مسحة من الحزن المشبعة برغبة في التمرّد على قيود الحياة والخوض أكثر في واقعنا العربي الاجتماعي والسّياسي هي السّمة المشتركة لأغلب الأعمال الدراميّة الرمضانيّة على الفضائيات العربية... وراء هذه الخيارات عوامل عديدة أبرزها مخلفات الثورات العربيّة من ارتفاع لسقف الحرّيات وطغيان الإرهاب والتطرّف الديني والفكري وقضايا الفساد على بعض مجتمعاتنا.. هذه الفوضى، فوضى القيم والمشاعر والقرارات السياسيّة لوّنت نصوص الدراما العربيّة لرمضان 2013 فكانت ثائرة ترفض الانصياع لواقع الإخوان في مصروقريبة من نبض الحياة في سوريا - رغم أن أغلب الأعمال الدمشقيّة صوّرت في لبنان- فيما تواصل الدراما الخليجيّة خوضها لحربها ضدّ "تابوهات" مجتمعاتها ولم يحظ نجوم الأعمال الأردنيّة ومنذ سنوات بمكان يحتوي مواهبهم محليا فكان لجوء كل من إياد نصاروياسرالمصري وصبا مبارك ومنذر رياحنة للدراما المصريّة الحل الأفضل لتقديم بطولات دراميّة ترضي تطلعاتهم الفنيّة ومنها مسلسل "موجة حارة" بطولة إياد نصار و"العقرب" لمنذررياحنة وكلا العملين عرفا تنويها جيّدا من نقاد الدراما العربيّة خصوصا على مستوى النصّ وأداء الأبطال. الدراما السورية.. جرح ينزف إن المتابع للأعمال الدراميّة السوريّة يشعر من البداية بالانقسام والحيرة والخشية من المستقبل من ناحية والمقاومة والصمود ومحاولات إيقاف نزيف الجرح من ناحية أخرى ....؛ ومع ذلك ورغم الآلام ومآسي الواقع فإن الدراما السورية مازالت تحظى بنسب مشاهدة مرتفعة وتحتل أعمالها أهم الفضائيات العربيّة...؛ ومن بين هذه الأعمال الجزء الثالث من مسلسل "الولادة من الخاصرة" الذي يتناول في مضمونه حياة اللاجئين السوريّين بلبنان في طرح جريء تحت عنوان "منبرالموت" أدّى بالنظام السّوري الحالي إلى إلقاء القبض على كاتبه سامررضوان والتحقيق معه لأيام ...؛ كما يحظى مسلسل «سنعود بعد قليل» للمخرج الليث حجّو وأداء كل من دريد لحام وقصي خولي وسلافة معماربمتابعة مميزة على قنوات "ام.بي.سي" لقربه من واقع حياة السوريّين بعد الثورات العربية ويطرح هذا العمل تداعيات الأحداث في سوريا وواقع اللاجئين السوريّين بلبنان كذلك. في هذا السياق، أكدت الممثلة السوريّة ميسون أبوأسعد "للصّباح" أنها تعيش مرحلة مميّزة في مسيرتها الفنية إذ تشارك في بطولة أربعة أعمال دراميّة منها مسلسل "حدث في دمشق"، الذي يتناول هجرة اليهود لفلسطين وهوعمل تنطلق أحداثه من سنة 1947 إلى المرحلة الرّاهنة؛ كما تحدثت الفنانة السوريّة عن مشاركتها في مسلسل "العبور" وطرحه لأهميّة القيم والمبادئ في حياتنا وأشارت ميسون أبو أسعد إلى أن موافقتها على تقمّص شخصيات عديدة في الدراما في رمضان هو اختلاف كل شخصيّة عن غيرها خصوصا أن الدراما التي تجسّدها تعالج قضايا مهمّة في مجتمعاتنا على غرارتاريخ القدس وعلاقتها بسوريا وحال العرب بعد الثورات والصّراع السياسي الذي يبرزأكثر في مسلسلها "حدود شقيقة" وهو عمل كوميدي ساخرسوري لبناني مشترك يرصد مشاكل واقعنا العربي المعاصرمن خلال قصة ضيعتين متجاورتين هما ضيعة "أم النور" وضيعة "أم النار" وما يحدث بينهما من صراعات مفتعلة حتى تبقى فئة معينة هي المسيطرة على كراسي الحكم من جهته، أقرالفنان جمال سليمان في مداخلته حول الدراما السوريّة خلال ندوة " الدراما المصرية والسورية وتحدّيات التغيير" التي نظمها المجلس الرّمضاني لمركزالشارقة الإعلامي بأن الأوضاع السائدة في سوريا حالياً تؤثرسلبياً على الإنتاج الدرامي مستعرضاً ما خلّفته الأزمة السّورية من مأساة وما نتج عنها من انقسام كبير وقال الفنان السّوري جمال سليمان في الإطارنفسه أن مرحلة العدالة الانتقالية والمصالحة الاجتماعية تحتاج للكثيرمن الأمور بعيدا عن التمويل منها حشد قادة الرأي العام ومساعدة المجتمع