيرها من البلدان العربية التي عرفت ثورات بدواع ايديولوجية او سياسية فطفت على السطح استفهامات من قبيل عودة الاسلام أو أسلمة الدولة وتعريب المجتمعات. وقد أردت أن أبيّن للجميع أن تونس والبلاد العربية متجذرة في الحضارة وأن الثقافة العربية الاسلامية تاريخية وليست غريبة على بلدان والثورات مثلما يدعي البعض ممن يعملون على ضرب أهداف هذه الثورات وتهميش قضايا ومطالب شعوبها وشبابها". وووظف في هذا المجال المعتمد بن عباد في قصيدة "الغريب الرائح الغادي". إذ جعل منه رمزا وإشكالا فقدمه في مقاربة شعرية تاريخية على ضوء التاريخ العربي المتشنج بين الاستقرار والثورة والصراع الأزلي من أجل السلطة والثروة والجاه. لتنبني تجربته الشعرية على المراوحة بين الماضي والحاضر على اعتبار أن الماضي والحاضر صنوان وركيزتان لبناء المستقبل. ولعل هذا الوعي بالتاريخ الشعري هو الذي دفع نجيب بن علي لينطلق من الأندلس المفقود ليعيد تشكل فسيفساء التاريخ في صور شعرية فيها من الجمالية والرمزية والدلالة ما يرتقي بالمادة الشعرية التي يقدمها. لتنتقل بوصلة الزمن عنده في نفس المقاربة إلى الزمن الحاضر والأحداث الراهنة التي تشهدها بعض البلدان العربية ليحط رحاله الشعري في "حمص" خالد بن الوليد و"حلب" لتطفو على سطح القصيدة حميمية العلاقة بين الشاعر وهموم أمة لازالت تعيش تحت وقع التجاذبات والبحث عن الحلول الممكنة للخروج من أزماتها وعن كون جديد لها يستشرفه الشاعر ويكون بمثابة الوطن البديل في طرح افتراضي خيالي أقرب ما يكون إلى الواقع من خلال "شرفات الوطن الآخر". تجربة شعرية حاملة لهموم المواطن والشباب الضائع بالخصوص ويقول الشاعر في ذات الإطار:"أعتبر تجربتي الشعرية حاملة لرسائل إنسانية من واقعنا لأني على يقين بأن الشاعر أو المثقف يجب أن يترجم خصوصيات وطنه وانتماءه وأفكاره وهو تقريبا ما حاولت نقله في هذه المجموعة الشعرية رغم أني أعيش وأعمل بإحدى دول الخليج العربي ولكني مسكون بقضايا بلدي وهاجس المجتمع التونسي الذي يطمع إلى وطن جديد وفق مقاييس تحقيق أهداف الثورة". تحدث نجيب بن علي عن قضايا الشباب وأحلامهم ومعاناتهم ليقدم في قصائد" حلم وكفن" و"ملوك الظلام المؤقت" و"قصة ثورة " رسائل ناطقة باسم المقهورين والمضطهدين في أوطانهم. ليبيّن أن في الثورة لم تقطع مع غول الهجرة والانحراف والبطالة والتهميش لا بل كرست معاناة الشباب وضاعفت من أزماته ليبقى غول الموت وركوب موج البحر هربا من وعود أنظمة جديدة لم تغير شيئا من واقع البلاد والعباد. وقد انطوى هذا الكتاب الجديد على قصائد غنية بالمعاني لتكشف مدى قدرة الشاعر على الخروج من الذاتي العاطفي إلى الإنساني. ولعل في إيمان الشاعر بالانفتاح على الواقع وإصراره على النهوض بصورة الوطن والمجتمع والانسان بعيدا عن أي خلفية سياسية أو حزبية من العوامل التي جعلت التجربة الشعرية عنده متميزة وقريبة إلى النفاذ لدى المتلقي والنقاد على حد السواء. وعلل ذلك بقوله:" وجدت أن صورة تونس تبقى مشرقة ومختلفة عن بقية الأمم. وقد تعزز ذلك بعد الثورة رغم كيد المغرضين والمتربصين ببلادنا". نزيهة الغصباني
حلم وكفن على الغيم أحلامهم قد مشت شباب بأعينهم قد أناروا شباب كبدر يضاحك ليلا يطالع رؤاه ضحكة وجه بهم ضاق صدر البلد فقالوا على قارب الموت حلم وكفن وخطاهم على دربهم يفع طريقا إلى المجد تطّلع بزهر نجومه يلتمع وفي القلب يسكنه الوجع لنا الموت في البحر متسع