اخيرا اكتشفت الخارجية الامريكية ان القيود التي تفرضها على الزعيم الافريقي الرمز نلسون مانديلا المصنف الى جانب حزب المؤتمر الوطني الافريقي ضمن القائمة الارهابية السوداء من جانب واشنطن بات امرا محرجا بالنسبة لها... والحقيقة ان مانديلا الذي استحق بدون منازع لقب اخر عمالقة القرن بعد رحيل معاصريه من القادة والزعماء امثال سانغور وبورقيبة وعرفات وعبد الناصر ممن ولجوا التاريخ من ابوابه العريضة ونحتوا اسماءهم بقوة في ذاكرة الشعوب سيكون اخر من يمكن ان يهتز او يثيره هكذا قرار وهو الذي لم يتردد يوما في اعلان آرائه ومواقفه الرافضة لتوجهات الخارجية الامريكية التي خبرها طوال مسيرته النضالية الطويلة التي رسمها بكفاحه الطويل وتضحياته العظيمة على مدى عقود طويلة في مكافحة نظام الميز العنصري ورفض هيمنة الاقلية البيض على الاغلبية السود والاستمرار في اهانتهم ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية. محطات كثيرة في مسيرة مانديلا كانت ولا تزال تشهد على مكانة الرجل لا في جنوب افريقيا، فحسب ولكن في مختلف انحاء العالم ولا سيما في صفوف تلك الشعوب التي لا تزال تكافح من اجل سيادتها وتواصل البحث عن "مانديلا" لينقذها واذا كان العالم يذكر مانديلا على انه تحمل السجن طوال سبع وعشرين عاما من اجل قضيته الوطنية فانه بالطبع لا ينسى انه من رفض مقابلة الرئيس الامريكي جورج بوش قبل خمس سنوات عندما قام بوش باول زيارة له الى جنوب افريقيا ولا تتوقف الدروس السياسية التي قدمها مانديلا للعالم عند هذا الحد وبعد اطلاق سراحه بداية التسعينات وانتصاره على رأس المؤتمر الوطني الافريقي في اول انتخابات متعددة في جنوب افريقيا ليكون اول رئيس اسود للبلاد وقد اختارمانديلا برغم شعبيته وبعد ان ضمن نجاح التجربة الديموقراطية عدم تجديد ترشحه والتنحي عن رئاسة الحزب ليبقى وبرغم ووهنه وتقدمه في السن رمزا افريقيا بل وعالميا لا تزال كلماته ومواقفه ترهب الكثيرين وتجعلهم يحسبون لمهاراته السياسية الف حساب وحساب ولم يتردد مانديلا في الاضطلاع بدور الوساطة في قضية لوكربي ولم يتوان عن زيارة عبد الباسط المقراحي في سجنه باسكتلندا وقد ناشد الرئيس الامريكي مرارا عدم توخي خيار الحرب في العراق وبذلك ظل مانديلا متميزا في حياته السياسية كما في حياته الخاصة ولم يكن يتحرج من الرقص على انغام الموسيقى الافريقية في الملاعب الرياضية او حتى في الشوارع مع اطفال بلاده اويخجل من التعبير عن عواطفه ومشاعره الخاصة وهو الى جانب كل ذلك لا يزال يقود حملة ناشطة لدعم جهود مكافحة السيدا.. ولا شك اليوم انه في اعتراف الخارجية الامريكية اليوم بان تصنيف مانديلا ضمن قائمة الارهابيين عار عليها انما يعكس اعترافا صريحا باصرار القيادات الامريكية على الخطإ طوال عقود وهو خطا مبدئي ومصيري ارتبط بمواقف امريكية بعيدة كل البعد عن الموضوعية القانونية والسياسية والاخلاقية حيث لم تتردد في تاييد ودعم نظام بريتوريا العنصري الذي فرض حظرا على حزب المؤتمر الافريقي منذ الستينات وسجن قادته او نفاهم وقد ظل اعضاء الحزب وبرغم توليه الحكم في جنوب افريقيا حتى اليوم يحتاجون تصاريح خاصة لدخول الولاياتالمتحدة. لقد استحق مانديلا طوال مسيرته المستمرة بانجازاته او باخطائه احترام اعدائه قبل اصدقائه ومناصريه فاستحق من اجل كل ذلك ان يتهم بالارهاب فكان "ارهابيا خاصا جدا" قد يدفع واشنطن الى اعادة مراجعة قائمتها الارهابية الطويلة لاعادة تصنيف المناضلين من اجل حريات شعوبهم وسيادتها وحقها في تقرير المصير..