انشرح صدري عندما وجدت من يعترف بالحقيقة مثل «بارنارد شو» ويجاهر بقوله «ما أبشع حب الانتقام والقسوة اذا تستر بزي العدالة» ومثل «أسقف كنتر بري» ويحاجج بدليل ثابت مفحم بقوله» لو كان العدل من شيم البشر، لما أنزل الله الأديان السماوية» ودعم هاتين المقولتين ابن تيمية بقوله «ان الله ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وان كانت مؤمنة» وقد قيل «العدالة التي لا يستوي فيها الجميع ليست عدالة» و»الذي يلتمس من الاخرين العدل ينبغي ان يكون عادلا» لان «الناس سواسية امام القانون الطبيعي» والنتيجة كما قال «كونفوشيوس» «اذا كان الحاكم محبا للعدل تذعن له الرعية» موضحا «اذا لم تكن العقوبات عادلة فان الشعب لا يعود يعرف اين يضع يده ولا ثقته» فلو تفقه المجادلون وعقلوا بفكر سديد، وعقل حكيم، وقلب بصير مقولة «جان جاك روسو» «كل عدالة تأتي من الله فهو وحده مصدرها، ولكن لو كنا نعرف اننا نتقبلها من هذا المقام السامي كما يجب لما كنا في حاجة الى حكومة وقوانين» لتبنوا مقولة امين الريحاني «أما العدل الحقيقي فهو الذي يجيء مشفوعا بالرحمة والشفقة والحلم والمحبة» وقد قيل كقاعدة اخلاقية وقانونية «خير للقاضي ان يخطئ في العفو من ان يخطئ في العقوبة» وثبت انه ليس هناك اجمل من الصلح الذي هو سيد الاحكام «حكم التراضي خير من حكم القاضي» فمن الحكم اللاتينية «الغلو في العدل، غلوّ في الظلم» اي الافراط تطبيق حرفية القانون قد يقضي على اعتراض العدالة الوجدانية. ألم تكن تلك المعاني والمضامين مستوحاة من تنزيل العزيز الحكيم حين كشف الخالق تعالى عن الخفي لينير لخاتم رسله عليه الصلاة والسلام الصراط المستقيم بنوره تعالى حين افاده «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر» (آل عمران آية 159) يقينا «إن الله يأمر بالعدل والإحسان» (النحل آية 90) والعدل الالهي يأمر «فإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل» (النساء آية 58) لكن كما قال احد الحكماء «من نظر بعين الهوى خاب ومن حكم بالهوى جار» قيل للمهلب «بم ظفرت؟» قال «بطاعة الحزم وعصيان الهوى» وقيل لأبي القاسم الجنيد «متى تنال النفوس مناها؟» قال «بطاعة الحزم وعصيان الهوى» وقيل لابي القاسم الجنيد» متى تنال النفوس مناها؟» قال «اذا صار داؤها دواها» قيل «ومتى يصير داؤها دواها؟» قال «اذا خالفت النفس هواها» نعم حقّ حقيق علي ان اؤكد «من يهدي الله فهو المهتدي» (الكهف آية 17) وليس من العدل ان يخالف المؤمن ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم «كفوا عن «أهل لا اله إلا الله» لا تكفروهم بذنب فمن اكفر «أهل لا إله الا الله» فهو الى الكفر أقرب» روي عن ابي عمر من طبيعة البشر كما قال قاسم أمين «الانسان أسير شهوته ما دام حيا، وانما تختلف شهواته باختلاف سنه، فشهوة اللعب عند الطفل، وشهوة الحب عند الشباب، وشهوة الطمع عند رجل الاربعين، وشهوة السلطة عند شيخ الستين، جميعها شهوات تعرض صاحبها للهفوات، واقتراف الخطايا، متى وقع فيها احدنا يجب عليه ان لا يترك نفسه الى تصرفها، ولا يستصعب الخلاص منها، ولا ييأس من نفسه، بل عليه ان يقاومها كما يقاوم علته، عليه ان يوجه ارادته الى مصارعتها والتغلب عليها، عليه ان يحول فكره عن الامس الذي كان فيه قبيحا، وينظر الى غده الذي يكون فيه جميلا». ذكرت في كتابي «أضواء على حقوق الاسرة المسلمة من خلال القرآن والسنة» «لما كان الاباء من الناحية الحسية في مواطن الضعف بحكم الكبر وكان الابناء في مكان القوة بحكم الشبيبة وجب على الابناء ان يتحلوا بكرم المعاملة لهؤلاء الاباء، وقد سال احد الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم «أي العمل أحب الى الله عز وجل؟» فقال «الصلاة على وقتها» قال «ثم أي» قال «ثم بر الوالدين» قال «ثم أي؟» قال «ثم الجهاد في سبيل الله» فجعل بر الوالدين بعد الصلاة التي هي أعظم دعائم الإسلام وكذلك جعل بر الوالدين وسطا بين الصلاة التي هي جهاد نفسي، والجهاد في سبيل الله الذي هو جهاد حسي، لان بر الوالدين يشمل الاثنين فهو جهاد نفسي بالادب معهما، وهو جهاد حسي بالبر إليهما واحسان المعاملة معهما وهذا واجب كل انسان فوق الارض» لقد اوضح علي بن ابي طالب الفرق بين التعامل مع الكريم وبين التعامل مع اللئيم فاوصى «اذا سالت كريما حاجة فدعه يفكر فانه لا يفكر الا في الخير واذا سألت لئيما حاجة فعاجله فانه ان فكر عاد الى طبعه» وهل من العدل ان يخالف ابن آدم نهي رب العالمين في قوله تعالى «ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم»؟ (الانعام اية 108) بينما يدعو تعالى الى المصالحة «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» (فصلت آية 34) الم يتفكر ويعقل ابناء آدم في ما ذكرهم به خالقهم تعالى «إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا» (ال عمران آية 103) وبما امركم ونهاهم «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله» (المائدة آية 2) وأكد سبحانه انه «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر» (البقرة اية 185) ومن احاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا» روي عن انس «ليس منا من دعا الى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية» روي عن جبير بن مطعم «ليس الجهاد ان يضرب الرجل بسيفه في سبيل الله تعالى انما الجهاد من عال والديه وعال ولده فهو جهاد ومن عال نفسه فكفها عن الناس فهو جهاد روي عن انس «ليس منا من غش مسلما او ضره او ماكره» روي عن علي بن ابي طالب «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا» روي عن انس «ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه» روي عن عبادة بن الصامت «من حمل علينا السلاح فليس منا» روي عن ابن عمر بن الخطاب «من فرّق فليس منا» روي عن معقل بن يسار «من افتى بغير علم كان اثمه على من أفتاه ومن اشار على اخيه بامر يعلم ان الرشد في غيره فقد خانه» روي عن ابي هريرة «فالاثم على المفتي دون المستفتي «من لا يرحم من في الارض لا يرحمه من في السماء» روي عن جرير «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع الى جنبه وهو يعلم به» روي عن انس بن مالك «ما من امام او وال يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة الا اغلق الله ابواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته «روي عن عمرو بن مرة طمن غش فليس منا» روي عن ابي هريرة «علموا ولا تعنفوا فان المعلم خير من المعنف» روي عن مجاهد «عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش» روي عن عائشة «قولوا خيرا تغنموا واسكتوا عن شر تسلموا» روي عن عبادة بن الصامت «التسويف شعار الشيطان يلقيه في قلوب المؤمنين» روي عن عبد الرحمن بن عوف. اين نحن من وصايا ربنا، ووصايا خاتم رسله عليه الصلاة والسلام الم يكن قول جبران خليل جبران «اليس توبيخ الضمير هو نفس العدالة التي تتوخاها الشريعة التي تتظاهرون بخدمتها» هو وقود لتحريك سواكن الذين «يقولون ما لا يفعلون» (الشعراء اية 226) لقد أنكر الله هذا التناقض في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون» (الصف آيتان 2-3). هل يجوز بعد هذا التبرّؤ من كل الآفات والسيئات والمعنفات والفواحش ما ظهر منها وما بطن ومن الدعوة على التآلف والتيسير والتشاور والعدل والتعقل والتعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان أن يستمر الخصام وإثارة الفتن بين أبناء آدم؟ لقد آلمني ما أشاهد من انحرافات غريبة تنتشر في عصرنا هذا عصر العلم فبحثت عن السبب الجوهري فوجدت أن أهل هذا العصر تركوا البحث العلمي في العلم النافع، واستهواهم البحث في العلم غير النافع، الغريب عن السنن الكونية الطبيعية فاستعوذت بالله العظيم خالقنا من شر نفسي ومن شر عباده، ومن شر ما خلق ومن شر ذي شر لا أطيق شره، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر ما أجد، ومن شر قلب لا يخشع، ومن شر علم لا ينفع، ومن شر دعاء لا يسمع، ومن شر نفس لا تشبع، ومن شر ذرب اللسان، ومن شر بطش اليدين، ومن شر فظاظة القلب وغلظته، ومن شر عقم الرأي، ومن شر جحود الفكر، ومن شر جمود العقل، ثم استعذت برضا الله من سخطه، وبعفوه من غضبه، وبرحمته من عذابه، واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله، وتوكلت على الله، وما توفيقي إلا بالله، حسبي الله ونعم الوكيل حسبي الرب من العباد، حسبي الخالق من المخلوق، حسبي الرزاق من المرزوق، حسبي الله الذي هو حسبي، حسبي الله الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه، حسبي الله وكفى، سمع الله لمن دعا، ليس وراء الله مرمى، حسبي الله إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، سلطانه وملكه لا يزول، «لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير» (الأنعام آية 103) «الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز» (الشورى آية 17) «إذا مرضت فهو يشفين» «الشعراء آية 80) «يشف صدور قوم مؤمنين» (التوبة آية 14) افادنا تنزيل العزيز الحكيم «قال ربكم ادعوني استجب لكم» (غافر آية 60) فدعوت بدعوة أبي الأنبياء والرسل ابراهيم عليه الصلاة والسلام «رب اجعل هذا البلد آمنا» (ابراهيم آية 35) وليطمئن قلبي ذكرت بأحاديث خاتم المرسلين صلّى الله عليه وسلّم «كل كلام في المسجد لغو إلا القرآن وذكر الله ومسألة عن خير واعطائه» روي عن أبي هريرة، و»خصال لا تنبغي في المسجد: لا يتخذ طريقا، ولا يشهر فيه سلاح، ولا يقبض فيه بقوس، ولا ينشر فيه نبلا، ولا يمر فيه بلحم نيّ ولا يضرب به جحد ولا يقتص فيه من أحد ولا يتخذ سوقا» روي عن ابن عمر. ولمزيد التوضيح «المساجد سوق من أسواق الآخرة من دخلها كان ضيفا لله، قراه المغفرة وتحفته الكرامة، فعليكم بالرتاع، قالوا: يا رسول الله وما الرتاع؟ قال: الدعاء والرغبة إلى الله تعالى» روي عن جابر، قال الله تعالى «انما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله» (التوبة آية 18) هكذا الإسلام دين الله الحق عدل، ورحمة، وحلم ومحبة وعفو واستغفار واحسان وعقل وإيمان بوحدانية الله لا شريك له واخوّة في الانسانية وتعاون على البر والتقوى، وشورى ووحدة صماء، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» روي عن أنس بن مالك.