يفترض أن يكون الشعب الفلسطيني في ظل شرعية واحدة ما دام يناضل من أجل حريته وإقامة دولته المستقلة على أرضه حتى لا تتجاذبه الانتماءات الحزبية والفئوية ولا تتنازعه الأهواء والمصالح الضيقة إن ما يشهده قطاع غزة من فوضى تغطيها وتتستر عليها حركة «حماس» باسم الشرعية ليتولى مقاتلوها السيطرة على القطاع فيما يشبه إقامة دويلة «حماس» خصوصا بعد المشاهد التي بدا فيها المقاتلون وهم يحتلون مقرات رسمية يقبلون الأرض وكأن أقدامهم وطأت القدس الشريف في مشهد لا يترجم نصرا بقدر ما يعبر عن واقع أليم. ويبدو أن الاشتباكات أو الصراع بين حركتي «فتح» و«حماس» يترجم عن حرب علنية بين «الشرعيات» لأن الفلسطينيين تنظيمات وسلطة ورأيا عاما عددوا الشرعيات فتعددت معها المشاكل والتعقيدات وهذا أمر لم يكن يلمس في السابق في فترة زعامة عرفات رغم التنافس الشديد بين «فتح» و«الشعبية» و«الديموقراطية» و«الشعبية-القيادة العامة» كان هناك حد أدنى لا يمكن تخطيه في التعبير عن الخلافات والاختلافات وهو ما كان يشكل الديموقراطية الفلسطينية رغم كونها في صلب حركة تحرير وطني واحدة. ولعل تعدد الشرعيات شكل مجالا لجملة من الانفلاتات السياسية والأمنية والاجتماعية، فهناك الشرعية التاريخية لمنظمة التحرير الفلسطينية ثم هناك شرعية السلطة برئيسها المنتخب وشرعية المجلس التشريعي المنتخب وشرعية الحكومات التي تنبثق عن المجلس وهذا لا يعني بالضرورة الحد من الشرعيات بقدر ما يجر إلى ضرورة التكامل بينها وليس أن تكون سببا للتقاتل أو ذريعة للقفز على إحداها . لقد كان يفترض مثلا أن تكون حركة «حماس» مدافعة عن شرعيتها وعن بقية الشرعيات إلا أن إصرارها على إلغاء «الآخر» ومحاولة السيطرة عليه سياسيا ثم عسكريا وكذلك ضرب مؤسسات السلطة يعني انقلابا يتناقض مع مفهوم الديموقراطية التي وصلت من خلالها «حماس» إلى الحكم . وإذا كان الأمر يتجسد ظاهريا في حرب بين الشرعيات فإن الأخطر يكمن في ما تخبئه التطورات في منطقة يصعب فيها التكهن ببراءة أطراف إقليمية عديدة تهمها مصالحها واستراتيجياتها وأهدافها إن على المدى القريب أو البعيد حيث لا يمكن توقع أن تجعل جهة ما مصلحة الفلسطينيين في طليعة مصالحها أو حتى ضمنها وهذا مكمن الخطر. وأمام هذا الوضع لا مفر من إعادة الاعتبار للشرعية والالتزام والانضباط وليس أقدر على استيعاب التناقضات والاختلافات الفلسطينية من منظمة التحرير لأنها قادرة نظريا وعمليا على أن تكون أوسع إطار ديموقراطي يأخذ بعين الاعتبار مصلحة القضية الفلسطينية قبل كل المصالح الأخرى.. وهذه حقيقة تاريخية.