«لا تذهبنّ في الأمور فرطا لا تسألنّ إن سألت شططا وكن من الناس جميعا وسطا» صدقت أيها الشاعر فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «خير الأمور أوسطها» ولهذا اصطفى الله المسلمين وجعلهم أمّة وسطا «وكذلك جعلناكم أمّة وسطا» (البقرة آية 143) ومن سيمات الوسطية الإعتدال، أي جعل الله المسلمين أمّة وسطا أي دون الأنبياء وفوق الأمم وقال تعالى «قال أوسطهم» (القلم آية 28) أي أعد لهم وخيرهم، وقال زهير بن أبي سلمى واصفا أهل الوسط يرضى عنهم الأنام. «هم وسط يرضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى اللياسي بمعظم» فالوسط مجانب للغلوّ والتقصير فكان محمودا، أي أن هذه الأمّة لم تغل غلوّ النصارى في أنبيائهم، ولا قصّروا تقصير اليهود في أنبيائهم، ولهذا نجد علي بن أبي طالب يوصي «عليكم بالنمط الأوسط، فإليه ينزل العالي، وإليه يرتفع النازل». قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وابغض بفيض ك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما» وقال عليه الصّلاة والسّلام «إني أرسلت بحنيفية سمحة»، «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر» (البقرة أية 185) «لا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا قال أمين الريحاني «علينا أن لا نكون عبيدا لمن فوقنا ولا نستعبد من هم دوننا» جاء في الأثر «الكلام الليّن يلين القلوب التي هي أقسى من الصخور والكلام الخشن يخشن القلوب التي هي أنعم من الحرير» ولأهمية الإعتدال والوسطية. قال الفيلسوف المفكر «باسكال» الخروج من الاعتدال انتهاك لحرمة الانسانية وإنما تعرف عظمة النفس الإنسانية بقدرتها على الاعتدال لا قدرتها على التجاوز». قال الإمام مالك رضي الله عنه « إن اختلاف العلماء رحمة على هذه الأمّة كل يتبع ما صحّ عنده، وكل على هدى، وكل يريد الله»، وقال «إن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اختلفوا في الفروع وتفرّقوا في الآفاق وكل عند نفسه مصيب» (انظر كتاب محمد عوامة: صفحات من أدب الرأي)، وقال بعض الحكماء «ما أجمله من علاج للأعصاب المرهقة، المشتتة كلمة حب وحنان من انسان لا يربطه بك شيء» وقال آخر «مداراة الناس نصف العقل» وقال العتابي «المداراة سياسة لطيفة، لا يستغنى عنها راع ولا سوقة، يجتلبون بها المنافع ويدفعون بها المضار، فمن كثرت مداراته كان في ذمّة الحمد والسلامة». في تفسير القرطبي «كما أن الكعبة وسط الأرض، كذلك جعلناكم أمّة وسطا» أي جعلناكم أمّة وسطا، أي جعلناكم دون الأنبياء وفوق الأمم، وال»وسط» العدل»، فتمسّكوا بالاعتدال والعدل وحذار من الانحراف، حتى لا تكونوا من النادمين، بانتهاج منهج الاعتدال أذكر وصيّة عمر بن عبد العزيز «الأمور ثلاثة: أمر استبان رشده فاتبعه، وأمر استبان ضرره فاجتنبه، وأمر شكل عليك فتوقف عنده» ووصية أبي حفص النيسايوري «لكل وقت أدب، فمن لزم آداب الأوقات بلغ مبلغ الرجال. في الحديث النبوي روي عن أبي فاطمة الأيادي «ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا بد له من معاشرته حتى يجعل الله له من ذلك مخرجا» ومن فوائد التدبّر في الأمور أوصانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حسب رواية عن أبي جعفر عبد الله بن ميسور الهاشمي «إذا أردت أن تفعل أمرا فتدبر عاقبته فإن كان خيرا فأمضه، وإن كان شرّا فانته». وفي رواية أخرى عن عبد الله بن مسعود «إذا هممت بآمر فتدبر عاقبته فإن كان رشدا فأمضه، وإن كان غيّا فانته عنه» وتتجلى صفة الاعتدال والوسطية في وصيّة النبيّ ونهيه عليه الصّلاة والسّلام روى حذيفة «لا تكونوا إمّعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا فلا تظلموا». وفي حوار نبوي رفيع الأخلاق رواه لنا الطبراني عن أبي أمامة « ألا أدّ لك على عمل يرضاه الله ورسوله؟» قال «بلى» قال: «صل بين الناس إذا تفاسدوا، قرّب بينهم إذا تباعدوا»، ألم يكف قوله عليه الصّلاة والسّلام «من فرّق فليس منّا روي عنه مقعل بن يسار انظروا بعمق في مقولة علي بن أبي طالب حين ينهي الوالدين ويوصيهم «لا تجبروا أولادكم على أخلاقكم لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم» قال سماحة الباش مفتي الإمام الشيخ محمد المهيري رحمه الله «إذا لبس الشبان والشابات لباس العفة والأدب والأخلاق العالية، وحفظ اللسان، فقد سابقوا الأمم الراقية وسعدوا وسعدت ذرّيتهم، لأنهم قدوة يقتدون بهم في هذا الشأن» وأضاف رحمه الله مخاطبا كل شاب «إذا كنت خيّرا عفيفا، قاهرا لنفسك، من شهوات السّوء، فأنت الإنسان الكامل، العامل بما جاء به القرآن».