لم تعرف تونس خلال العشرة ايام التي تلت اغتيال الشهيد محمد البراهمي أية مؤشرات واضحة أو مؤيدات جدية تحيل الى بداية انفراج الأزمة رغم تعدد المبادرات الصادرة عن القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني على حد السواء. بالعكس من ذلك رأى البعض ان الأزمة تحتد، ففي الوقت الذي يتم خلاله استهداف الجيش الوطني واغتيال فرقة مختصة منه وتتعمق حالة التوتر الامني فلا يمر يوم دون تسجيل تفجير أو محاولة تفجير.. تحافظ المعارضة والحكومة على موقعها فتتشبث الأولى بمطالب اقالة الحكومة وحل المجلس أو ضبط مهامه في حين ترى الثانية ان لا مجال للتنازل عن كرسي القيادة في الحكومة وحل المجلس التأسيسي لا يمكن حتى مناقشته.. فتنقسم الساحة الى نصفين متباعدين متناقضين تقريبا.. كم ستتطول هذه الفترة؟ وكيف سيكون المشهد السياسي خلال الايام القادمة؟ حشد الأنصار واحتلال الشوارع كمال الحوكي ناشط حقوقي وحركي سابق في الاتجاه الاسلامي وحركة النهضة، رأى ان اليومين الاخيرين عرفا جهدا مكثفا من قبل حركة النهضة من أجل حشد انصارها للمسيرة التي دعت لها والتي ستمثل الداعم الابرز لها.. واعتبر في الوقت نفسه أن الحراك المقابل وهو اعتصام الرحيل من شأنه أن يدفعها لتعديل مواقفها خاصة أنه حشد جدير بالاحترام ومن واجب قيادات حركة النهضة حسن قراءته. كما أكد الحوكي ان موقف حركة النهضة سيتجه نحو التعديل والتنازل ففكر المناورة في الحركات الاسلامية هو اساس العمل داخلها، وذكر أن بعد مسيرة استعراض القوة التي ستبرز من خلاله حركة النهضة للراي العام ولخصومها السياسية أنها تنازلت من موقع قوة لا ضعف..ة وهي نفس الاستراتيجيا التي اعتمدتها عند اغتيال الشهيد شكري بلعيد تنازلت بجرعات مدروسة. واشار الى أن عنصرين اثنين سيكونان حاسمين بالنسبة للحكومة الحالية في الفترة القادمة لا يمكن تحديدها وهما ثقل الشارع ومستوى الضغط والتصعيد الذي سيعرفه ومدى تماسك الترويكا. وأوضح كمال الحوكي أن تغيير الحكومة أمر ضروري دون شك لكن الاهم منه هو تعويضها بحكومة كفاءات وطنية تكون اكثر جرأة قادرة على اتخاذ القرارات المناسبة والتدخل دون قيود وحسابات حزبية وولاءات. بداية الانفراج؟ من جانبه رأى منجي الرحوي عضو المجلس الوطني التأسيسي المنسحب، أن الازمة تتجه نحو الانفراج، "فانخراط جماهير الشعب في كل الجهات في اعتصام الرحيل بطريقة سلمية وشمل كل الفئات العمرية والاجتماعية تجعلنا (النواب المنسحبين) متأكدين أننا نتقدم في طريق مفتوح." وبين أن حركة النهضة بدأت "تتدحرج في مواقفها نحو التنازل فبعد أن خرج رئيس الحكومة علي العريض وقال في كلمته انه لا مجال للمس من الحكومة أو المجلس التأسيسي صرح مستشاره نور الدين البحيري في مناسبة لاحقة أن "الترويكا" مع توسيع الحكومة ثم تلاه تصريح لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي يقول فيه أن الحركة تتشبث برئيس الحكومة علي العريض فقط وتدعو الى الحوار.." ورأى الرحوي "ان التنازل موجود لكن يريد وزراء "الترويكا" ربح الوقت لانهم لم يتوقعوا طريقة الخروج من السلطة وهم الان بصدد لملمة أوراقهم وترتيب أمورهم داخل وزاراتهم واخفاء ما يجب اخفاءه.." واضاف: "الحكومة تحتضر وقريبا ستحل مكانها حكومة كفاءات وطنية والكرة الآن موجودة في مرمى المتشدقين بالشرعية.. ويوم خروج الملايين في كافة انحاء البلاد آت عما قريب وسترى حينها حكومة"الترويكا" كلمة الشعب." وذكر منجي الرحوي نائب التأسيسي المنسحب ان "التصعيد قادم وان النواب سينتقلون الى الجهات من اجل تثبين الاعتصامات داخلها ولن يغادروا ساحة باردوا الا بعد اقالة الحكومة وحل المجلس التأسيسي.." ويجدر التذكير ان الاتحاد العام التونسي للشغل قد امهل الحكومة اسبوعا حتى تنظر في مطالب الهيئة الإدارية المنعقدة يوم الاثنين الماضي.. كما عقد الامين عام الاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي عديد اللقاءت مع الامناء العامين للاحزاب ومع منظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية ومع رئيس الحكومة على العريض سعيا منه لتقريب وجهات النظر والخروج بتونس من الازمة الحالية بأقل الاضرار.