لتجاوزتلك المرحلة الصعبة وأضاف أن العمل الفنّي الحالي في سوريا سيعرف الانتقادات كما ستوجّه اتهامات إلى أي عمل بأنه ضدّ المصلحة الوطنية وانه يعمّق هوّة الخلاف أو يقدّم على انه عمل ساذج ورومانسيّ على حساب الحقيقة وكشف الفنان السّوري بأن حجم المأساة السّورية يفوق التصوّر والخيال مشيراً إلى أن بلاده تحتاج من 20 إلى 30 عاما ليس لإعادة بناء ما خلّفه الدّمار وإنما لإعادة بناء الأرواح كما اعتبرأن معالجة الفنان لقضاياه الوطنية هوتحمّل لمسؤوليته الوطنية وليس اقتحاما من قبل المبدع لعالم الساسة الدراما المصرية.. ثورة مبدع مع الكم الهائل من الإمكانيات التقنية والفنية والتاريخ الدرامي الحافل وجدت الأعمال الرمضانية المصرية في ثورتها ملهما ومحفزا لاسترجاع عرش الدراما العربية، التي بدأت تفقده في السنوات الأخيرة خاصة مع تطور حضورالأعمال السورية وغزو الدراما التركية للفضائيات العربية؛ ولعّل تعدّد الأعمال المصرية المميّزة خلال هذا الموسم جعلها تتفوق وتسيطرعلى نسب المشاهدة كما تتمتع بتنويه النقاد ومن بين المسلسلات الرمضانية التي حظيت بإعجاب أغلب المختصّين في النقد الفني مسلسل "ذات" للفنانة نيلي كريم، حيث يستعرض هذا العمل تاريخ مصرالمعاصرمن خلال حكاية ذات (المرأة المصريّة)، عمل جمع بين ماهوتاريخي وواقع الحياة وقدم توليفة درامية راقت لمتابعه من جهته وإن لم تكن لمسلسل عادل إمام "العرّاف" ذات القيمة التاريخية لمسلسل "ذات" غيرأن الحضورالكبير للزعيم ونخبة من نجوم الدراما المصرية في هذا العمل وطرافة الحكاية جذبت انتباه المشاهدين خصوصا مع تألق عادل إمام في آدائه مقارنة بما قدمه في الموسم الماضي في "فرقة ناجي عطا الله"... "العراف" يغوص في عالم رجال الأعمال والسّاسة متناولا قضايا الفساد الاقتصادي والتهميش الاجتماعي في مصر إن هجرة نجوم السينما للتلفزيون في رمضان لوحظت هذا الموسم بالخصوص من خلال ظهورالنجم هاني سلامة في أول إطلالة تلفزيونية له من خلال العمل الضخم إنتاجيا (إنتاج العدل ) "الدّاعية"..وهوعمل يقدم بعد سقوط حكم الإخوان ويروي قصة رجل دين يقع في غرام عازفة كمان (الفنانة بسمة) أثناء الثورة ويستعرض أطيافا مختلفة للمجتمع المصري الذي شكل رغم اختلافاته الفكرية مسارا جديدا للبلاد إما الأعمال الدرامية المصرية لرمضان 2013 فقد اتفقت على سمة التمرّد على واقعها الإخواني المقيّد لحريات الإبداع فكانت أغلب النصوص تبحث عن قضية تطل بها على مشاهدي الفضائيات العربية أكثر من بحثها عن أعمال المتاجرة الفنية ومع ذلك يعتقد الفنان نورالشريف خلال مداخلته في ندوة " الدراما المصرية والسوريّة وتحديات التغيير"، التي نظمها المجلس الرمضاني لمركزالشارقة الإعلامي بأن الدراما المصريّة تراجعت بشكل كبير خلال العشرسنوات الأخيرة باستثناء تجارب محدودة مرتبطة من مبدعيها وأعاد أسباب ما حصل فيها إلى الاستسهال وانعكاس ما اسماها بالنغمة السياسية العامة السائدة إلى سلوك الناس وبالتالي على العمل الفني كما بين الفنان المصري أنه من الضروري تأجيل إنتاج أي أعمال درامية تعالج الوضع السياسي الراهن في الوطن العربي نظرا لعدم وضوح الرؤية ووجود الكثيرمن المعطيات والأطراف غير المعروفة التي تحتاج إلى عدة سنوات لتكتمل فيها الصورة وبسبب المآسي الحياتيّة لمجتمعاتنا العربيّة وصعوبات الإنتاج الفني مع تردّي الأوضاع الاقتصادية قام عدد كبيرمن النجوم بتخفيض أجورهم حتى لا تتوقف الحركة الفنيّة كما كانت الأحداث السياسيّة والفوضى والإرهاب الديني والفكري الذي خلفته الثورات العربية الملهم الأبرزلكتّاب دراما 2013 حتى إن الأعمال التاريخية في هذه السنة تشهد غيابا جليا إذ سيطرت مسلسلات الواقع المعاش والقضايا الراهنة على نصوص كتاب الدراما وكأن بالإبداع يولد مجدّدا من رحم الألم