لا شيء يمكنه اليوم أن يوقف تصاعد أسعار جملة المواد الإستهلاكية الأساسية من خضر وغلال ولحوم وسمك ما دامت تخضع لقانون تحرير الأسعار وللعرض والطلب داخل السوق. فقد حررت الدولة أسعار جملة هذه المواد بناء على تمشيها الاقتصادي القائم على انتهاج الليبرالية الاقتصادية العالمية، القائمة على التنافس الحر، وجعلت نفسها متفرجا تاركة الأمر بيد الخواص الذين يتولون تسديد حاجيات السوق لكن طبقا لمصالحهم التي لا يحركها سوى الربح والربح السريع على حساب الجميع. هذا الواقع قاد إلى جملة من التراكمات نتيجة عوامل داخلية وخارجية مما أدى إلى إنخرام مقصود للتوازن بين العرض والطلب داخل السوق وعدم توازن بين المقدرة الشرائية لمعظم المواطنين وما آلت إليه أسعار جملة المواد، وكذلك إلى ظهور أزمات متتالية ونقص واضح لعديد المواد الاستهلاكية الأساسية مثل الحليب واللحوم وبعض أنواع الخضر كالبطاطا وذلك على الرغم من أنها إنتاج وطني يمكن أن لا نحتاج إلى توريده من الخارج. وعلى الرغم من هذه التراكمات السلبية ونتائجها التي وضعت اقتصادنا على حافة الافلاس، وكذلك ترك الملف الاقتصادي جانبا في سياسة الحكومة، فإن هناك جملة من المؤشرات باتت تؤكد على تواصل الأزمة الاقتصادية وتعمقها خلال الفترات القريبة والبعيدة القادمة خاصة مع الإبقاء على أسباب الداء وعدم رسم توجهات اقتصادية جديدة تقطع مع تجربة الماضي التي انطلقت مع فترة السبعينات. اليوم لابد من تغيير النهج الاقتصادي وتولي الحكومة المسك بزمام الأمور، خاصة وقد أثبتت التجارب في تونس والعالم فشل النهج اليبرالي واقتصاد السوق. وأول ما يجب العمل على تغييره هو مراجعة قانون تحرير الأسعار والعودة إلى تدخل الحكومة المباشر في رسم الخطوط العريضة للاقتصاد وتحديد ذلك من خلال برامج تكون فيها الحكومة لا الحكم بل المسير لدواليب الاقتصاد من خلال خلق الثروة وتوزيعها.