يبدو أن سوابق نظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي في الظلم والعدوانية والاغتيالات لم تنحصر في أبناء شعبه بل طالت حتى الأجانب من عدة جنسيات على غرار مسؤوليته في اختفاء الإمام الشيعي موسى الصدر وتفجير طائرة لوكربي وغيرهما من الأحداث التي شوهت نظام عقيد صورته مشوهة خلقا... هذا الظلم طال أيضا عددا من التونسيين ومنهم المواطن عبد اللطيف بوغزالة(72سنة) الذي اتهمه نظام القذافي بالخيانة العظمى والتجسس لفائدة الكيان الصهيوني وأذاقه ألوانا وأشكالا من العذاب قبل أن يلقي به باطلا مع الخونة في السجون لحوالي 14 سنة.. واليوم يطالب عبد اللطيف، وهو شيخ طاعن في السن ويعاني من عدة أمراض مزمنة جراء سنوات التعذيب والظلم والقهر في غياهب سجون القذافي بمتابعة قضيته من قبل الحكومة التونسية وفتح قنوات الاتصال مع الحكومة الليبية الجديدة، ولذلك قام بمراسلة وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية وسرد في رسالته المظلمة الصارخة التي تعرض لها زمن نظام القذافي وطالب بالتدخل لفائدته لدى الحكومة الليبية من أجل رد الاعتبار له كمواطن تونسي ظلم زمن القذافي والتعويض له عن سنوات الظلم التي عاشها أسيرا في زنزانة. وكان عبد اللطيف روى لنا تفاصيل قضيته فقال:"سافرت عام 1968 إلى بلجيكا وتمكنت بمساعدة أحد الأقارب من العثور على موطن شغل بالسفارة الليبية كسائق خاص للقائم بأعمال تلك السفارة وسارت الامور على أحسن حال". وأضاف محدثنا:" ولكن في عام1974 طلب مني القائم بالأعمال السفر إلى ليبيا وحمّلني رسالة إلى وزير خارجية بلده كما دعاني إلى التوجه إلى منزل شقيقه لجلب بعض الأغراض وأسلمها لاحقا لأقاربه، وبوصولي إلى مطار طرابلس استقبلني موظف بوزارة الخارجية الذي اكتشفت فيما بعد انه من الاستخبارات واصطحبني إلى نزل بطرابلس حيث قضيت ليلتي، وفي الصباح توجهت إلى وزارة الخارجية حيث سلمت الرسالة للوزير ثم توجهت إلى المطار على ان يلتحق بي مرافقي بعد أن يجلب لي معه أدباشي ومبلغا ماليا وبعض المصوغ الذي اقتنيته لزوجتي وحين كنت انتظر الطائرة فوجئت بأربعة أشخاص مسلحين يقتحمون قاعة الانتظار ويغلقون الأبواب قبل ان يلقوا القبض عليّ ويعلموني أنهم من المخابرات الليبية وانني جاسوس... لفائدة الموساد الإسرائلي...». عذاب طيلة أيام وليال يواصل عبد اللطيف قائلا:" أغمضوا لي عينيّ واقتادوني إلى سيارة ثم إلى غرفة نتنة بدهليز أين انهالوا عليّ ضربا ولكما وركلا دون رحمة ولا شفقة مما تسبب في كسر أسناني ثم نقلوني إلى مكتب بالطابق السفلي وشدوا وثاقي إلى كرسي ثم جاء شخص قال إنه وكيل النيابة العامة وواجهنني بتهم التجسس على مصالح ليبيا لفائدة الكيان الصهيوني ورغم تمسكي ببراءتي فإنني ذقت أشكالا من العذاب طيلة 46 يوما مازالت آثارها شاهدة إلى اليوم على ما تعرضت إليه». وأضاف محدثنا:» كانوا يشدون وثاقي ويعلقونني في الفضاء ثم ينزلونني تارة في الماء الساخن وتارة أخرى في الماء البارد... فضلا عن الدجاجة المصلية المعتمدة هناك أيضا... وشد وثاقي إلى سرير وصعقي بالتيارالكهربائي حتى أغمي عليّ فنقلوني إلى المستشفى ومنه مباشرة وانا مقيد بالأغلال نحو مبنى النيابة العامة". البراءة ثم السجن "وأمام المحكمة أعلمني القاضي انني متهم بتقديم معلومات للكيان الإسرائيلي عن اقتناء ليبيا لطائرات حربية من فرنسا"-يتابع محدثنا-" فنفيت التهمة وتمسكت ببراءتي وأعلمته ان الصحف الفرنسية نشرت الخبر منذ إبرام الصفقة... ثم اتهمني بتسريب معطيات سرية حول نظام الصواريخ فنفيت أيضا وأعلمته أنني جئت إلى بلدهم لأول مرة وبجلب الشاهد الأول والذي لم يكن سوى القائم باعمال السفارة الليبية ببروكسال أفاد بأنني كنت أرابط أمام أبواب مكاتب الموظفين لسماع ما يدور بينهم(!!) وأما الشاهد الثاني فلم يكن سوى سجينا لذلك رفض القاضي سماع شهادته المطعون فيها ومنحني في النهاية براءتي من التهم الموجهة لي والمتعلقة بتزويد عملاء دولة إسرائيل العاملين ببلجيكا بأسرار تتعلق بالدفاع عن أراضيها من خلال تقليد مفتاح الحقيبة الديبلوماسية واستعماله في فتح الحقيبة وعرض محتوياتها على عملاء إسرائيل الذين التقطوا صورا لها ومن بينها أسرار دفاعية... ولكن كل هذه الادعاءات لم يتم إثباتها»., هل تتدخل السلطات التونسية؟ رغم هذه البراءة فقد أودع عبد اللطيف زنزانة وظل بها طيلة ثمانية أشهر ثم نقل إلى محكمة ثانية حيث صرّح أمامه القاضي بنص الحكم الجاهز وهو السجن المؤبد دون أن يمنحه أي فرصة للدفاع عن نفسه وبالتالي أودع هذا التونسي السجن وظل إلى حدود سنة 1988 تاريخ العفو عنه خلف القضبان ضحية للإهانة والقهر والقمع والظلم والتعذيب النفسي والجسدي لنظام لا يعرف غير القوة في التعامل مع القضايا دون تفرقة بين بريء أو غير بريء... واليوم ينتظر عبد اللطيف من الحكومة التونسية التدخل لفائدته لدى السلطات الليبية للتعويض عن سنوات الظلم التي دمرت حياته وقلبتها رأسا على عقب.