أحدث المصرف المغاربي للاستثمار والتجارة استناد إلى معاهدة إنشاء اتحاد المغرب العربي الموقعة بتاريخ 17 فيفري 1989 وهو من بين الهياكل الخمسة المكونة لمؤسسة الاتحاد التي وزعت مقراتها بين عواصم الأقطار المغاربية المؤسسة وتم الاتفاق على أن تحتضن تونس مقر المصرف. وقد تم إمضاء اتفاقية إنشاء المصرف بتاريخ 10 مارس 1991 وصادقت عليها تونس بمقتضى القانون عدد 51 لسنة 1991 المؤرخ في 22 جويلية 1991، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ بتاريخ 23 فيفري 2002 بعد أن تمت المصادقة عليها من طرف برلمانات الأقطار المغاربية الخمسة. ويهدف المصرف حسب منطوق المادة الثانية من الاتفاقية إلى المساهمة في إقامة اقتصاد مغاربي مترابط ومندمج وإعداد وإنجاز وتمويل المشاريع ذات المصلحة المشتركة، الفلاحية والصناعية وغيرها في البلدان المغاربية. وكذلك تشجيع انسياب رؤوس الأموال وتوظيفها في المشاريع ذات الجدوى الاقتصادية والمردود المالي، وتنمية المبادلات التجارية والمدفوعات الجارية المترتبة عليها. وقد حدد رأس المال المصرح به للمصرف 500 مليون دولار يكتتب فيه بالتساوي بين مساهمي دول الاتحاد ويمكن أن يكون مفتوحا لمساهمين مؤسساتيين من خارج الاتحاد على غرار الاتحاد الأوروبي الذي عبر عن رغبته في التعاون مع المنطقة على أساس تجمع إقليمي. وعلى الرغم من انطلاق نشاط الهياكل الأربعة الأخرى (الأمانة العامة للاتحاد بالرباط، مجلس الشورى المغاربي بالجزائر، الهيئة القضائية المغاربية بنواكشوط والجامعة المغاربية للعلوم بطرابلس) فإن المصرف المغاربي لم ير النور إلى حد هذه الساعة وبقي حبرا على ورق ولم يتم تنصيبه رغم المجهودات المضنية التي بذلتها تونس من أجل مواصلة استكمال تركيز جميع الهياكل المغاربية ومساهمتها في البناء المغاربي، إذ من العيب ومن غير المعقول أن يضل هذا الصرح عليلا ومنقوصا من أهم عضو نابض للنهوض بالاستثمار والتطور الاقتصادي المغاربي الذي يعاني من إهدار 2 بالمائة من الدخل القومي الخام سنويا جراء هذا التأخر الملحوظ في حق الشعب المغاربي والتي تقدر بفقدان 100 ألف موطن شغل سنويا على المستوى المغاربي. ومجابهة التحديات من أجل الرفع من نسبة المبادلات التجارية بين الدول المغاربية التي لم تتجاوز 4 بالمائة من مجموع المبادلات مع الخارج وإنشاء صندوق مغاربي للأمن الغذائي وإحداث سوق مغاربية مشتركة ومجلس مغاربي لرجال الأعمال. إن تنصيب هذه المؤسسة وإعطاء الضوء الأخضر لمباشرة نشاطها حتى تتمكن من توحيد السياسات النقدية والمالية نحو توحيد العملة على المستوى المغاربي على غرار الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي وإنشاء مجلس اقتصادي واجتماعي يتولى وضع تصور إستراتيجي للسياسة الاقتصادية الموحدة وبعث اتحاد جمركي وتوحيد التشريعات الجمركية توحيدا للسياسة الجمركية. ليس عزيزا لا على الشعب المغاربي ولا على تونس التي لم تتدخر جهدا ولا قطرة عرق في سبيل تحقيق حلم الأجيال المغاربية المتعاقبة من مؤتمر طنجة سنة 1958 وما قبله من نضالات ضد الاستعمار وتحركات الشباب المغاربي في المهجر. أليس حريا بنا أن تكون لنا قوة إقليمية نجابه بها مصاعب العصر والتحديات التنموية والأمنية في ظل التحولات الإقليمية والعالمية؟ ألم يكن بالإمكان أحسن مما كان أمام تنامي الوعي المغاربي بضرورة التحرك السريع للتقدم بمسار الاندماج والتكامل وتحقيق نسب نمو عالية تضمن تلبية حاجيات الشعب المغاربي في السكن والتعليم والتشغيل وحرية تنقل الأشخاص وانسياب رؤوس الأموال وتطور البنية التحتية وبناء مختلف الشبكات وإقامة مشاريع مندمجة وتشجيع التبادل الحر وتعزيز القدرة التنافسية في الفضاء المغاربي. إن احتضان تونس لمقر المصرف المغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية استحقاق مغاربي مكفول للشعب المغاربي باعتباره المطلب التاريخي من أجل تحقيق حلمه وتجسيد طموحاته وتقوية انتمائه لمنطقته المغاربية الإستراتيجية في موقعها في البحر الأبيض المتوسط والجارة الجنوبية لأوروبا والامتداد المتواصل لعمق إفريقيا وآسيا وبقية التجمعات الإقليمية المجاورة والعالم. * مستشار بالمجلس الوطني التأسيسي