أتحفنا ابو الفتح البستي بنصيحة ذات شأن عظيم في مكارم الأخلاق وفضائلها نصحتك لا تصحب سوى كل فاضل خليق السجايا بالتعفف والظرف لا تعتمد غير الكرام فواحد من الناس ان حصلت خير من الالف ودعم هذه النصيحة ابن العربي بوصية من الوصايا النافعة وإذا صاحبت فاصحب ماجدا ذا عفاف وحياء وكرم قوله للشيء (لا) ان قلت (لا) وإذا قلت (نعم) قال (نعم) وكشف الغطاء احد الشعراء عن قيمة الاخوان ومصاحبة بعضهم بعضا ما ضاع من كان له صاحب يقدر ان يصلح من شأنه فانما الدنيا بسكانها وانما المرء باخوانه ان لفظ «اخ» فيه سعة من الدلالات يفيد النسب كالشقيق وهو الأخ من الأب والام، وهناك اخ من جهة الاب، او من جهة الام. ويفيد معنى «الاخ» في العمل او الصحبة، او المجتمع او العقيدة، الى غير ذلك، ويفيد معنى البشر او الآدميين نسبة إلى آدم أول إنسان مخلوق فكما قيل «الاخاء جوهرة رقيقة» وهي نعمة من نعم الخالق «واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا» (ال عمران اية 103) وأيضا خير من النفس ان كانت اخوة صالحة كما قيل الأخ الصالح خير من نفسك، لان النفس أمارة بالسوء، والأخ الصالح لا يأمر الا بالخير» صحيح «المرء كثير بأخيه» لكن جاء في المثل الهندي «لا صديق كالاخ، ولا عدو كالاخ» وقصة قابيل وهابيل أبشع فاجعة قلدتها الاجيال «فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين» (المائدة آية 30) وقصة يوسف مع إخوته أبشع معاملة مازالت الأجيال تقلدها باساليب متطورة «لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة ان أبانا لفي ضلال مبين، اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين..» (يوسف ايات -7-9) فكاني بقارئ هذه الآيات يلمس ظاهرة الحسد بسبب عدم العدل بين الأبناء مهما كانت الأسباب، فلو كان قاصد الشر لغيره وقع تثقيفه بهذا الحديث النبوي «كف شرك عن الناس فانها صدقة منك على نفسك» روي عن أبي ذر لهدا روعه وغير مقصده، لو فهم الناس ما بلغته الرسل والأنبياء من بلاغات لاستقاموا، فهؤلاء قوم عاد يقولون لأخيهم هود «إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين» (الأعراف آيات 66-68) وكذلك حصل من قوم ثمود مع اخيهم صالح ومن قوم مدين مع اخيهم شعيب، ومن قوم لوط مع اخيهم لوط هؤلاء انحرفوا عن فطرة الله وسنة الطبيعة «كانوا اخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا» (الاسراء آية 27) «وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله ان يتوب عليهم» (التوبة آية 102) وقد بين القرآن الكريم تكاثر عدد الخلطاء» «وإنّ كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم» (ص آية 24). اذا استنطقنا التراث النبوي وجدنا «المسلمون إخوة لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى» روي عن حبيب ابن خراش. وان النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والانصار، أي آلف بينهم بأخوة الاسلام. وفي القرآن الكريم «إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون» (الحجرات اية 10) فيه نهي عن الافتتان «واتقوا فتنة» (الأنفال اية 25) ونهى عن الغلو واتباع الهوى «لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل» (المائدة آية 77) قد يكون الغلو في الجمود وقد يكون في الجحود، فعندما يقول الله تعالى للمسلمين «كنتم خير أمة أخرجت للناس» (آل عمران آية 110) فهو يقصد تعالى الامة الوسط المعتدلة «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا» (البقرة آية 143) وهذا هو التوجه الذي نجده عند خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم ففي الغلو قد نهى «إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من قبلكم بالغلو في الدين» روي عن ابن عباس وفي الحسد «إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» روي عن أبي هريرة وقد هدانا القرآن ان نتعوذ «من شر حاسد إذا حسد» (الفلق آية 5) ونهانا الرسول عليه الصلاة والسلام عن التعسير والتنفير «يسروا