طالب المستشار الجبائي والاستاذ الجامعي محمّد الصّالح العيّاري برفع المظلمة عن مهنة المستشار الجبائي مؤكدا ان أهمّ العراقيل التّي تعترض المهنة في تعطيل المشروع المنظّم لمهنة المستشارين الجبائيّين وفرض هيمنة مهنة المحاماة على بقيّة المهن بدرجة أولى وفي رغبة الخبراء المحاسبين والمحاسبين الاستحواذ على مجال إختصاص المستشارين الجبائيّين والمتمثّل أساسا في تقديم الإستشارة والنّصح والمساعدة في المادّة الجبائيّة. وتحدث العياري في تصريح ل"الصباح" عن العراقيل التى تواجه المهنة منها المتعلق بتغليب مصلحة قطاع المحاماة على قطاع المستشاريين الجبائيين اضافة الى التصورات والحلول الممكنة لتجاوز الاشكاليات القائمة في القطاع. مهنة المستشار الجبائي بقيت مهمشة قبل وبعد الثورة، ماهي الاسباب الرئيسية التي تقف وراء ذلك؟ - المستشار الجبائي يتعرض الى عراقيل وإلى سياسة المكيالين. هل يعقل أن تواصل وزارة العدل تعطيل القانون المنظّم لمهنة المستشارين الجبائيّين دون وجه حقّ في حين أنّه كان عليها أن تحكم بالعدل والإنصاف إزاء مهنة بقيت مهمّشة منذ سنة 1960 وسلّطت عليها أكبر مظلمة في العهد البائد وذلك لا لشيء إلاّ لتغليب مصلحة المحامين على مصلحة المستشارين الجبائيّين من خلال اعطاء المحامين كلّ الصّلاحيّات في إطار المرسوم عدد 79 لسنة 2011 المؤرّخ في 11 أوت 2011 حين تمّ إستعمال العبارة الشّهيرة "دون سواه" ولنترك مهنة المستشارين الجبائيّين ترزح تحت أعباء قانون يعود إلى سنة 1960. أكدتم بأن قطاعكم يعاني من التهميش وسياسة الميكالين وأطلقتم صيحة فزع، فما هي أهمّ التّوصيات المنبثقة بعد اجتماع المستشارين الجبائيين مؤخرا؟ -بالتأكيد، إنّها صيحة فزع أطلقها المستشارون الجبائيّون بمناسبة النّدوة التّي نظّموها مؤخرا والتّي أكّدوا فيها انّ الفصل 1 من القانون عدد 34 لسنة 1960 المؤرّخ في 14 ديسمبر 1960، ينصّ بصريح العبارة على:"انّ جميع الشّركات أو الأشخاص الماديّين الذّين تقتضي مهنتهم القيام بالموجبات الجبائيّة لفائدة المطلوبين ومدّهم بيد المساعدة والنّصائح أو الدّفاع على حقوقهم لدى الإدارة الجبائيّة أو المحاكم التّي تبتّ في النّوازل الجبائيّة يعتبرون كمستشارين جبائيّين سواء كان قيامهم بتلك المهنة بصفة أصليّة أو ثانويّة" ممّا يجعل قيامهم بالدّفاع عن المؤسّسة الإقتصاديّة وعن المطالبين بالضّريبة بصفة عامّة حقّا مشروعا يخوّله لهم القانون منذ سنة 1960. إنّ إنابة المحامي التّي أصبحت وجوبيّة بمقتضى القانون عدد 11 لسنة 2006 المؤرّخ في 6 مارس 2006، الذّي كرّس هيمنة مهنة المحامين على مهنة المستشارين الجبائيّين والذّي يمثّل وصمة عار على جبين كلّ الحقوقيّين والمدافعين على الشّرعيّة في عهد الدّيكتاتوريّة والإستبداد، لم تكن مطلقة بل تمّ حصرها في تقديم إعلام نيابة من قبل المحامي مع إعطاء كلّ الصّلاحيّات للمستشار الجبائي ليقوم بإجراءات رفع الدّعوى والقيام بالإعتراض على قرارات التّوظيف الإجباري أو تقديم مستندات الإستئناف لدى المحاكم المختصّة. هل يمكنكم تدعيم هذا الموقف حسب التّشاريع الجاري بها العمل وحسب فقه القضاء الصّادر في الغرض ؟ - إنّ التّشاريع الجاري بها العمل في المادّة الجبائيّة كما تمّ تأكيدها من قبل المحكمة الإداريّة، تبيّن بكلّ وضوح حقّ المستشار الجبائي في الدّفاع عن المطالبين بالضّريبة أمام المحاكم المختصّة وذلك كما هو مبيّن كالآتي: إنّ الفصل 57 من مجلّة الحقوق والإجراءات الجبائيّة الذّي ينصّ على وجوبيّة المحامي بالنّسبة لقرارات التّوظيف الإجباري التّي يتجاوز مبلغها 25 ألف دينار لم ينصّ بتاتا على أنّ الإعتراض على قرار التّوظيف الإجباري يجب أن يكون محرّرا بواسطة محام وكذلك التّقارير المتعلّقة به. إنّ المحكمة الإداريّة قد أكّدت في القرار التّعقيبي الصّادر عن الدّائرة التعقيبيّة الأولى في القضيّة عدد 39413 بتاريخ 8 جوان 2009 بأنّ أحكام الفصل 57 من مجلّة الحقوق والإجراءات الجبائيّة، كما تمّ تنقيحه بموجب القانون عدد 11 لسنة 2006 المؤرّخ في 6 مارس 2006 " لم تنصّ صراحة على أنّ الإعتراض على قرار التّوظيف الإجباري يجب أن يحرّر بواسطة محام وإنّما إكتفت بالتّنصيص على أنّ تكون إنابة المحامي وجوبيّة وهو ما يمكن أن يتحقّق سواء بتحرير عريضة الدّعوى مباشرة من المحامي أو بحضور المحامي لاحقا أمام المحكمة الإبتدائيّة التّي تنظر في النّزاع وبتبنّيه لما جاء في الإعتراض المقدّم مباشرة من منوّبه" وذلك كما هو وارد بالصّفحة 4 منه. أكّدت الدّائرة التّعقيبيّة الثّانية بالمحكمة الإداريّة نفس التّوجّه ضمن قرارها عدد 39721 بتاريخ 18 جانفي 2010 الذّي بيّنت من خلاله:" وحيث يستفاد من الأحكام السّابقة أنّه لئن كانت نيابة المحامي وجوبيّة بالنّسبة للقضايا التّي يتجاوز فيها مبلغ الأداء الموظّف إجباريّا خمسة وعشرين ألف دينار فإنّ ذلك يهمّ بالأساس متابعة سير الدّعوى أمام المحكمة وليس إجراءات رفعها، ممّا يكون معه الإعتراض المرفوع من قبل المطالب بالأداء سليما شرط تدارك الأمر أثناء سير الدّعوى أمام المحكمة بإنابة محام."فكيف لا يقع تطبيق قرار أكبر سلطة قضائيّة في مجال الجباية والمتمثّلة في المحكمة الإداريّة ؟ إنّ الفصل 55 من مجلّة الحقوق والإجراءات الجبائيّة والذّي لم يقع تنقيحه يدعم القرارين التّعقيبيّين الصّادرين عن المحكمة الإداريّة بإعتباره ينصّ بكلّ وضوح على أنّه:" ترفع الدّعوى ضدّ مصالح الجباية لدى المحكمة الإبتدائيّة التّي توجد بدائرتها المصلحة الجبائيّة المتعهّدة بالملف في أجل أقصاه ستّون يوما من تاريخ تبليغ قرار التّوظيف الإجباري للأداء أو من تاريخ إنتهاء الأجل المحدّد للرّد على مطلب الإسترجاع وذلك بواسطة عريضة كتابيّة يحرّرها المطالب بالأداء أو من يوكّله للغرض طبقا للقانون.." هل هناك حلول عمليّة لتجاوز الإشكاليّات القائمة؟ - بطبيعة الحال، شريطة أن تتوفّر النّية الصّادقة وأن نتجاوز الخلافات الهامشيّة بإعتبار أنّ إنابة المحامي التّي أصبحت وجوبيّة بالنّسبة للقضايا التّي يتجاوز مبلغها سقف 25 ألف دينار والتّي تنحصر في تقديم إعلام نيابة كما أكّدته المحكمة الإداريّة يمكن أن تتزامن مع وجود المستشار الجبائي الذّي يمكنه تحرير عريضة الدّعوى أو مستندات الإستئناف والدّفاع عن مصالح المطالب بالضّريبة أمام المحاكم المختصّة وذلك طبقا لأحكام الفصلين 55 و67 من مجلّة الحقوق والإجراءات الجبائيّة وللقرارين التعقيبيّين الصّادرين عن المحكمة الإداريّة وكذلك للأحكام الواردة بالفصل الأوّل من القانون عدد 34 لسنة 1960 المؤرّخ في 14 ديسمبر 1960 والمتعلّق بالموافقة على المستشارين الجبائيّين والذّي لم يقع تنقيحه أو إلغاؤه. هذا إضافة إلى أنّ وجود المحامي جنبا إلى جنب مع المستشار الجبائي للدّفاع عن المطالب بالضّريبة يعطي أكثر ضمانات لهذا الأخير الذّي يبقى حرّا في كلّ الحالات لتعيين مستشار جبائي أو يكتفي بوجود المحامي فقط. فلماذا لا نترك حرّية الإختيار للمطالب بالضّريبة ليختار من يراه أجدر للدّفاع عن مصالحه في مجال النّزاع الجبائي؟ يستغرب المستشارون من بعض التّأويلات الخاطئة لأحكام الفصل 2 من المرسوم عدد 79 لسنة 2011 سالف الذّكر التّي تقف عند عبارة:" يختصّ المحامي دون سواه بنيابة الأطراف على إختلاف طبيعتهم القانونيّة ومساعدتهم بالنّصح والإستشارة وإتمام جميع الإجراءات في حقّهم والدّفاع عنهم لدى المحاكم ..." بإعتبارهم يتغافلون عن بقيّة أحكام الفصل 2 المذكور أعلاه التّي تنصّ بصريح العبارة:" كلّ ذلك وفق ما تقتضيه الأحكام التّشريعيّة المتعلّقة بالإجراءات المدنيّة والتّجاريّة والجبائيّة والجزائيّة." ولعلّ أكبر دليل على أنّ أحكام الفصل 2 سالف الذّكر لم تمنع بقيّة المهن من مواصلة القيام بنشاطها هو أنّ المستشارين الجبائيّين واصلوا الدّفاع عن المطالبين بالضّريبة أمام إدارة الجباية وأمام المحاكم المختصّة بالنّزاع الجبائي بعد صدور المرسوم عدد 79 لسنة 2011 كما هو مبيّن أعلاه والذّي إشتهر بعبارة "دون سواه" وكأنّ وجود المحامي يلغي كلّ المهن الأخرى لولا تدخّل المشرّع للحدّ من هذه الهيمنة عندما أضاف عبارة "كلّ ذلك وفق ما تقتضيه الأحكام التّشريعيّة المتعلّقة بالإجراءات المدنيّة والتّجاريّة والجبائيّة والجزائيّة" بما في ذلك إذا الإجراءات الجبائيّة المتعلّقة بمهنة المستشارين الجبائيّين. إنّ عدم الإسراع في إصدار القانون المنظّم لمهنة المستشارين الجبائيّين يساهم في تفاقم البطالة وفي تهميش المتخرّجين من المعاهد والكليّات المختصّة في التّكوين الجبائي الذّين ينتظرون بفارغ الصّبر تنظيم المهنة وإعادة هيكلتها وذلك لتأمين مستقبلهم .