في الوقت الذي بحّت فيه أصوات جميع الأطياف السياسية مطالبة بضرورة تفعيل مصطلح التوافق قولا وفعلا قصد إنهاء المرحلة الانتقالية "بأخف الأضرار" يرى مراقبون ان الواقع السياسي اليوم أو تحديدا تصريحات وسلوكيات بعض الساسة مشهدا ليس بعيدا كل البعد عن الوفاق فحسب وإنما يؤشر للفتنة والاقتتال.. يتجسد هذا الطرح من خلال التصريح الذي أدلى به مؤخرا الصحبي عتيق القيادي بحركة النهضة خلال المسيرة المساندة للرئيس المصري المعزول محمد مرسي والتي قال فيها "أن من يستبيح إرادة الشعب المصري أو إرادة الشعب التونسي فسيستباح في شوارع تونس". تصريح وصفه المظطلعون بالشأن العام بالخطير على اعتبار انه صادر عن رئيس كتلة بالمجلس الوطني التأسيسي مهمته صياغة دستور مدني يضمن الحقوق والحريات !!! .ومع تداعيات الأوضاع التي شهدتها مصر فان الوضع الراهن يقتضي التعقل والرصانة حتى يتسنى بلوغ الوفاق لا التصعيد وتبني منطق التهديد والوعيد : فاي شرعية توافية ؟ واي مساع لتدعيم الحوار الوطني في ظل هذا التصريح؟ في تعليقه على ذلك يرى الناطق الرسمي باسم التكتل محمد بنور في تصريح ل "الصباح" أن بعض السياسيين يتبنون خطبا حماسية في حين انه على المسؤول السياسي أن يطمئن وينظر أولا إلى مصلحة البلاد. وقال انه تفاجأ بهذا الخطاب وبهذه اللهجة الحماسية، مشيرا إلى انه "إذا ما تواصل العنف السياسي بصفة عامة فان ذلك من شانه أن يقسم المجتمع التونسي وان نذهب رويدا رويدا إلى صراع وبالتالي فمن الضروري العمل على تقريب وجهات النظر."وأوضح النائب في المجلس الوطني التأسيسي محمد البراهمي أن "التشنج والتصريحات العنيفة التي تشوب المشهد السياسي هدفها ترهيب الناس قصد تجنيبهم التدخل في الشأن السياسي وهي سلوكيات تنم عن عقلية مستبدة لا تستوعب الديمقراطية ومتعطشة إلى السلطة ولو على جماجم المواطنين على حد قوله، مشيرا إلى وجود ازدواجية في الخطاب وفي المعايير انكشفت أمام العيان. ما أحوجنا لصوت الحكمة والتعقل أما نائبة المجلس الوطني التأسيسي عن حركة النهضة فطوم الأسود فقد أوضحت ل "الصباح" تعليقا على تصريحات الصحبي عتيق أن "تونس تحتاج لصوت الحكمة والتعقل لا للعنف. ومن هذا المنطلق فان الجميع مطالب بخطاب يهدئ الناس ويعيد الثقة في التونسيين وخاصة والاهم من ذلك يوحد التونسيين من جديد." وقالت الأسود في هذا الشأن:"لا بد من لملمة المجتمع التونسي الذي نشعر وكأنه منقسم". من جانب آخر ولان تصريح الصحبي عتيق جاء في ظرفية يفترض فيها أن الصفوف موحدة لدعم الحوار الوطني وبلورة التوافقات الحاصلة في الدستور قصد الوصول بالمرحلة الانتقالية إلى برالأمان فان السؤال الذي يطرح بشدة: أي تأثير لهذا التصريح على الحوار الوطني والتوافق؟. يرى عبد الستار بن موسى رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في تصريح ل "الصباح" انه من الضروري مساءلة الصحبي عتيق كما انه على النيابة العمومية أن تقوم بدورها مهما كانت صفة الطرف أو الجهة التي تقف وراء أي تهديد بالقتل أو الفتنة. وقال:" من غير المعقول مثل هذه التصرفات تنم عن مسؤول سياسي وجب أن يدرك أولا ما يتفوه به لاسيما انه يخاطب الشعب." وخلص بن موسى إلى القول " إذا كانت الحركة ضد كلامه فعليها أن تسائله أما إذا كانت معه فان ذلك من شانه أن ينسف الحوار والشرعية التوافقية". تصريح غير مسؤول وفي تشخيصه للمسالة ذكر المحلل السياسي مصطفى التليلي في تصريح ل "الصباح" أن تصريح الصحبي عتيق اقل ما يقال فيه انه تصريح غير مسؤول يتضمن تحريضا على التصادم بين التونسيين كما انه يتضمن تهديدا صريحا للتونسيين لاسيما أن الأمر يتعلق برئيس كتلة بالمجلس الوطني التأسيسي مشيرا إلى أنها ليست بالمرة الأولى التي يحدث فيها ذلك.ولكن يتمثل وجه الاختلاف هذه المرة وفقا للتليلي في "أننا نعيش على وقع وضع إقليمي فما يحدث في مصر وبالتالي فانه يفترض على القضاء أن ينظر في هذه الدعوة بجدية حتى يكف بعض السياسيين عن اطلاق مثل هذه الدعوات إلى التصادم والقتال." وأوضح أن مثل هذه التصريحات تضرب في الصميم منطق الوفاق كما يجعلنا نشك في مدى توافق التونسيين في إنهاء المرحلة الانتقالية الثانية بنجاح. كما اعتبر انه "في صورة ما تواصل الخطاب المتشنج في هذه الظرفية بالذات فانه إذا لم ينجح الفرقاء السياسيين في التوافق على الدستور فسنكون بعد 23 أكتوبر المقبل مطالبين بحلولا أخرى جذرية."