ولا تعسروا وبشروا لا تنفروا» روي عن انس، وفي القرآن الكريم «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر (البقرة 185) واعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب خيانة «كبرت خيانة أن تحدث أخاك هو لك مصدق وأنت له كاذب» روي عن أبي سفيان والنواس بن سمعان. وفي القرآن المجيد «ولا تكن للخائنين خصيما» (النساء اية 105) و»إن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل» (الأنفال آية 71) «ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه» (العنكبوت آية 68). فكيف الخروج من هذا السلوك الغريب الممزوج بالغلو او التضليل، جمودا، وجحودا، وبالحسد، والخيانة، والتعسير؟ أوصانا القرآن الكريم «لا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات» (آل عمران اية 105) «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا» (ال عمران آية 103) وفي الحديث النبوي «الجمال صواب القول بالحق والكمال حسن الفعال بالصدق» روي عن جابر «وقروا من تعلمون منه العلم، ووقر من تعلمونه العلم» روي عن ابن عمر والمقصد هم «الراسخون في العلم» كما وضح تنزيل العزيز الحكيم حين خاطب الله ختم رسله صاحب معجزة القرآن بقوله تعالى «هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والرّاسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب» (آل عمران آية 7). والرسول عليه الصلاة والسلام يوصي الراسخين في العلم «كاتم العلم يلعنه كل شيء حتى الحوت في البحر والطير في السماء» روي عن ابي سعيد حتى يوضع سد منيع أمام المتطفلين الذين يفترون على الله الكذب. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه «كفى بالمرء فقها إذا عبد الله، وكفى بالمرء جهلا إذا أعجب برأيه» روي عن ابن عمر بن الخطاب. وكان رحيما رؤوفا في قوله عليه الصلاة والسلام «كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» روي عن أنس: وفي وصيته «لا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا تنافسوا، وكونوا عباد الله إخوانا» روي عن أبي هريرة. وايضا «تصافحوا يذهب الغل عن قلوبكم» روي عن ابن عمر بن الخطاب وكذلك «تعافوا تسقط الضّغائن بينكم» روي عن ابن عمر بن الخطاب. وقد نفّذ ذلك النّبي عليه الصّلاة والسّلام حين آخي بين المهاجرين والأنصار، أي آلف بينهم بأخوّة الإسلام، وتواصل هذا السّلوك المستنير بمكارم الأخلاق بين الأجيال «والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاّ للذين آمنوا» (الحشر آية 10) تلك هي الحقيقة الخالدة «لولا الوئام لهلك الأنام» أي موافقة الناس بعضهم بعضا في الصّحبة والمعاشرة فلولا ذلك لكانت الهلكة. وكذلك «لن يزال النّاس بخير ما تباينوا فإذا تساووا هلكوا» أي ماداموا يتفاوتون في الرّتب، فيكون أحدهم آمرا والآخر مأمورا، فإذا صاروا في الرّتب سواء لا ينقاد بعضهم لبعض فحينئذ هلكوا. قال أبو عبيد «أحسب قولهم فإذا تساووا هلكوا، لأنّ الغالب على النّاس الشّرّ وإنّما يكون الخير في النّادر من الرّجال لعزّته، فإذا كان التّساوي فإنّما هو في السّوء. وقد قيل فضل القول على الفعل دناءة، وفضل الفعل على القول مكرمة» أي من وصف نفسه فوق ما فيه فهو دنيء. ومن يفعل ولا يقول فهو كريم. في المثل «أفق قبل أن يحفر ثراك» قال أبو سعيد: أي قبل أن تثار مخازيك، أي دعها مدفونة. وقال الباهلي: وهذا كما قال أبو طالب: «أفيقوا أفيقوا قبل أن يحفر الثرى ويصبح من لم يجن ذنبا كذي الذّنب في المثل «التّثبّت نصف العفو» دعا قتيبة بن مسلم برجل ليعاقبه فقال: ايها الامير «التثبت نصف العفو» فعا عنه وذهبت كلمته مثلا اعود لاذكر «انما المؤمنون إخوة» (الحجرات آية10) «فإنّ الذّكرى تنفع المؤمنين» (الذّاريات آية 55) حتّى أشعركم بوصيّة الله تعالى لكم «يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيّة الرّسول وتناجوا بالبرّ والتّقوى واتّقوا الله الذي إليه تحشرون إنّما النّجوى من الشّيطان ليحزن الذين آمنوا» (المجادلة آيتان 910)