تأليف: الأستاذ الشيخ محمّد البشير ابن جديدية 7 متطلبات الحياة اليومية : لم تعد متطلّبات الإنسان ليحيا حياة كريمة يرتضيها ويسعد بها بسيطة لا تعقّد فيها. كانت حياة الإنسان سابقا لا تتطلّب سكنا مفردا ولا أثاثًا متنوّعا، ولم يكن يحتاج لزواجه ولمعاشه تجهيزات كثيرة، ومصاريف ثقيلة تثقل كاهله، وتضطرّه الحاجة إلى منافذ وأبواب يلتجئ إليها لتوفّر له تسهيلات لقضاء مآربه وتيسّر له قضاء حاجاته بطرق ميسّرة وبأقساط مريحة. ولم يكن يحتاج ليصل إلى عمله أو ليبلغ بيته أو حاجته لمِاَ نستعمله اليوم من وسائل تقرّب البعيد وتربحه الوقت. وما كان يملك وسائل للتّواصل مع أقربائه أو أصدقائه البعيدين عنه أو مع الآخر كما نملكها اليوم. وما كان له مؤسسات مالية تفتح له آفاقا رحبة لبناء مسكن أوشراء عربة أو لإنشاء مصنع أو لتنمية استثماره. كان الزمن يذهب هدرا وتمضي حياة الإنسان رتيبة هادئة بسيطة ولكنّها كانت شاقّة لا ينعم فيها حتّى بما يحفظ له صحّته ولا يجد من الوسائل ما يرفّه بها عن نفسه وإن كان نورا في البيت. تعقّدت - في عصرنا الحاضر- مطالب الحياة اليومية الضّرورية والكمالية، وتعدّدت مطالب الإنسان لحياته وتنامت وتزايدت وتنوّعت يوما بعد يوم، وضاق عليه الزّمن فصار يعيش عيشة فيها الكثير من الأزمات والحيرة والاضطرابات النّفسية والأحلام الوردية أودَت ببعضهم للانحراف، كالسّرقة أو النّهب أو التحيّل على النّاس أو للاقتراض من الناس أو البنوك ثمّ الهروب، وسبّبت لبعضهم في عُقَد نفسية وفي العزلة عن النّاس والتّذمّر أو للتحوّل الى إنسان عنيف مدمّر ثائر، على كلّ شيء. وغزت بيوتنا وسائل إعلاميّة تربوية وترفيهية، وأخرى إعلامية وتواصلية متنوّعة، فكان لها أكبر الأثر على تربية النّاشئة، وعلى تثقيفهم، وعلى توتّر علاقة بعضهم مع أَولِيائهم، وفتحت بصائرهم على كلّ نافع وكلّ ضارّ؛ وضَعُفَ إزاء تأثير هذه الوسائل على طباعهم وميولاتهم وسلوكهم شَأْنُ الأسرة وتَوَاصُلِ أفرادِها. يقضي النّاشئ أغلب وقته مع حاسوبه للإبحار في العالم الافتراضي عبر الانترنات للتواصل مع أنداده من الجنسين من مختلف أقطار العالم بالصّوت والصّورة، فَبَعُدَ عن محيطه الحقيقي واعتزله للتّواصل مع عالم شاسع، ومع ثقافات مختلفة ومتنوّعة بحسنها ومفاسدها. تعقدت الحياة بتطوّر المستحدثات التّقنية المتطوّرة، ووسائل التّواصل والمواصلات وبمستجدّاتها مع متطلّباتها للعمل أو المعاش أو اللّباس أو الرّفاه. وفي خضم هذه الظّواهر - وما هذه إلاّ نزر قليل من شيء كثير- إذا بالإنسان يتلمّس وضعه باحثا عن توازنه ينشد تكيّفا مع واقعه، وينشد راحة نفسية ووضعا مريحا في واقع كثير الحركة، سريع المتغيّرات. في خضم هذه الوقائع تبرز حاجة الإنسان لحسن تدبيره، ووضوح بصيرته حتى لا يقع فيما يَضُره، ولإرشاد عقله ليدلّه على ما يصلح له وينفعه، وتبرز حاجته لإلهامه ليلهمه رشده ويبعده عمّا يؤذيه وينظر كذلك للجانب الدّيني بحكم ما تمليه عليه فطرته الخَلقية عساه يجد فيه ما ينفّس عنه كربته، ويطمئنه، ويسكّن روعته وينجّيه ممّا يخيفه أو يحرجه أو يربكه، فالدين ليس للعقيدة والعبادة فحسب، وإنّما هو لتنظيم المعاملات، وله أحكامه فيها؛ والمتدين من عباد الله لا يطمئن لعمل أو معاملة يرتاب فيها، وهذا من أكثر ما يغيب عن علم الناس، ومن أكثر ما يسترشدون عنه. فأين موقع الفطرة والدّين في الحياة العامّة للنّاس وهي تشهد يوميا تغيّرات لم يكن في القرون الخالية أشكال ونماذج منها، وما كان للإنسان عهدٌ بها أو بأمثالها؟ وهل في الدّين حقّا ما يرشد الإنسان لحلّ مشاكله في معاملاته اليومية وفي تعامله مع الآخر؟ هل فيه من التشريع ما ينظّم له سير حياته ليسعد بها ؟....