اغتيال محمد البراهمي عضو المجلس التأسيسي وزعيم التيار الشعبي كان له اثر الزلزال على كل مواطن يؤمن بالحريات ويرفض ادماج العنف والكراهية في اخلاقه السياسية ولم يكد يستوعب التونسيون صدمة هذا الاغتيال حتى تقبلوا فاجعة بشعة اخرى تتمثل في فقدان 8 من جنود تونس البواسل على يد ارهابيين فهل ستكون تونس دولة الربيع العربي التي ستنجح في التغلب على العقبات واستكمال انتقالها الديمقراطي، او انها سوف تغرق مثل مصر وسوريا في العنف الذي ينذر بالتوجه نحو الاستبداد؟ هل لدينا الشجاعة كمواطنين للبدء بتغليب المصلحة الوطنية على الاجندات الحزبية لأن بلادنا تحتاج للحماية من مخططات الاغتيالات اكثر من أي وقت مضى كانت غاية مدبري الجريمة في يوم عيد الجمهورية افشال مسار الانتقال الديمقراطي وزعزعة ثقة التونسيين في استكماله واغراق البلاد في الفوضي ما سيؤدي لاستعادة الاستبداد فنزل المواطنون للتعبير عن غضبهم وخوفهم يطالبون الحكومة بكشف الحقيقة وتحمل مسؤوليتها في هذا الظرف الخطير الحكومة فشلت وكانت هذه الأزمة مؤشرا على فشل الائتلاف الحاكم، «الترويكا»، المسؤولة عن انسداد افق عملية الانتقال لان التحالف كان بامكانه ان يكون آلية ناجعة لاحكام تسيير سلطة متوازنة، بعيدا عن أي احتكار من قبل أي طرف كما جرى مع حكم الاخوان في مصر لكن كلا شريكي النهضة، التكتل والمؤتمر لم يغتنما الفرصة ويحسنا التصرف ليقوما بدورهما المطلوب لا يمكن ان يخفي هذا الاخفاق الجانب الايجابي لاداء الترويكا، التي سعت دائما الى الحوار مع المعارضة وبحثت عن سبل للتوافق، وقد نجحت بفضل هذا الحوار في التوصل الى اتفاقات هامة في صياغة جزء هام من الدستور ومضت قدما في معالجة القضايا الهامة المتعلقة بانشاء المؤسسات التعديلية مثل الهيئة العليا للسمعي البصري وهيئة القضاء وهيئة الانتخابات ولكن عملية الانتقال عرفت اخفاقات بسبب تردد الحكومة في اتخاذ تدابير فعالة لردع العنف السياسي والمجموعات غير الحكومية العنيفة المتورطة فيه ومنها رفض حل «رابطات حماية الثورة» الذين اشعلوا فتيل العنف في الساحة العامة، مثل الهجوم على مقرات الاتحاد العام التونسي للشغل يوم 4 ديسمبر 2012 وكان فشلها ذريعا في حماية السفارة الامريكية من المتظاهرين يوم 14 سبتمبر 2012 وفي المقابل وبعد بضعة اسابيع تم قمع المتظاهرين في سليانة بالاستخدام العشوائي للقوة، وكانت النتيجة انهيار سلطة الدولة وهيبتها لفائدة تعزيز المجوعات الموازية وتتحمل الحكومة ايضا مسؤولية التأخير في الاصلاحات لتعزيز مجالات الأمن والعدالة والادارة وقد اتسمت اعمال الحكومة في مكافحة الفساد بالغموض من خلال التسامح مع انتشاره والتخلي عن ردع شبكات المافيا التي خرّبت ادارتنا واقتصادنا كما تم تأجيل مسار العدالة الانتقالية ومكافحة الافلات من العقاب الى اجل غير مسمى وحولت وجهتها نحو مشروع قانون «تحصين الثورة» المشحون بخلفية انتخابية كما ان «الترويكا» وعلى رأسها حركة النهضة ادارت شؤون الدولة باستخفاف وبجلت علاقة المحاباة والموالاة على الحكومة الرشيدة هذا الخلط بين الاعتبارات الحزبية ورهانات الدولة خلق هوّة بين الحكومة والشعب وتسبب في تهرئة رصيد الثقة في دولة وبعد الثورة التي رافقت اول انتخابات حرة ونزيهة عرفتها تونس اليوم يجب على الترويكا ان تقطع مع هذا النهج وهو السبيل الوحيد للحفاظ على العملية الانتقالية من خلال استكمال الدستور والاسراع في تنظيم الانتخابات